jo24_banner
jo24_banner

كيف نوازن بين الحزم والحكمة...؟

حسين الرواشدة
جو 24 : لم يكن مجتمعنا في أي وقت مضى أفضل مما كان عليه خلال الأيام الفائتة، صحيح ان الجريمة البشعة التي أودت بحياة الشهيد معاذ صدمتنا وهزت مشاعرنا ، وصحيح ان الذين خططوا لها ونفذوها استهدفوا زعزعة ثقتنا بانفسنا وزرع الفتنة فيما بيننا ، ولكن الصحيح - والمؤكد أيضا - اننا تجاوزنا هذا الامتحان باقتدار ، فقد خرج مجتمعنا موحدا ومتماسكا، كما أثبتت أجهزتنا ومؤسساتنا انها على مستوى “التحدي”، وهكذا أفرزت الأزمة أفضل ما لدينا من قيم التماسك والتوحد والشهامة ، ومن صور الاستعداد للتضحية من اجل الوطن مهما كان الثمن.
كانت “المحنة” بالنسبة للأردنيين فرصة لاستعادة العافية واحياء الهمة الوطنية، مثلما كانت بالنسبة للدولة “لحظة” تاريخية لابراز قوتها ومنعتها وقدرتها على الامساك بزمام المبادرة، وفيما كان البعض يراهن على ان الضربة ستكسر ظهورنا استطعنا ان نحولها الى مصدر قوة، وبالتالي أصبح من حقنا ان نعتز بهذا “المعدن” الأردني الأصيل ، وان نستثمر في هذه الحالة الاردنية التي اثارت اعجاب العالم كله.
الان، لا بد ان ندقق فيما حدث، فنحن امام مرحلة جديدة مختلفة، وأكثر ما نحتاجه الى جانب العزم والشجاعة هو “الحكمة”، فالحرب التي انحزنا للمشاركة فيها ضد هذا التنظيم الارهابي اخذت منحى اخر، ومن واجبنا ان نستعد لها ونواجهها، لا اتحدث -هنا فقط- عن الضربات الجوية التي نجح صقورنا البواسل من خلالها في “دك” معاقل داعش، وإنّما ايضا عن الشقين الامني والفكري، والاهم الحرب النفسية والمعنوية التي اعتقد انها الاخطر في سياق ما يضمره هذا التنظيم الغبي والتوحش ضدنا ، وهنا فان انتصارنا عسكريا لا بد ان يتزامن مع انتصارات اخرى، لان هزيمة داعش الحقيقية مجالها الاساسي هنا كما هو في الرقة والانبار ، وميادينها في العقول والافكار ،كما هي في المعاقل التي احتشد فيها هؤلاء”المرتزقة” الذين خرجوا من “كهوف” الجريمة ، او جاءوا من وراء البحار.
في سياق هذه الحرب التي يبدو انها طويلة ، لا بد ان ننتبه الى ان داعش فتحت امامنا ابوابا “لشرور” قائمة وقادمة لا نعرف حتى الآن ما يمكن ان تفضي اليه من نهايات، ولذلك فان اول ما يجب ان نفعله هو ألاّ نقع في “فخ” الخوف الذي استهدفتنا به حين صدرت الينا هذه الصورة البشعة، وارادت ان تحرق مشاعرنا بها ، ولا في “فخ” الجدل الديني الذي تحاول ان تورطنا فيه من خلال “تدعيش” بعضنا ضد البعض الآخر ، ولا في “فخ” الترويج الاعلامي لمقولاتها من خلال الردود عليها وكأنها يمكن ان تكون محسوبة على الاسلام ، وهي لا علاقة لها بالدين -اي دين - ولا بالإنسانية والآدمية أيضا.
داعش الان في اضعف حالاتها، ونحن كدولة وكمجتمع اقوى وافضل من اي وقت مضى، هي خرجت خاسرة ونحن ربحنا انفسنا وسلامة بلدنا وربحنا الضمير الانساني، هي غامرت واستثمرت في غبائها وتوحشها وكشفت صورتها الحقيقية، ونحن فعلنا ما يتوجب علينا ان نفعله للدفاع عن ديننا وبلدنا وكرامة “الانسان” الحر فينا، ونجحنا في الرد على هذا الشر الذي استهدفنا ، لكن المعركة لم تنته بعد، وهزيمة هذا التنظيم -كما قلنا - ستحتاج الى ردود حازمة، نستثمر فيها قدراتنا وامكانياتنا ، لكن دون ان ننجر الى اهداف اخرى او ان نقع في اي كمين، وهو تماما ما تريد داعش الان بعد ان فشلت في مهمتها وارتد كيدها الى نحرها ، ثم انه لا يخفى علينا ما يدور في منطقتنا من صراعات وحروب وخلط للاوراق والمواقف، وما تتعرض له بلداننا من انقسامات واشتباكات، وحسبنا اننا نجونا من هذه العواصف المدمرة وصار واجبا علينا ان نحافظ على هذا الانجاز وان نتعامل مع ما نواجهه -مهما كان وزن خطورته- بمنطق الدولة الذي يعتمد القوة الى جانب الحكمة.
كيف نوازن بين الحزم والحكمة؟هذا بالطبع يحتاج الى كلام طويل ربما لم يحن وقته بعد، لكن لا بد ان ننتبه الان على الاقل الى ثلاثة مسارات : الاول ان نستثمر فيما انجزناه من وحدة وطنية افرزت افضل ما لدينا من طاقات ، وألاّ نسمح لاحد ان يبدد هذا الانجاز مهما كانت الاسباب والذرائع، الثاني ألاّ ننجر الى تصفية اية حسابات مع اي طرف شريك في المعادلة الوطنية، سواء تحت لافتة السياسة او لافتة الدين ، ، لان ما فعلته داعش لا علاقة له بالدين اصلا ، كما ان اي اختلاف في السياسة لا يجوز ان ينصرف الى الاختلاف على المصالح الوطنية،هذه التي اثبتت تجاربنا وقت المحن والازمات اننا جميعا لا نختلف عليها، الثالث انه لا بأس ان نوجه نقاشاتنا العامة بصورة واضحة وحكيمة حول “الحرب” التي نخوضها الان ضد تنظيم داعش الارهابي لكي نعرف اين نضع اقدامنا وكيف نستعد لهذه الحرب وما هي استحقاقاتها ثم ما الذي يجب ان نفعله لحماية بلدنا من اخطارها ، وكيف نخرج منها باكبر انتصار واقل ما يمكن من خسائر..


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير