خريف حضاري مبكر!!
كتب كثير من الفلاسفة والمؤرخين عن خريف الحضارات، منهم ابن خلدون وجيبون وشبنجلر ووايتهد وغيرهم والقاسم المشترك بين اطروحاتهم هو ان الحضارة عندما تبدأ بالذبول وتدخل طور الاحتضار، تفقد اهم عناصر بقائها وهي المغامرة والهدف والمعنى، ومن اطرف التوصيفات لسقوط الحضارات ما قاله كولن ولسون عن المثقفين الذين يفقدون الاحساس بالانتماء ويتحولون الى بثور على جلد الحضارة، واذا صح لنا في أيامنا هذه ان نضيف الى مظاهر الخريف في الحضارات الايلة للسقوط، فان ما نراه من انقلاب للمفاهيم والمعايير اصبح يهدد العالم بالعودة الى التوحش والى مراحل ما قبل القانون ومنظومة القيم كلها.
وهناك امكنة في هذا العالم يحدث فيها ما لم يحدث في ازمنة الانحطاط بحيث يعاقب المبدع على ابداعه والصادق على صدقه، والوطني على تضحياته وانتمائه، فيما يكافأ البراغماتي والكاذب وبائع امه في المزاد، وما كان قبل عدة عقود مجرد شذوذ او انحراف اصبح الان قاعدة ذهبية، وهناك من يعرفون سن الرشد على انه لحظة الوعي التي اكتشف فيها الانسان بأنه كان مخدوعا بكل ما قرأ وسمع، وان عليه ان يكون واقعيا كثعبان فلا يفرق بين طفل نائم وذيل حصان او بقرة، وعليه لكي ينجو من الطوفان ان يصعد على جثة ابنه، ثم يردد مواعظ جحا الخرقاء التي تجعل من الانسان تجسيدا لانانية متوحشة.
وما من واحد منا ليس لديه مخزون من الامثلة عن اناس عوقبوا على فضائلهم، مقابل آخرين كوفئوا على رذائلهم، بحيث اصبح لانسان الجدير بهذا الوصف يوصف بالسذاجة والرومانسية وعدم فهم زمانه!!
الدستور