عوامة بسعة وطن !!
في رواية نجيب محفوظ الاشكالية التي أدانت العرب بكل شرائح مجتمعاتهم يسأل المحامي صديقه الطبيب متى ستحل ازماتنا العربية؟ فيجيبه على الفور عندما نسمع انها حلت من الراديو، وكان محفوظ قدم في تلك الرواية التي تحمل عنوان ثرثرة فوق النيل نماذج من كل شرائح المجتمع، منهم المحامي والطبيب والصحفي والبيروقراطي اضافة الى نساء يعشن خارج الزمن، والرواية كانت نقدا لاذعا للعرب بعد هزيمة حزيران لأن الناس كانوا سكارى يعيشون في عوامة بسعة قارة ولا يعنيهم من هذا الوجود غير مسرات عابرة وواجه محفوظ يومئذ نقدا رسميا واستنكارا من الدوائر الثقافية الرسمية، فهل خرج العرب من تلك العوامة وادركوا ان الانسان احيانا يهزم نفسه وهو آخر من يعلم! ام ان صمت المدافع والطائرات وكأن شيئا لم يكن اعادهم الى الغيبوبة ذاتها، بالطبع ستتفاوت الاجابات تبعا لمنسوب الوعي اولا وللنوايا ثانيا وقد يتصور البعض ان الحراكات المتقطعة في العالم العربي دليل يقظة واعلان عصيان على نمط داجن من الحياة، لكن سؤالا يفرض نفسه في هذا السياق وهو لماذا لا يتحول التراكم الى قفزة نوعية؟ خصوصا وان الحراكات تبدأ عاصفة وصاخبة لكنها سرعان ما تهدأ، والارجح ان السبب تاريخي واجتماعي بامتياز لأن النخب التي تختطف الحراكات وتمضي بها الى جهة اخرى لا مصلحة لها في تغيير الحال، لأنها ترتبط جذريا بسياقات تؤمن لها الرفاهية في كل العصور وهي ايضا بدورها رشيقة تقفز من شجرة الى شجرة بحثا عن ما يحقق مصالحها فقط بمعزل عن اي انتماء وطني. ان لغياب التراكم في اي مجال من مجالات الحياة اسبابا من صميم الثقافة السائدة والتربويات الوطنية والسياسية.
أنستغرب بعد ذلك ان الهزائم تتكرر بالوتيرة ذاتها؟