2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هل يوجد بيننا دواعش..؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : ماهي السمة العامة لخطاب التدين في بلادنا؟ هل يوجد بيننا دواعش، وهل صحيح انهم اختطفوا الجمهور، وعلى من تقع المسؤولية : على الدولة ومؤسساتنا الدينية وكليات الشريعة في جامعاتنا او ايضا على الحركات والمؤسسات التي اشتغلت بالدعوة والسياسة، سواء من موقع المعارضة او موقع اللاءات المقنّعة..؟
هذه مجرد نماذج من اسئلة عديدة يطرحها البعض على هامش ما يسمى بالتطرف”الديني” الذي تورطت فيه التنظيمات التي انحازت للعنف من منصة الانتساب للاسلام، لكن قبل ان اجيب عنه استأذن بتسجيل ملاحظتين اثنتين : الاولى ان بعض الانتهازيين الذين يتقصون الاساءة للدين يمارسون خلطا متعمدا بين الاسلام بنصوصه وقيمه ومقاصده وبين “الموروث” الديني الذي هو جهد بشري يحتمل الخطأ والصواب، ويمكن ان نقبله او نرفضه وفق ما يتناسب مع واقعنا وما استجد عليه من متغيرات، وهدفهم من هذا الخلط واضح ومفهوم وهو تحميل الدين مسؤولية التطرف والصاق تهمة التخلف به، لاقناع الجمهور بالعزوف عنه والتحريض على اقصائه من المجال العام وتفصيل احكامه ونصوصه على مقاسات تتناسب مع فهمهم للدين ومواقفهم منه، سواء بدافع ايديولوجي او سياسي.
اما الملاحظة الثانية فهي ان هؤلاء الذين ركبوا موجة “ التدعيش” افرزوا اسوأ ما لديهم من تطرف، ليس ضد الدين فقط، وانما ضد القيم الانسانية الاصيلة، مثل: الحرية والعدالة والتعددية، وهذا ما اكدته تجاربهم حين قبلوا بالديمقراطية ثم انقلبوا عليها بعد ان خرجوا من الصناديق خاسرين، ومع ان خصومتهم مع الدين والمحسوبين عليه تعبر عن موقف انتهازي، كما انها توظف في سياق تصفية حسابات سياسية، الا انها مع اختلال ميزان الانصاف وغياب اخلاقيات الخصومة تفقد صدقيتها تماما.
بالعودة الى الاسئلة التي طرحتها سلفا، اعتقد ان السمة العامة للتدين لدينا هي سمة “ الاعتدال” لان بيئتنا الاجتماعية ترفض التطرف، كما ان قيمنا الاجتماعية -والسياسية في الغالب - تنبذ المتطرفين، لكن ذلك لا يعني ابدا انه لا يوجد لدينا خطاب متطرف او اشخاص ينتمون الى فصيلة “ الدواعش” بالمعنى الفكري، وان بعضهم للاسف اختطف الجمهور ( وهم بالطبع ليسوا محصورين في المجال الديني فقط) ، ويمكن ان نذكر هنا ان بعض الرؤوس الكبيرة التي “لعبت” في مونديال التطرف بدور “البطولة” خرجت او مرت من هنا، و ان “قرامي “ الفكر المتطرف وفدت الينا من الخارج، كما ان منابرنا ومنهاجنا التعليمية والتربوية وقاعات التدريس في بعض كليات الشريعة بجامعاتنا لا تخلو من صدى لهذا التطرف، وهذا يشمل ايضا ما يتردد داخل بعض حركاتنا التي تعمل بالدعوة او بالسياسة من خطاب يضمر ميولا الى التطرف :سواء فيما يتعلق بالفقه وتوابعه(التكفير مثلا) او بالسياسة التي اختلطت بالدين .
لكي نعرف كيف دخل التطرف الى مجالنا الديني لابد ان نعترف انه لايوجد لدينا -كدولة - مشروع ديني ، ولم نفعل ما يجب ان نفعله لتعزيز استقلالية المؤسسات الدينية الرسمية لتقوم بدورها وتستعيد ثقة الجمهور بها، كما ان العلاقة بين الديني والسياسي ما زالت ملتبسة؛ ما ولّد صراعا على الدين، ليس بهف خدمته وتطوير الافكار المتعلقة به وانما من اجل توظيفه، كما ان الخطاب الديني يعاني من الضعف والخوف سواء بسبب الفوضى التي اجتاحت المجال الديني او بسبب الانصياع لرغبات الجمهور، زد على ذلك اننا لم نحسن الاستثمار في الدين ولم نفرز ما يلزم من رموز دينية حقيقية وموثوق بها، ولا مؤسسات دينية تشكل اطارا للعلماء او مرجعيات مستقلة للنهوض بمسؤلية التنوير الديني، كما اننا لم نوفق في تحرير مناهجنا الدينية من الافكار والفهومات التي قدمت الاسلام بصورة مجتزأة احيانا ومتناقضة احيانا اخرى مع مقاصده وقيمه العليا، وقد افضى هذا كله الى انتاج انماط مختلفة من “التدين” الاستهلاكي والاستعلائى، وخطاب ديني رجراج ومتردد ومنحاز للاشخاص لا للنصوص، يخاطب الغرائز بدل ان يخاطب العقول، ويتماهى مع الازمات بدل ان يقدم ما تحتاجه من حلول، ويستغرق في تعميم الحرام ومخاصمة الدنيا بدعوى الورع بدل ان يتصالح مع الذات ومع الاخر ومع الدنيا ايضا
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير