امام النواب : نقطة نظام..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : السؤال الذي طرحه النواب حول “الكهرباء” - على اهميته – كان يجب ان يسبقه سؤال اهم ، وهو : الى اين نسير..؟
افهم –بالطبع- “لغز” اصرار اغلبية النواب على دفع الحكومة الى تجميد او تعديل قرار رفع اسعار الكهرباء وفق النسبة التي قررتها منذ سنوات (15%)، وادرك -ايضا- ان المزاج النيابي الحاد يعكس حالة من الدفاع المشروع عن “الذات” المجروحة، كما يعكس جزءا من المزاج الشعبي الذي انكفأ على نفسه بعد انفضاض “مولد” الاحتجاجات في الشارع، لكنني اعتقد ان قضية الكهرباء –على اهميتها- لا تستحق ان تكون صاعقا لتفجير العلاقة بين المجلس والحكومة، لا لان هذه العلاقة “سمن على عسل”، ولا لان المطلوب من النواب التزام “الدور” والامتثال للاوامر ، وانما لان ثمة ما هو اهم واكثر اقناعا لترسيم هذه العلاقة واعادتها الى سكتها” الشرعية”.
وبمعنى ادق، اذا كان دفاع النواب عن حق المواطن في تسعيرة اقل للكهرباء استنادا الى المبررات التي سمعناها في جلستهم المشتركة مع الحكومة، هو دفاع عن الحدود، فان اصرارهم وعنادهم واحتشادهم كان يجب ان ينصب في تجاه تحديد مسار بلدنا وتوجيه بوصلته، باعتبار ذلك دفاعا عن الوجود، والوجود اهم من الحدود .
وحتى لو افترضنا –جدلا- ان تسعيرة الكهرباء استخدمت من النواب “كصاعق” سياسي لانتزاع تنازل ما من الحكومة من اجل مساعدتهم في استعادة جزء من ثقة الشارع بهم، فان حصولهم على هذا الاستحقاق (الثمن ان شئت) لا يمكن ان يطوي الملفات الاخرى المعلقة في اذهان كثير من النواب والشارع ايضا، ليس على صعيد الاقتصاد فقط، وانما على صعيد السياسة التي يبدو ان السادة النواب خرجوا فيما مضى من معظم معاركها خاسرين.
بالعودة الى سؤال : الى اين نسير؟ هذا الذي يفترض ان يوجه المجلس الكريم النقاش حوله، هنالك من النواب من يعتقد ان الاجابة عنه مرتبطة بالحكومة فقط، وان المجلس معفى تماما من الخوض فيه، وهنالك على الطرف الآخر من يرى ان اسئلة النواب حول العديد من الملفات والازمات لا تجد ما يناسبها من اجابات، الامر الذي يدفعهم الى السكوت درءا للحرج، وكلا الموقفين يعبران عن حالة هروب وانسحاب من الواقع، اودفاع عن التقصير واعتذار عن القيام بالواجب، او احساس بالاحباط ولا جدوي المواجهة، فيما يرى آخرون ان ساعة حساب الحكومة دقت، وان امتحانها في قضية الكهرباء فتح شهية النواب لمواجهات قادمة، وفي ملفات اخرى اهم، وهو موقف لم يخضع بعد للامتحان وان كانت تجاربنا السابقة تشكك فيه وقد تنفية.
استطيع هنا ان افرق بين الوقائع والامنيات، او بين ما يتوافر لدى بعض النواب من نوايا وعزم لانتزاع دورهم والقيام بواجبهم وبين امكانيات المجلس الذي ولد من رحم قانون انتخاب “اعرج” ، لكن لايجوز - وفي هذه الظروف بالذات –ان نتوقف عند تلك المعادلة الميكانيكية المعروفة والمحسومة سلفا لصالح الحكومة، وانما لا بد ان ندقق في مسألتين هامتين :الاولى الحفاظ على صورة المجلس وسمعته وثقة الناس –النسبية- به، فهزيمة المجلس امام الحكومة وان كانت لا تصب في مصلحة الحكومة ولا في مصلحة البلد ايضا الا ان الاخطر من ذلك انها تجرح هذه المؤسسة، وهذا ما يستوجب الحذر، اما المسألة الاخرى فهي ان امامنا في المرحلة المقبلة ازمات وقضايا وتحولات، سواء في الداخل او في الاقليم، ولن تستطيع الحكومة –اية حكومة – ان تواجهها بمعزل عن برلمان محترم وقوي وموثوق به، وبالتالي فان استعادة البرلمان الحالي لثقة الشارع يجب ان تكون اولوية، لاننا بدونه سنترك للشارع ان يتحرك، او اننا سندفع الناس الى الجدار، ولا اعتقد ان من الحكمة ان نجازف بذلك.
المنطقة مقبلة على تحولات كبرى، ونحن لسنا استثناء، ولذلك لا بد ان نخرج من “الصندوق” الذي وضعنا انفسنا فيه ، وان نفكر جديا في “الحالة “ التي انتهى اليها مجتمعنا اولا، ومجلس نوابنا ثانيا، لان تماسك هذا المجتمع وقوة ممثليه هو الضمان الحقيقي لتجاوز ما يواجهنا من اخطار ، وبقدر ما نرجو من اخواننا النواب ان ينهضوا بادائهم ويستعيدوا عافيتهم ليكونوا على مستوى طموحات الناس، فاننا نتمنى على “الاخرين” ان يساعدوا المجلس في تحقيق ذلك، وألا يحشروه في زوايا ضيقة او في مباريات ودية نتائجها معروفة باستمرار.
من واجب البرلمان الان ان يخرج من “الدائرة الكهربائية” بسرعة، وان يتجاوز اسئلة اللحظة العابرة لكي يفتح امامنا افاق الحوار الوطني الجاد حول مستقبل بلدنا، والازمات الكبرى التي تواجهه، والحلول الممكنة لها، واعتقد ان امام النواب فرصة كبيرة لاثبات حضورهم واستعادة دورهم الحقيقي، لكن هذا سيتوقف على قدرتهم على طرح اسئلة المجتمع الكبرى مثل : هل نسير في الاتجاه الصحيح او لا؟ اين اخطأنا واين اصبنا، ثم ما الذي يمكن ان نفعله لتصيح مساراتنا؟ وذلك من اجل ان نجيب (نحن)عنها بصراحة ..ويحاسب(هو) عليها الحكومة بهدوء ودون انفعال.
(الدستور)
افهم –بالطبع- “لغز” اصرار اغلبية النواب على دفع الحكومة الى تجميد او تعديل قرار رفع اسعار الكهرباء وفق النسبة التي قررتها منذ سنوات (15%)، وادرك -ايضا- ان المزاج النيابي الحاد يعكس حالة من الدفاع المشروع عن “الذات” المجروحة، كما يعكس جزءا من المزاج الشعبي الذي انكفأ على نفسه بعد انفضاض “مولد” الاحتجاجات في الشارع، لكنني اعتقد ان قضية الكهرباء –على اهميتها- لا تستحق ان تكون صاعقا لتفجير العلاقة بين المجلس والحكومة، لا لان هذه العلاقة “سمن على عسل”، ولا لان المطلوب من النواب التزام “الدور” والامتثال للاوامر ، وانما لان ثمة ما هو اهم واكثر اقناعا لترسيم هذه العلاقة واعادتها الى سكتها” الشرعية”.
وبمعنى ادق، اذا كان دفاع النواب عن حق المواطن في تسعيرة اقل للكهرباء استنادا الى المبررات التي سمعناها في جلستهم المشتركة مع الحكومة، هو دفاع عن الحدود، فان اصرارهم وعنادهم واحتشادهم كان يجب ان ينصب في تجاه تحديد مسار بلدنا وتوجيه بوصلته، باعتبار ذلك دفاعا عن الوجود، والوجود اهم من الحدود .
وحتى لو افترضنا –جدلا- ان تسعيرة الكهرباء استخدمت من النواب “كصاعق” سياسي لانتزاع تنازل ما من الحكومة من اجل مساعدتهم في استعادة جزء من ثقة الشارع بهم، فان حصولهم على هذا الاستحقاق (الثمن ان شئت) لا يمكن ان يطوي الملفات الاخرى المعلقة في اذهان كثير من النواب والشارع ايضا، ليس على صعيد الاقتصاد فقط، وانما على صعيد السياسة التي يبدو ان السادة النواب خرجوا فيما مضى من معظم معاركها خاسرين.
بالعودة الى سؤال : الى اين نسير؟ هذا الذي يفترض ان يوجه المجلس الكريم النقاش حوله، هنالك من النواب من يعتقد ان الاجابة عنه مرتبطة بالحكومة فقط، وان المجلس معفى تماما من الخوض فيه، وهنالك على الطرف الآخر من يرى ان اسئلة النواب حول العديد من الملفات والازمات لا تجد ما يناسبها من اجابات، الامر الذي يدفعهم الى السكوت درءا للحرج، وكلا الموقفين يعبران عن حالة هروب وانسحاب من الواقع، اودفاع عن التقصير واعتذار عن القيام بالواجب، او احساس بالاحباط ولا جدوي المواجهة، فيما يرى آخرون ان ساعة حساب الحكومة دقت، وان امتحانها في قضية الكهرباء فتح شهية النواب لمواجهات قادمة، وفي ملفات اخرى اهم، وهو موقف لم يخضع بعد للامتحان وان كانت تجاربنا السابقة تشكك فيه وقد تنفية.
استطيع هنا ان افرق بين الوقائع والامنيات، او بين ما يتوافر لدى بعض النواب من نوايا وعزم لانتزاع دورهم والقيام بواجبهم وبين امكانيات المجلس الذي ولد من رحم قانون انتخاب “اعرج” ، لكن لايجوز - وفي هذه الظروف بالذات –ان نتوقف عند تلك المعادلة الميكانيكية المعروفة والمحسومة سلفا لصالح الحكومة، وانما لا بد ان ندقق في مسألتين هامتين :الاولى الحفاظ على صورة المجلس وسمعته وثقة الناس –النسبية- به، فهزيمة المجلس امام الحكومة وان كانت لا تصب في مصلحة الحكومة ولا في مصلحة البلد ايضا الا ان الاخطر من ذلك انها تجرح هذه المؤسسة، وهذا ما يستوجب الحذر، اما المسألة الاخرى فهي ان امامنا في المرحلة المقبلة ازمات وقضايا وتحولات، سواء في الداخل او في الاقليم، ولن تستطيع الحكومة –اية حكومة – ان تواجهها بمعزل عن برلمان محترم وقوي وموثوق به، وبالتالي فان استعادة البرلمان الحالي لثقة الشارع يجب ان تكون اولوية، لاننا بدونه سنترك للشارع ان يتحرك، او اننا سندفع الناس الى الجدار، ولا اعتقد ان من الحكمة ان نجازف بذلك.
المنطقة مقبلة على تحولات كبرى، ونحن لسنا استثناء، ولذلك لا بد ان نخرج من “الصندوق” الذي وضعنا انفسنا فيه ، وان نفكر جديا في “الحالة “ التي انتهى اليها مجتمعنا اولا، ومجلس نوابنا ثانيا، لان تماسك هذا المجتمع وقوة ممثليه هو الضمان الحقيقي لتجاوز ما يواجهنا من اخطار ، وبقدر ما نرجو من اخواننا النواب ان ينهضوا بادائهم ويستعيدوا عافيتهم ليكونوا على مستوى طموحات الناس، فاننا نتمنى على “الاخرين” ان يساعدوا المجلس في تحقيق ذلك، وألا يحشروه في زوايا ضيقة او في مباريات ودية نتائجها معروفة باستمرار.
من واجب البرلمان الان ان يخرج من “الدائرة الكهربائية” بسرعة، وان يتجاوز اسئلة اللحظة العابرة لكي يفتح امامنا افاق الحوار الوطني الجاد حول مستقبل بلدنا، والازمات الكبرى التي تواجهه، والحلول الممكنة لها، واعتقد ان امام النواب فرصة كبيرة لاثبات حضورهم واستعادة دورهم الحقيقي، لكن هذا سيتوقف على قدرتهم على طرح اسئلة المجتمع الكبرى مثل : هل نسير في الاتجاه الصحيح او لا؟ اين اخطأنا واين اصبنا، ثم ما الذي يمكن ان نفعله لتصيح مساراتنا؟ وذلك من اجل ان نجيب (نحن)عنها بصراحة ..ويحاسب(هو) عليها الحكومة بهدوء ودون انفعال.
(الدستور)