المُسَرنمون !!
خيري منصور
جو 24 : السؤال المتكرر الذي يسمعه المرء اينما ولّى وجهه في عالمنا العربي هو الى اين نسير ؟ وماذا يخبىء الغد لأطفالنا؟ وحسب نظرية ألتوسير الشهيرة فإن هناك اسئلة تبقى بلا اجابات لأنها اسئلة خاطئة وتحتاج الى اعادة صياغة، فمن يسألون الى اين نسير لا يدركون بأنهم يراوحون في مكانهم على طريقة محلّك سِرْ منذ عقود، ومنهم من يدرك بأن السير مستمر لكن الى الوراء، اما القادم من الأيام فعلمه ليس عند العرافات وقرّاء الثمالة العالقة بجدران فناجين القهوة، بل عند من يخططون وينتظرون الثمار كي تنضج لتسقط في سلالهم !
ملايين العرب التائهون الذين يسألون الى أين نسير لم يكونوا ذات يوم شركاء في صناعة مصيرهم، فهم لزمن طويل مجرد كتل ديموغرافية صمّاء، تصلح كما قال الراحل الماغوط لأزمات السير عند اشارات المرور او لمظاهرات موسمية هي في اغلبها من اجل الرّغيف، حتى المثقفون عندما اضربوا واعتصموا ذات يوم كان ذلك بسبب البطالة ومن اجل الرغيف اما الحرية فهي في مكان آخر، وينسى من يسألون عن السّير ان الكسيح لا بد له من اعمى يتعاقد معه بحيث يجلسه على كتفيه، وهذا النمط من المقايضات في عالم يعج بالعميان والمقعدين يزدهر في مراحل تاريخية مُعيّنة، منها مثلا ما يتحدث عنه ابن اياس في بدائع الزهور عن بشر اصطادوا بشرا آخرين بالخطافات وأكلوهم، وسرقوا من باب المحكمة بغلة القاضي وأكلوها، ومنهم من طبخ اطفاله ! او في خريف عباسي ينتقم فيه المولى من سيده فيحرمه من ركوب الخيل وقد يفقأ عينيه ويضعه على بغلة عرجاء ويطوف به في ارجاء المدينة!
وان كان من حقنا ان نجيب من يسألون الى اين نحن ذاهبون فاني اذكرهم وابناء جيلي منهم بشكل خاص بذلك الاعلان البدائي بالاسود والابيض على دفاتر المدرسة الابتدائية في الخمسينات وهو : الى اين انت ذاهب يا بنيّ ؟ والاجابة الاعلانية ... الى مكتبة كذا ... ولماذا يا بنيّ ؟ كي اشتري قلما وممحاة .
ويبدو ان ما كنا نشتريه هو الممحاة وبدلا من ان نكتب نمحو وبدلا من ان نقرأ نمحو ايضا !
السائرون نياما او « المسرنمون « غالبا ما يسقطون عن حافة السطح اذا لم ينبّههم احد من ذويهم بأنهم نائمون اما السائرون الى الوراء، فهم على عدة مواعيد مع مجتمع ما قبل الدولة وما قبل الكهرباء لأنها تنقطع الان في معظم الوطن العربي، والى ما قبل القوانين لأن شريعة هولاكو لا حمورابي هي المقررة .
فهل ثمة من يسأل بعد كل هذا : الى اين نحن ذاهبون ؟
ملايين العرب التائهون الذين يسألون الى أين نسير لم يكونوا ذات يوم شركاء في صناعة مصيرهم، فهم لزمن طويل مجرد كتل ديموغرافية صمّاء، تصلح كما قال الراحل الماغوط لأزمات السير عند اشارات المرور او لمظاهرات موسمية هي في اغلبها من اجل الرّغيف، حتى المثقفون عندما اضربوا واعتصموا ذات يوم كان ذلك بسبب البطالة ومن اجل الرغيف اما الحرية فهي في مكان آخر، وينسى من يسألون عن السّير ان الكسيح لا بد له من اعمى يتعاقد معه بحيث يجلسه على كتفيه، وهذا النمط من المقايضات في عالم يعج بالعميان والمقعدين يزدهر في مراحل تاريخية مُعيّنة، منها مثلا ما يتحدث عنه ابن اياس في بدائع الزهور عن بشر اصطادوا بشرا آخرين بالخطافات وأكلوهم، وسرقوا من باب المحكمة بغلة القاضي وأكلوها، ومنهم من طبخ اطفاله ! او في خريف عباسي ينتقم فيه المولى من سيده فيحرمه من ركوب الخيل وقد يفقأ عينيه ويضعه على بغلة عرجاء ويطوف به في ارجاء المدينة!
وان كان من حقنا ان نجيب من يسألون الى اين نحن ذاهبون فاني اذكرهم وابناء جيلي منهم بشكل خاص بذلك الاعلان البدائي بالاسود والابيض على دفاتر المدرسة الابتدائية في الخمسينات وهو : الى اين انت ذاهب يا بنيّ ؟ والاجابة الاعلانية ... الى مكتبة كذا ... ولماذا يا بنيّ ؟ كي اشتري قلما وممحاة .
ويبدو ان ما كنا نشتريه هو الممحاة وبدلا من ان نكتب نمحو وبدلا من ان نقرأ نمحو ايضا !
السائرون نياما او « المسرنمون « غالبا ما يسقطون عن حافة السطح اذا لم ينبّههم احد من ذويهم بأنهم نائمون اما السائرون الى الوراء، فهم على عدة مواعيد مع مجتمع ما قبل الدولة وما قبل الكهرباء لأنها تنقطع الان في معظم الوطن العربي، والى ما قبل القوانين لأن شريعة هولاكو لا حمورابي هي المقررة .
فهل ثمة من يسأل بعد كل هذا : الى اين نحن ذاهبون ؟