الاخوان : ازمة في التوقيت الخطأ..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : ماذا حدث داخل”البيت” الاخواني؟ هل تفاجأت قيادة الجماعة حقا “بالانقلاب” الذي جرى، ولماذا سارع مجلس الشورى الى اصدار قرار الفصل بحق “العشرة” الذين تبنوا واقعة الترخيص..؟
في مقالتي يوم الخميس الماضي( احذروا من لعبة خلط الاوراق) اشرت الى جزء مما جرى ، لكنني لم اتوقع ان يكتمل المشهد على هذه الصورة الدراماتيكية ظنا مني ان قيادة الجماعة ستبادر الى فتح ما يلزم من قنوات لنطويق المسألة ، لكن اعتقد ان ما حصل كان بالنسبة لها “خطا احمر” لا ينتظر التأجيل ، وربما انها وجدت الابواب امامها مغلقة فتعذر عليها استدراكه، ولهذا اختارت ابغض الحلال بعد ان قرأت الرسالة و تأكدت على ما يبدو ان المحاولة هذه المرة جدّ لا هزل فيها ..وما يترتب عليها اخطر.
لدي روايتان ، احدهما تقول ان احد ابناء الحركة الذي تربطهم بالقيادة الحالية علاقة “غير ودية” تلقى نصيحة من احدى المرجعيات بضرورة تسوبة اوضاع الجماعة وتصويبها لان هنالك مشروع قرار تجري دراسته في الجامعة العربية لاعتبار جماعة الاخوان تنظيما ارهابيا ، ولان الدولة الاردنية تريد ان تحافظ على الجماعة دون ان تقع في “حرج” عدم الالتزام بالقرار ، فان المطلوب من الاخوان ان يسارعوا الى “ترخيص” الجماعة ، وبموجب ذلك توجه نحو عشرة من الاخوان برئاسة المراقب العام الاسبق عبدالمجيد ذنيبات الى رئاسة الوزراء لتقديم طلب “ترخيص” الجماعة كحزب سياسي ، وكان الدافع -بحسب الرواية- هو الخوف على ارث الجماعة ومستقبلها ، والخروج نهائيا من “التهديد” الذي ظل يلاحقها باعتبارها غير شرعية.
اما الرواية الثانية فتربط ما حدث بمحاولات عديدة جرت منذ عام واكثر ، وكانت “زمزم” احد مساربها ، حيث بدأت فكرة الانشقاق عن الجماعة مبكرا ، ثم نضجت الفكرة باتجاه سحب الجماعة والسيطرة على مؤسساتها بطريقة قانونية ، وقد تم انتزاع جمعية المراكز الاسلامية ، ثم جرى التمهيد لعملية الانقضاض بفتح ملفات التنظيم السري داخل الجماعة ، والارتباط الذي ما زال قائما مع حماس، ثم القانون الاساسي الذي ما زال يعتبر الحركة فرعا تابعا للجماعة الام في القاهرة ، وكان المقصود من “تفجير “ هذه الالغام بوجه الجماعة هو “تكييف” مسألة “ التصويب تحت لافتة اعادة الجماعة لاصحابها “الشرعيين” ، وتصحيح مساراتها بازاحة القيادات التي حرفتها عن مسارها وصولا الى تحقيق فكرة انها جماعة وطنية مستقلة تخضع للقوانين الاردنية.
حين تدقق في الروايتين -على اختلاف تفاصيلهما- تجد ان الدولة كانت حاضرة في المشهد لكنها تركت للاخوان القيام بالادوار المطلوبة لتصفية حساباتهم بانفسهم ، كما تجد ان الاخوان وضعوا بين خيارين : احدهما القبول “بالترخيص” والآخر معاقبة الذين قاموا به مع احتمال “حل “ الجماعة ، واعتقد انهم وجدوا الخيار الثاني اهون الشرين، تجد ثالثا ان الذين حملوا مبادرة الترخيص اقلية داخل الجماعة (لا يتجاوز عددهم 45 شخصا) وبالتالي فان قرار فصلهم لن يؤثركثيرا على وحدة الجماعة اذ سبق لها ان فصلت اكبر من هذا العدد في التسعينيات من القرن الماضي، وتجد رابعا ان المناخات التي تحرك فيها هؤلاء اقليميا تبدو مشجعة لكنها على صعيد الداخل ليست كذلك ، اذا ان ثمة خلاف داخل دوائر القرار على “حل الجماعة” او احداث انشقاقات داخلية فيها ،خاصة اذا اخذت منحى “ منابتي”، كما ان الفراغ الذي سيتركه الاخوان لن يجد من يملؤة ، زد على ذلك ان موجات التطرف التي نواجهها تحتاج الى “جهد” وطني، لا سيما من المحسوبين على خط الاعتدال ، هؤلاء الذين لا يجوز ان ندفعهم الى الضفة الاخرى.
الان ، لدينا احتمالان : الاول ان ينجح دعاة “التصويب” باستصدار الترخيص ، ويترتب على ذلك حل الجماعة بصورتها الحالية واعادة هيكلتها وتمكين الحكومة من مراقبة اوضاعها المالية ..الخ، والسؤال هنا : اين ستذهب الهيئة العامة التي تعد بالآلاف، وماذا سيكون موقفها من اي قيادة جديدة، وما تأثير ذلك على حزب جبهة العمل الاسلامي، والاهم كيف ستكون الارتدادات على صعيد العمل السياسي الوطني؟
اما الاحتمال الثاني فهو ان تخفق المحاولة ، وعندها يمكن ان لا تتراجع الجماعة عن قرارات الفصل ، وبالتالي فان حالة الانشقاق ستصبح واقعا ، وسيلجأ المفصولون (ومن يتبعهم) الى انشاء اطار تنظيمي مواز للجماعة من خلال مبادرة”زمزم” او اي اطار جديد، اما الجماعة فسوف تمتص الصدمة من خلال مسارين: احدهما الاسراع في عملية الفصل النسبي بين الجماعة والحزب ، وتسوية الملفات المتهمة بها ، وتنفيذ مبادرة المراقب العام، اما المسار الاخر فهو محاولة الاقتراب اكثر من الدولة وفتح قنوات اتصال جديدة معها مقابل تقديم تنازلات وضمانات توكد التزامها بالخط العام ، وخاصة في مسألتي الاصلاح ومواجهة الارهاب.
اذا سألتني عن وجهة نظري ، اعتقد ان الجماعة في ازمة ، ان لم اقل نقطة تحول ، وبالتالي فانني اتمنى عليها ان تتراجع عن قرارات الفصل مقابل ان يسحب اصحاب “الترخيص” طلبهم ، وان يسارع الطرفان الى اجراء مصالحات وتسويات داخلية تنهي حالة الخصومة والشد المتبادل بينهما، كما اتمنى على المسؤولين ان “يستثمروا “ في وحدة الجماعة وتماسكها ، ويجنبوها اي انشقاق ، ذلك انه لا مصلحة لبلدنا في مثل هذه الظروف الصعبة بخلق “ازمة” جديدة مع تيار عريض في مجتمعنا ، خاصة انه لم يخرج عن الخط الوطني ولم يرتكب ما يستوجب العقاب ، اما ما يترتب على الجماعة من واجبات فهي ادرى بها ، وقد حان الوقت فعلا لكي تتحرك بسرعة نحو ذلك لكي لا تترك امام خصومها فرصة للانقضاض عليها او تأليب المجتمع ضدها.
(الدستور)
في مقالتي يوم الخميس الماضي( احذروا من لعبة خلط الاوراق) اشرت الى جزء مما جرى ، لكنني لم اتوقع ان يكتمل المشهد على هذه الصورة الدراماتيكية ظنا مني ان قيادة الجماعة ستبادر الى فتح ما يلزم من قنوات لنطويق المسألة ، لكن اعتقد ان ما حصل كان بالنسبة لها “خطا احمر” لا ينتظر التأجيل ، وربما انها وجدت الابواب امامها مغلقة فتعذر عليها استدراكه، ولهذا اختارت ابغض الحلال بعد ان قرأت الرسالة و تأكدت على ما يبدو ان المحاولة هذه المرة جدّ لا هزل فيها ..وما يترتب عليها اخطر.
لدي روايتان ، احدهما تقول ان احد ابناء الحركة الذي تربطهم بالقيادة الحالية علاقة “غير ودية” تلقى نصيحة من احدى المرجعيات بضرورة تسوبة اوضاع الجماعة وتصويبها لان هنالك مشروع قرار تجري دراسته في الجامعة العربية لاعتبار جماعة الاخوان تنظيما ارهابيا ، ولان الدولة الاردنية تريد ان تحافظ على الجماعة دون ان تقع في “حرج” عدم الالتزام بالقرار ، فان المطلوب من الاخوان ان يسارعوا الى “ترخيص” الجماعة ، وبموجب ذلك توجه نحو عشرة من الاخوان برئاسة المراقب العام الاسبق عبدالمجيد ذنيبات الى رئاسة الوزراء لتقديم طلب “ترخيص” الجماعة كحزب سياسي ، وكان الدافع -بحسب الرواية- هو الخوف على ارث الجماعة ومستقبلها ، والخروج نهائيا من “التهديد” الذي ظل يلاحقها باعتبارها غير شرعية.
اما الرواية الثانية فتربط ما حدث بمحاولات عديدة جرت منذ عام واكثر ، وكانت “زمزم” احد مساربها ، حيث بدأت فكرة الانشقاق عن الجماعة مبكرا ، ثم نضجت الفكرة باتجاه سحب الجماعة والسيطرة على مؤسساتها بطريقة قانونية ، وقد تم انتزاع جمعية المراكز الاسلامية ، ثم جرى التمهيد لعملية الانقضاض بفتح ملفات التنظيم السري داخل الجماعة ، والارتباط الذي ما زال قائما مع حماس، ثم القانون الاساسي الذي ما زال يعتبر الحركة فرعا تابعا للجماعة الام في القاهرة ، وكان المقصود من “تفجير “ هذه الالغام بوجه الجماعة هو “تكييف” مسألة “ التصويب تحت لافتة اعادة الجماعة لاصحابها “الشرعيين” ، وتصحيح مساراتها بازاحة القيادات التي حرفتها عن مسارها وصولا الى تحقيق فكرة انها جماعة وطنية مستقلة تخضع للقوانين الاردنية.
حين تدقق في الروايتين -على اختلاف تفاصيلهما- تجد ان الدولة كانت حاضرة في المشهد لكنها تركت للاخوان القيام بالادوار المطلوبة لتصفية حساباتهم بانفسهم ، كما تجد ان الاخوان وضعوا بين خيارين : احدهما القبول “بالترخيص” والآخر معاقبة الذين قاموا به مع احتمال “حل “ الجماعة ، واعتقد انهم وجدوا الخيار الثاني اهون الشرين، تجد ثالثا ان الذين حملوا مبادرة الترخيص اقلية داخل الجماعة (لا يتجاوز عددهم 45 شخصا) وبالتالي فان قرار فصلهم لن يؤثركثيرا على وحدة الجماعة اذ سبق لها ان فصلت اكبر من هذا العدد في التسعينيات من القرن الماضي، وتجد رابعا ان المناخات التي تحرك فيها هؤلاء اقليميا تبدو مشجعة لكنها على صعيد الداخل ليست كذلك ، اذا ان ثمة خلاف داخل دوائر القرار على “حل الجماعة” او احداث انشقاقات داخلية فيها ،خاصة اذا اخذت منحى “ منابتي”، كما ان الفراغ الذي سيتركه الاخوان لن يجد من يملؤة ، زد على ذلك ان موجات التطرف التي نواجهها تحتاج الى “جهد” وطني، لا سيما من المحسوبين على خط الاعتدال ، هؤلاء الذين لا يجوز ان ندفعهم الى الضفة الاخرى.
الان ، لدينا احتمالان : الاول ان ينجح دعاة “التصويب” باستصدار الترخيص ، ويترتب على ذلك حل الجماعة بصورتها الحالية واعادة هيكلتها وتمكين الحكومة من مراقبة اوضاعها المالية ..الخ، والسؤال هنا : اين ستذهب الهيئة العامة التي تعد بالآلاف، وماذا سيكون موقفها من اي قيادة جديدة، وما تأثير ذلك على حزب جبهة العمل الاسلامي، والاهم كيف ستكون الارتدادات على صعيد العمل السياسي الوطني؟
اما الاحتمال الثاني فهو ان تخفق المحاولة ، وعندها يمكن ان لا تتراجع الجماعة عن قرارات الفصل ، وبالتالي فان حالة الانشقاق ستصبح واقعا ، وسيلجأ المفصولون (ومن يتبعهم) الى انشاء اطار تنظيمي مواز للجماعة من خلال مبادرة”زمزم” او اي اطار جديد، اما الجماعة فسوف تمتص الصدمة من خلال مسارين: احدهما الاسراع في عملية الفصل النسبي بين الجماعة والحزب ، وتسوية الملفات المتهمة بها ، وتنفيذ مبادرة المراقب العام، اما المسار الاخر فهو محاولة الاقتراب اكثر من الدولة وفتح قنوات اتصال جديدة معها مقابل تقديم تنازلات وضمانات توكد التزامها بالخط العام ، وخاصة في مسألتي الاصلاح ومواجهة الارهاب.
اذا سألتني عن وجهة نظري ، اعتقد ان الجماعة في ازمة ، ان لم اقل نقطة تحول ، وبالتالي فانني اتمنى عليها ان تتراجع عن قرارات الفصل مقابل ان يسحب اصحاب “الترخيص” طلبهم ، وان يسارع الطرفان الى اجراء مصالحات وتسويات داخلية تنهي حالة الخصومة والشد المتبادل بينهما، كما اتمنى على المسؤولين ان “يستثمروا “ في وحدة الجماعة وتماسكها ، ويجنبوها اي انشقاق ، ذلك انه لا مصلحة لبلدنا في مثل هذه الظروف الصعبة بخلق “ازمة” جديدة مع تيار عريض في مجتمعنا ، خاصة انه لم يخرج عن الخط الوطني ولم يرتكب ما يستوجب العقاب ، اما ما يترتب على الجماعة من واجبات فهي ادرى بها ، وقد حان الوقت فعلا لكي تتحرك بسرعة نحو ذلك لكي لا تترك امام خصومها فرصة للانقضاض عليها او تأليب المجتمع ضدها.
(الدستور)