ماذا قدمنا لـ «علمائنا» كي نسمع صوتهم ...؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : قبل أن نسأل دائرة الإفتاء العام – مثلا- : ماذا أنجزتم في سياق استراتيجية مواجهة التطرف، يجب ان نسأل : ماذا قدمنا لهذه المؤسسة الدينية لمساعدتها على انجاز مهمتها..؟ لا اتحدث هنا عن الموازنة المتواضعة المخصصة للدائرة والتي لا تزيد على مليون ونصف المليون دينار حيث يذهب معظمها لرواتب المفتين والباحثين، ولا عن المنابر الاعلامية التي تختار زبائنها على مسطرة العلاقات العامة وتحرم الافتاء من ان يحظى مثل غيره بما يستحقه من نصيب، ولا عن حاجة الدائرة لـ “مقسم” حديث يستوعب آلاف المكالمات التي تستقبلها كل يوم ، ولا عن انشاء مبنى يليق بدار الفتوى بدل العمارة السكنية الصغيرة التي تداهمها السيول في كل شتاء ، وانما اتحدث ايضا عن اعتبارات معنوية غائبة كان يفترض ان تضع دائرة الافتاء في الموقع الذي تستحقه ، باعتبار ان مقام “المفتي” يفترض ان يكون من اعلى المراتب في البلد، وباعتبار ان “دار الفتوى” منارة للفكر الاسلامي المعتدل ، ومن المفارقات ان الدولة الاردنية في بداية نشأتها خصصت للافتاء موقعا مستقلا، وربطت من تبوأ هذا المنصب بالأمير عبدالله آنذاك، وكان المفتي يتقدم بالبروتوكول على اعلى وظيفة في الدولة ، تماما كما يتبوأ في الاسلام اعلى مكانه باعتباره كما يقول الامام الشاطبي :”قائما في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم” ، او بتعبير الشيخ القرافي:”ترجمان عن الله تعالى”.
سؤال: ماذا قدمنا للافتاء من دعم مادي ومعنوي ، ولمؤسساتنا الدينية ايضا، ينطبق تماما على علمائنا المعتبرين الذين حاصرناهم بالتجاهل وقلة الاهتمام، لدرجة اننا اصبحنا “نستورد” –آسف للكلمة- علماء من خارج الحدود (مع الاحترام لهم ) من اجل ان نزّين بهم احتفالاتنا ، وكأنه لا يوجد لدينا علماء في الاردن يمكن ان يبيّضوا وجوهنا ويقوموا بالواجب.
من المخجل حقا ان نسأل اليوم ونحن نواجه هذه الموجة العاتية من التطرف والغلو والتوحش : اين علماؤنا ودعاتنا ، واذا كانوا موجودين فلماذا لا نراهم على شاشاتنا وفي وسائل اعلامنا ؟ ثم لماذا اعتلى هذه المنابر اشخاص طارئون على “الصنعة” ، او دعاة مغشوشون سرعان ما اكتشف الجمهور “زيفهم “ اوقلة بضاعتهم ، فانفض عن “موالدهم” ، وعزف عن سماع صوت الدين من فوق السنتهم؟
قبل ان نحاسب هؤلاء الاصلاء المحسوبين على مجالنا الديني ، وقبل ان ننتقد غيابهم او تقصيرهم ، ثم نطالبهم القيام بدورهم، لا بد ان ندقق في موقفنا من “التدين” ومن الشباب المتدينين، وفي مكانة الدين في حياتنا واحترامنا لرموزه وعلمائه وشعائره ، وفيما اذا كنا نريد حقا الاستثمار بالدين لبناء مجتمعنا على اسس راسخة من الاخلاق ، وتربية ابنائنا وفق مبادئه وقيمه السامية ، ام اننا نريد “ استغلال “ الدين واستخدامه كفلكلور شعبي للمناسبات او كخطاب سياسي لانتزاع الاصوات في الانتخابات؟!
لا يوجد احد يمكن ان ينهض بمشر وع مواجهة التطرف او اصلاح الخطاب الديني او تصحيح مسارات المناهج في مدارسنا وكليات الشريعة في جامعاتنا الا العلماء الاصلاء، والدعاة الحقيقيون ، وهؤلاء موجودون ، لكن بعضهم جرى تغييبه ، وآخرون عزلوا انفسهم لأنهم لم يقبلوا ان يتم استدعاؤهم وقت الحاجة وكأنهم “تحت الطلب”، فيما تسيّد المشهد -للأسف- “انصاف” علماء لبسوا عباءة الدين وحاولوا ان يقنعوا الجمهور انهم يمثلون الضمير العام ، لكنهم للاسف خرجوا خاسرين ، فيما دفع مجتمعنا ضريبة فشلهم مزيدا من التطرف والاساءة للدين.
بصراحة، اذا كنا جادين في مواجهة التطرف واقناع الشباب الذين ضلت اقدامهم اليه ، لا بد ان نعيد الاعتبار لمؤسساتنا الدينية ، وان ندعمها بقوة ونحافظ على استقلالها، ونشجع العاملين فيها ونفتح امامهم ابواب الاعلام لكي ينشروا رسالتهم ويعززوا ثقة الناس بها ، ولا بد ان يكون للدولة “علماؤها” المستقلون الموثوق بهم، وان يحظوا بكل تقدير واحترام، وان تؤخذ نصائحهم على محمل الفعل والجدّ، ويترك لهم المجال ليقولوا كلمتهم في الشأن العام دون استدعاء او اكراه، ومن المفارقات ان الدول “تصنع” لها رموزا من العلماء والدعاة وتستثمر في علمهم وثقة الناس بهم ، فيما نحن لم نوفق في “صناعة” رموز ومرجعيات دينية معتبرة ، واكتفينا بـ “الاستعانة” بآخرين روجنا لخطابهم وحشدنا الجماهير للاستماع اليهم، ثم اكتشفنا ان بعضهم لا يمثلون الاعتدال الذي نبحث عنه ، ولا الاسلام الذي نريد لأجيالنا ان تتعلم منه قيم السماحة واحترام الذات والآخر ، والتقدم نحو العصر بعقول مفتوحة لا بمجرد عواطف تستغرق في الماضي وتستلهم منه احيانا اسوأ ما فيه.
من واجبنا اليوم ان نرفع اصواتنا للمطالبة بإنصاف “الافتاء” و”الاوقاف” و” دائرة قاضي القضاة” ، واعادة علمائنا الاجلاء الى المواقع التي يستحقونها في مؤسسات الدولة ومنابرها الثقافية والسياسية والاعلامية لنسمع صوتهم ، ونعزز الثقة بهم ، ونعمّم نماذجهم “الوطنية” النظيفة لكي يلهموا اجيالنا ويسددوا خطاهم نحو الاعتدال والخير الذي نريده لبلدنا ..
(الدستور)
سؤال: ماذا قدمنا للافتاء من دعم مادي ومعنوي ، ولمؤسساتنا الدينية ايضا، ينطبق تماما على علمائنا المعتبرين الذين حاصرناهم بالتجاهل وقلة الاهتمام، لدرجة اننا اصبحنا “نستورد” –آسف للكلمة- علماء من خارج الحدود (مع الاحترام لهم ) من اجل ان نزّين بهم احتفالاتنا ، وكأنه لا يوجد لدينا علماء في الاردن يمكن ان يبيّضوا وجوهنا ويقوموا بالواجب.
من المخجل حقا ان نسأل اليوم ونحن نواجه هذه الموجة العاتية من التطرف والغلو والتوحش : اين علماؤنا ودعاتنا ، واذا كانوا موجودين فلماذا لا نراهم على شاشاتنا وفي وسائل اعلامنا ؟ ثم لماذا اعتلى هذه المنابر اشخاص طارئون على “الصنعة” ، او دعاة مغشوشون سرعان ما اكتشف الجمهور “زيفهم “ اوقلة بضاعتهم ، فانفض عن “موالدهم” ، وعزف عن سماع صوت الدين من فوق السنتهم؟
قبل ان نحاسب هؤلاء الاصلاء المحسوبين على مجالنا الديني ، وقبل ان ننتقد غيابهم او تقصيرهم ، ثم نطالبهم القيام بدورهم، لا بد ان ندقق في موقفنا من “التدين” ومن الشباب المتدينين، وفي مكانة الدين في حياتنا واحترامنا لرموزه وعلمائه وشعائره ، وفيما اذا كنا نريد حقا الاستثمار بالدين لبناء مجتمعنا على اسس راسخة من الاخلاق ، وتربية ابنائنا وفق مبادئه وقيمه السامية ، ام اننا نريد “ استغلال “ الدين واستخدامه كفلكلور شعبي للمناسبات او كخطاب سياسي لانتزاع الاصوات في الانتخابات؟!
لا يوجد احد يمكن ان ينهض بمشر وع مواجهة التطرف او اصلاح الخطاب الديني او تصحيح مسارات المناهج في مدارسنا وكليات الشريعة في جامعاتنا الا العلماء الاصلاء، والدعاة الحقيقيون ، وهؤلاء موجودون ، لكن بعضهم جرى تغييبه ، وآخرون عزلوا انفسهم لأنهم لم يقبلوا ان يتم استدعاؤهم وقت الحاجة وكأنهم “تحت الطلب”، فيما تسيّد المشهد -للأسف- “انصاف” علماء لبسوا عباءة الدين وحاولوا ان يقنعوا الجمهور انهم يمثلون الضمير العام ، لكنهم للاسف خرجوا خاسرين ، فيما دفع مجتمعنا ضريبة فشلهم مزيدا من التطرف والاساءة للدين.
بصراحة، اذا كنا جادين في مواجهة التطرف واقناع الشباب الذين ضلت اقدامهم اليه ، لا بد ان نعيد الاعتبار لمؤسساتنا الدينية ، وان ندعمها بقوة ونحافظ على استقلالها، ونشجع العاملين فيها ونفتح امامهم ابواب الاعلام لكي ينشروا رسالتهم ويعززوا ثقة الناس بها ، ولا بد ان يكون للدولة “علماؤها” المستقلون الموثوق بهم، وان يحظوا بكل تقدير واحترام، وان تؤخذ نصائحهم على محمل الفعل والجدّ، ويترك لهم المجال ليقولوا كلمتهم في الشأن العام دون استدعاء او اكراه، ومن المفارقات ان الدول “تصنع” لها رموزا من العلماء والدعاة وتستثمر في علمهم وثقة الناس بهم ، فيما نحن لم نوفق في “صناعة” رموز ومرجعيات دينية معتبرة ، واكتفينا بـ “الاستعانة” بآخرين روجنا لخطابهم وحشدنا الجماهير للاستماع اليهم، ثم اكتشفنا ان بعضهم لا يمثلون الاعتدال الذي نبحث عنه ، ولا الاسلام الذي نريد لأجيالنا ان تتعلم منه قيم السماحة واحترام الذات والآخر ، والتقدم نحو العصر بعقول مفتوحة لا بمجرد عواطف تستغرق في الماضي وتستلهم منه احيانا اسوأ ما فيه.
من واجبنا اليوم ان نرفع اصواتنا للمطالبة بإنصاف “الافتاء” و”الاوقاف” و” دائرة قاضي القضاة” ، واعادة علمائنا الاجلاء الى المواقع التي يستحقونها في مؤسسات الدولة ومنابرها الثقافية والسياسية والاعلامية لنسمع صوتهم ، ونعزز الثقة بهم ، ونعمّم نماذجهم “الوطنية” النظيفة لكي يلهموا اجيالنا ويسددوا خطاهم نحو الاعتدال والخير الذي نريده لبلدنا ..
(الدستور)