2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

ارباح ايران وخسائرها ايضا..!

حسين الرواشدة
جو 24 : تحت الاحساس بالحنين لهواجس “الامبرطورية” واحلامها تتحرك ايران الان في محيطها لاستعادة تلك الامجاد الفائتة، لم تعد تفكر -بالطبع - في تصدير الثورة للمضطهدين والمظلومين في العالم، ولا حتى بمواجهة”الشيطان الاكبر” وشطب اسرائيل من الخارطة، وهي الشعارات التي رفعتها منذ (35) عاما لاستقطاب الجماهير المسلمة التي صفقت للثورة آنذاك، ولكنها تحاول ان “ تتمدد “ عمليا لاحكام قبضتها على الحواضر العربية ، وفرض نفوذها على المنطقة كلها ، ثم انتزاع اعتراف العالم كله بانها اصبحت “المندوب السامي” او “الفقيه المسلح” المؤهل لادارة تركة “الرجل العربي المريض” وحراسة الدين الذي ينتسب اليه اغلبية السكان ، بما يتضمن ذلك من حماية لمصالح الآخرين وامن المنطقة ايضا.
تحررت ايران من منطق الحكومة الاسلامية “ العالمية” التي بشر بها الامام الخميني وتجرع “السم” من اجلها بعد ان وافق على قرار وقف الحرب مع العراق، وانحازت الى منطق “ام القرى” الذي وضعه لاريجاني لاقامة الحكومة الاسلامية “ العملية “ التي لاتكتفي بنشر الفكرة وتصدير الثورة وانما بالتمدد والانتشار في العمق الجغرافي، حتى تكون حدودها مرسومة تماما مع آخر موطىء تضع عليه اقدامها، ومنطق ام القرى هذا يقوم على اساس فرضيتين : الاولى ان ايران هي مركز العالم الاسلامي ، والممثل الشرعي للاسلام، هزيمتها هزيمة له وانتصارها انتصار له، وبالتالي فان من واجبها - دينيا وسياسيا -ان تتحرك لاخضاع الاطراف والهوامش لسيطرتها او نفوذها ، اما الفرضية الثانية فهي ان تحقيق ذلك يتوقف على قدرتها في توسيع حدودها بشكل عملي ، وهي مهمة تحتاج الى “مقاتلين” لا “مبشرين” فقط ، والى تمدد حقيقي على الارض والجغرافيا لا في العقول والقلوب، والى تنظيمات وحركات لها جذور وانتماءات محلية ووطنية لا الى حروب تباشرها بنفسها وتغرق فيها كما حدث لها في العراق.
بدأت ايران في الداخل “بالانقضاض” على المجتمع وحاولت ان تخضعه او تؤهله -على الاقل- لتحمل الاعباء المتوقعة لحرب طويلة تحتاج الى جبهة داخلية اقوى وديمقراطية اقل، ثم تحركت في الخارج” للانقضاض” على فكرة الخوف والعداء التي ترسخت عنها لدى الاخر، سواء بسبب الثورة وما رافقها من شعارات او بسبب النووي الذي اثار الهواجس من حولها، فتوصلت الى اتفاق(1+5) مع الدول الكبرى الذي مهّد الطريق للصفقة الكبرى التي ما تزال معلقة حتى الان، وفي موازاة ذلك كانت ايران انتهت فعلا من الانقضاض على العراق بوضع يدها على السلة والحكم ، ومن لبنان بتتويج حزب الله فاعلا اساسيا في المعادلة السياسية اللبنانية ووكيلا عنها في المنطقة، ومن فصائل المقاومة الاسلامية (حماس والجهاد) بتحالف رفع اسهمها في حربين خرجت منهما غزة بنصف انتصار على الاقل.
جاءت الثورة السورية وكانت (هدية) لايران لكي تتقدم وتضع قدمها في المنطقة، لم تفوت الفرصة بالطبع وانما استثمرتها بشكل لافت، ومع انها دفعت ثمنا اقتصاديا يفوق قدرتها على تحمله(خاصة بعد انخفاض اسعار النفط) الا انها حققت عوائد سياسية مكنتها من الوقوف على اقدام الندية مع اللاعبين الكبار في لعبة الصراع داخل سوريا وعليها، ثم جاءت الثورة اليمنية فاغرتها ايضا بالدخول على الخط من خلال بوابة الحركة الحوثية التي استطاعت بعد عامين ان تكسر اسوارصنعاء وتفرض وجودها على السلطة.
“ام القرى” الان بسطت نفوذها -بشكل كلي او جزئي- على اربعة دول عربية ، واستقطب حماس والجهاد اليها ، “وطلقت” الاخوان المسلمين وقطعت الحبل السري الذي كان يصلها بهم ، وانضمت بشكل غير رسمي الى التحالف الدولي ضد “داعش” ،هذه التي تشكل اكبر تهديد لها ، ثم انها نجحت بتشكيل جيوش شعبية بديلة في العراق واليمن ولبنان ، وودعت عصر الثورات التي تخاطب الجماهير لتدخل عصر الامبرطورية التي تتكلم من فوق وتفرض اوامرها على الخصوم والجيران معا.
لا شك ان ايران الدولة ربحت، لكن لا بد ان نتذكر بان الجغرافيا التي تمددت عليها كانت رخوة تماما ، فقد تشكلت في ظل تحولات عربية انتهت الى سقوط انظمة وبروز حركات متطرفة وعموم حالة من الفوضى ، وهذا كله مؤقت ، كما لابد ان نتذكر ان ما فعلته ايران كان مجرد عملية “ابتلاع” لجغرافيا ومناطق نفوذ مزدحمة بالمصائد ابتداء من مصيدة المذهب الى مصيدة التاريخ الى مصيدة القهر ، وهي باتاكيد لن تستطع ان تنجو من هذه المصائد في المدى البعيد، كما ان “هضم “ اللقمة العربية ذات الكتلة السنية الكبيرة تبدو بالنسبة لايران مغامرة وربما عملية انتحار .
كان يمكن لايران ان تتعامل بعقلانية مع جيرانها وان تمد لهم يد التفاهم والعون بدل ان تقتنص الفرصة للانقضاض على “الرجل العربي المريض” ، كان يمكن لها ايضا ان تتحرك من منطق الثورة لا الامبرطورية ،والتاريخ لا الجغرافيا ، والشقيق الاصغر لا السيد الاكبر، ومن منطق طهران لا “ام القرى” ،لكنها تحركت بعكس الاتجاه وبالتالي فانها خسرت هنا المستقبل ،خسرت الثورة وخسرت التاريخ حين استغرقت في احلام الماضي واحتكمت لاغراءات الجغرافيا وهواجس الدولة وثارات التاريخ ومظلومياته القاتلة.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير