السعودية إلى أين؟
سارع الجناح السديري في الحكم في المملكة العربية السعودية إلى احكام قبضته على الحكم بعد سويعات من الاعلان عن وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وشكلت وفاة الملك عبدالله فرصة مواتية للجناج السديري (اسم يطلق على الاخوة السبعة الاكثر نفوذا من ابناء الملك عبدالعزيز ال سعود من أم واحدة هي حفصة بنت احمد السديري) للاطباق على السلطة في الوقت الراهن والتمهيد لانتقالها لنفس الجناح في الجيل الثاني، وبالفعل اصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز ستة مراسيم أهمها تعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد وفي ذلك اشارة واضحة بأن الملك الأول من بين احفاد عبدالعزيز سينتمي إلى الجناح السديري في الحكم وهو الجناح الذي ضعف نفوذه ايام حكم الملك عبدالله.
ما زالت آلية انتقال الحكم هي ذاتها التي صاغها الملك المؤسس عبدالعزيز عندما حصر المُلك بابنائه، وهذه الآلية الأفقية في اختيار الملك تضمن وحدة العائلة المالكة على اعتبار أن هناك فرصة للجميع، غير أنها آلية غير قابلة للاستمرار في حال انتقال الحكم للجيل الثاني أي لاحفاد الملك عبدالعزيز، عندها سيكون الصراع مريرا وربما يمزق العائلة. أما الآلية الثانية التي يفكر بها بعض الأمراء السعوديين فهي الية انتقال عمودي بمعنى أن ينتقل الحكم من الأب إلى ابنه، وهي آلية ستثير حفيظة الطامحين وستفضي إلى هزات عنيفة داخل العائلة على المدى القريب لكنها ستضمن الاستقرار بعد حين. على كل، ما زالت الآلية الأولى هي المعمول بها ويحتاج العمل بالثانية اجراءات كثيرة أخرى.
حسم الصراع على السلطة لا يعني أن الجناح الآخر في الصراع على السلطة سيستلم سريعا، فقد كان الملك الراحل يمهد انتقال الحكم إلى ابنه الامير متعب عن طريقة تولية الامير مقرن وكان يشرف على هذا الجهد ويهندسة رئيس الديوان خالد التويجري الذي اطيح به في مرسوم ملكي. ليس واضحا كيف سيتصرف جناح الملك الراحل بعد أن خسر الجولة. لكن هذا هو حال العائلة عند كل مرة ينتقل بها الحكم ما تلبث إلا أن تهدأ.
وبعيدا عن الطريقة التي سارع فيها الجناح السديري في احكام سيطرته على الحكم، فإن السعودية تمر في مرحلة انتقالية تحتاج إلى تغيير في الاتجاه، وبوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتعيّن على السعودية أن تفكر مليّا بمسألتين في غاية الأهمية: أولا، تراجع الاهمية النسبية للسعودية بسبب تراجع اعتمادية الغرب وتحديدا الولايات المتحدة على النفط الخليجي، ومن المتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وتكون أكبر دولة منتجة للنفط بالعالم في السنوات القادمة. ثانيا، تأثير إيران في المنطقة لم يعد أمرا متخيلا بل أصبح واقعا، ولهذا السبب على السعودية أن تنتهج سياسة خارجية في ظل شبكة التحديات الداخلية السعودية والصراع المحتمل القادم على السلطة بين ابناء واحفاد عبدالعزيز ال سعود.
هناك اطراف داخل الولايات المتحدة تنتقد دور السعودية في مصر وسوريا على وجه التحديد، ونذكر هنا أن غياب النقد العلني الممنهج لموقف السعودية في الولايات المتحدة يعود لعاملين هما: نشاط لوبي السعودية المؤثر في واشنطن لحماية مصالح السعودية ومنع توجيه نقد لها، وثانيا، تأييد الشركات المصنعة للسلاح النظام السعودي.
ففي السابق شكّل الأمير بندر بن سلطان رقما صعبا في سياسة السعودية القائمة على دفع التطرف والتزمت لضرب خصوم السعودية في الإقليم، على أن الأمر وصل الى نقطة مختلفة في عام ٢٠١٤ عندما ادرك العاهل السعودي الراحل بأن استراتيجية بلده في سوريا فاشلة ولا بد من تغيير اليات هذه السياسة. وهنا جاء الدفع بالأمير محمد بن نايف ليتسلم ملف سوريا. والأمير محمد بن نايف معروف بقربه من واشنطن واتفاقه مع التوجه الأمريكي في ضرورة ضرب الارهاب. الأمير محمد بن نايف الان أصبح الشخصية المحورية في الحكم الجديد وليس الملك سلمان، وفي العام الفائت انقلب محمد بن نايف على خط بندر بن سلطان وقام بالتركيز على دعم جبهة الائتلاف الجنوبية للجيش الحر بدلا من الائتلاف الوطني السوري في الخارج وقام بزج بلاده لتقوم بدور بارز في محاربة الارهاب، وتسعى الاستراتيجية الجديدة الى المساهمة في تأسيس حكومة انتقالية على الارض ذات مصداقية وصديقة للسعودية في الوقت ذاته. وعلى العكس من غيره من الأمراء يتفهم الامير نايف بن محمد مسألة أن اعادة تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة تتطلب تحويل السعودية الى مشارك رئيس في الحرب على الارهاب.
من الآن فصاعدا ستتجه الانظار إلى الأمير محمد بن نايف بوصفه العدو السعودي رقم واحد لتنظيم القاعدة وللتطرف، فهو الذي جاء بفكرة المناصحة (برامج اعادة تأهيل الارهابيين) في سياق الحاق هزيمة بالقاعدة في بلاده، وهي استراتيجية نالت اعجاب الامريكان. وقريبا سيستتب الأمر في السعودية وسيتعيّن على الملك الجديد أن يعيد قواعد اللعبة مع إيران التي وصل نفوذها إلى اليمن المجاور.