الفورين بوليسي تشخص دلالات سياسة الاحتجاج العشائري في الاردن
د. حسن البراري - نشرت مجلة الفورين بوليس مقالا هاما عن سياسة الاحتجاج العشائري في الاردن كاشفة في الوقت ذاته أن الاردن الرسمي يسعى لاظهار الحركة الاسلامية وبخاصة جبهة العمل الاسلامي كتنظيم معارض الاكثر خطورة في الاردن. ويرى كاتبا التقرير بأن محاولات الاردن هذه في تضخيم خطر الحركة الاسلامية هو من صنع خيال الرسميين في الاردن. كاتبا التقرير هما شون يوم (استاذ العلوم السياسية في جامعة تمبل) ووائل الخطيب الباحث في شؤون الانثروبولوجيا والمقيم في القاهرة وعمان.
في المقال يرى الكاتبان أن الاردنيين الرسميين يحاولون استغلال مخاوف الغرب من سيطرة الاسلاميين في وقت يحاولون فيه ايضا تبرير موقف النظام الملكي السلطوي في الاردن لاصلاحات سياسية ضحلة تقدم بلغة الديمقراطية. غير أنه وفي واقع الامر فإن الاحتجاجات بعد مرور ما يقارب من العامين عليها قد اظهرت الخطر الاشد حدة للعائلة الهاشمية تمثل على شكل المعارضة القبلية. وهذا المعارضة المتجذرة بين النشطاء من الشباب تطالب الملك عبدالله بأن يحترم تعهداته السابقة في احداث التغيير عن طريق سن قانون انتخابات اكثر عدالة والقضاء على الفساد. وإذا ما فشلت الدولة في الانتباه لمطالب هذه الفئة فإن هذه الموجه غير المسبوقة من الاحتجاجات سوف تخلق ازمة رئيسية للنظام.
ويفيد كاتبا التقرير بأن المعارضة الشبابية القبلية قد بدأت من شهر شباط عام ٢٠١١ عندما دبت المظاهرات في مدينة ذيبان، ومنذ ذلك الوقت تمكنت هذه المجموعات من تنظيم المئات من الفعاليات الاحتاجية وبشكل اسبوعي، وقد شملت هذه الفعاليات اغنية دبكة ورقض ومسيرات وغيرها من احداث مثل اغلاق الطرق الرئيسية والتحرش ببعض المواكب. ومن المفروض- على رأي الكاتبين- أن الشرق اردنيين ممثلين بالقبائل هم القاعدة الموالية للنظام، غير ان الحقيقة هي اكثر تعقيدا من ذلك. فنشطاء العشائر من الشباب يحترمون مؤسسة العرش غير انهم فقدوا الثقة بمن يقف على رأس المؤسسة وبكل تعيناته من الحكومات.
ويرى الكاتبان ان عمان قد تبقى معقل المعارضة غير ان الاحتجاجات في المناطق العشائرية في الجنوب وفي شمال الاردن هي الاكثر حدة، فالاحتجاجات العشائرية تختلف عن المعارضة في المدن الكبيرة لانها غير رسمية، فهي تختلف عن اليساريين بكونها لا تطمح لتكوين احزاب سياسية التي عادة ما ترافق النخب والشلل، وهي ايضا تختلف عن الجماعات السياسية في عمان مثل جبهة العمل الاسلامي إذ ليس لها قيادة عمودية وليس لها جيوب عميقة، وفي الواقع يتهم العديد من هؤلاء النشطاء القوى الرئيسية في التعاون مع النظام لايجاد اطار سياسي يضمن مصالحهم حتى لو اشتمل على اصلاحات ضحلة. ويستمر الكاتبان في شرح الفروقات التنظيمية بين الحراكات العشائرية وغيرها من حراكات في المدن، فحسب رأيهما هي حراكات تعتمد على التوافق في صناعة القرار على التراتيبية القاسية الموجودة في الحراكات في عمان على سبيل المثال، وهي حراكات ايضا تعتمد على وسائل الاتصال الاجتماعي لنشر الاخبار.
فبالرغم من التنافس التاريخي بين العشائر فإن النشطاء من مختلف العشائر يعبرون عن حالة تضامنية واضحة، وقد كونت الجماعات السبعة الكبرى اللجنة التنسيقية للحركات الشعبية التي تساعد في تنظيم فعاليات ايام الجمعة. وفي شهر نوفمبر ٢٠١١ قام اصلاحيون من بني صخر وبني حسن بتأسيس تحالف مع زملاء من عدد من القبائل مثل الدعجة والعجارمة، وبالفعل اقيمت تجمعات تشمل القبائل مثل الحركة العشائرية للاصلاح في حين انتشرات المنابر على الانترنت للحديث عن الشكاوى التي تخص كل الاقاليم والمناطق.
وتختلف الحركات العشائرية الشعبية عن المعارضة في عمان من حيث اللغة، ففي وقت توظف فيه المعارضة في عمان على سبيل المثال النقاشات المدنية التي تتحدث عن القمع السياسي وتقوم بنشر مقالات عن الملكية الدستورية فإن الحراكات العشائرية تجاوزت الخطوط الحمراء وهنام من تناول المخابرات العامة والقمع غير المتسامح التي تقوم به وهنا ايضا من استهدف الملك عبدالله شخصيا وقد حرقت له صورة. ويعرض الكاتبان امثلة كثيرة عن التعرض الملك والهمسات التي تفيد بأن هناك من يمكن أن يكون بديلا!
لكن لماذا يغضب هؤلاء الشباب؟ الكثير من المحللين يتجاهل مطالب الشباب على اعتبار انها اقتصادية محضة، فهناك الكثير من الشرق اردنيين غاضبين من سياسة الملك النيوليبرالية التي انتزعت الكثير من الامتيازات والخدمات التي كان المؤيدين للنظام يتمتعون بها. فهناك العديد من رجال القبائل الكبار يريدون حصة اكبر من الدولة، ويشير المقال الى المتقاعدين العسكريين الذين اصبحوا اكثر هدوءا بعد ان تلقوا رواتب تقاعدية اعلى في شهر اذار. ويرى بعض المراقبين ان مناطق الجنوب عادة ما تثير القلاقل عندما ترتفع الاسعار. غير أن الامر مختلف قليلا، فالنشطاء من الشباب اليوم يريدون اصلاحات سياسية ديمقراطية متوازية مع تنمية اقتصادية مع أن هناك فوارق جغرافية. ففي مناطق فيها قبائل اكثر غنى من غيرها تكون المطالب سياسية وتحذر حقيقة من التنازلات الخدمية على شاكلة دولة الرفاه مقابل غض النظر عن الاصلاحات السياسية.
ويشير الكاتبان الى معركتين حول الاصلاح اظهرتا اولوية السياسية وهما: الانتخابات والفساد. فبعد انتشار الاحتجاجات في نهاية عام ٢٠١٠ تعهد الملك عبدالله بقانون انتخابات تنافسي كجزء من حزمة اصلاحية شاملة، ولكن بعد دراسة مخرجات لجنة الحوار الوطني والنقاش داخل جهاز المخابرات وكثرة التغييرات في الحكومات جاءت النتائج الاصلاحية مخيبة للأمال، فالنشطاء العشائريين انضموا لجبهة العمل الاسلامي في الاعلان عن نيتهم مقاطعة الانتخابات وإن كان لأسباب مختلفة، فقد هاجم النشطاء العشائريون قانون الصوت الواحد وفي ذلك مفارقة على حد تعبير الكاتبين، فقانون الصوت الواحد جاء لضمان السيطرة العشائرية على البرلمان لأن القانون يدفع الناخب للتصويت لشخص مقرب منه بدلا من منحه للاحزاب السياسية المعارضة. ويفضل النشطاء العشائريون نظام تعدد الاصوات حتى يتمكنون من دفع مرشحين اكثر شبابا واكثر ليبرالية وتحررا من كبار السن، فالاردنيون من القبائل اليوم هم اقل محافظة وهم يمثلوا جيلا اكثر تعليما وبخاصة وأن الكثير منهم تلقى تعليمه في الخارج. وحتى الذي لم تتاح له فرصة الخروج من دائرته فقد تلقى جرعة من التحرر عن طريق تويتر والفيس بوك والمواقع الالكترونية والمدونات وقد توصلوا الى نتيجة ان البرلمان لهو منبر للحديث الاستعراضي في حين يسعى اعضاءه فقط لخدمة مصالحهم والحصول على امتيازات وغيرها.
القضية الاخرى التي تشكل موضوعا هاما في الاصلاح متعلقة بالفساد. فالحراكات العشائرية تصر على أن الفساد تحول الى وباء مستشري في الدولة. ففي وقت تراجعت مستويات المعيشة لدى الاردنيين هناك من اثرى بسبب الفساد والاختلاسات والرشاوى وتلقي الهدايا. وهنا لا بد من الاشارة الى امر مهم، فهناك العديد من الاصلاحيين يخلط بين الفساد والتخاصية كما يحدث عندما يقوم صاحب مؤسسة او مصنع كان مملوكا من قبل الحكومة بالتخلص من موظفين لضبط النفقات، فهذا اجراء غير شعبي لكنه قانوني. وهناك اخرون يكررون عدم رضاهم عن المحسوبية والواسطة.
على أن هناك غالبية من بين النشطاء في الحراكات العشائرية ترى بأن الفساد على اعلى المستويات وكأنه ثقب أسود تستنزف منه المصادر الوطنية. وهذا ليس موقفا معاديا للفلسطينيين كما هو الحال مع قادة العشائر التقليديين. فالحركات العشائرية ترى بأن النخب الشرق اردنية هي ايضا بعيدة عن الواقع وفاسدة، ورئيس الحكومة الاسبق معروف البخيت واجه اتهامات بالفساد حتى من قبل بعض اعضاء قبيلته، كما ان النقد لفايز الطروانة جاء من ابناء عشيرته في الكرك. ويقول الكاتبان انه عندما قام الملك عبدالله بالتعهد بملاحقة الفساد بشكل كامل في نهاية عام ٢٠١١ لم يتفاجا الاصلاحيون العشائريون عندما قامت هيئة مكافحة الفساد بحركات رمزية على شكل تحويل ملفات فساد، غير ان الاصلاحيين العشائريين يرون ان هناك حصانة لحلفاء العائلة المالكة من الملاحقات القضائية، كما يروا أن محمد الذهبي قدم ككبش فداء لارضاء الناس.
ويرى الكاتبان أن اسوأ ما في الأمر هو أن النظام لا يعرف كيف يشتبك مع الحراكات العشائرية، فالملك عبدالله لم يتسوعب بعد ان الاستجابة لمطالب النخب العشائرية (الشيوخ الذين افرزهم النظام) لا ترضي النشطاء الشباب لأن خروج الشباب في احتجاجات هو ايضا تعبير عن رفضهم لسلطة النخب العشائرية المرتبطة مع النظام، وبنفس الوقت لا يمكن التفكير في البطش بالحركات العشائرية، فصحيح أن المناطق الريفيه هي على الهامش الاقتصادي الا انها تشكل المركز السياسي. كما أن القيام باعمال الاعتقال والتعذيب من شأنها أن تفضي الى مزيد من اعمال الاحتجاجات وهو ما يدفع الملك لاصدار عفو خوفا من توتر قد ينشأ. كما ان المخابرات العامة قد فشلت في تأجيج المشاعر المناهضة للفلسطينيين فالعديد من الشباب العشائريين يرفضون مشاعر الخوف من الغير التي ميزت مواقف ابائهم وهم ايضا يبنذون التدخل من قوى خارجية.
في ظل كل ما قيل، لم يبق امام النظام الاردني سوى سوريا للخروج بماء الوجه. فهناك العديد من النشطاء العشائريين اعترفوا بأنهم خففوا من حدة اعمالهم خوفا من خلق الفوضى على الساحة الاردينة، وهم أيضا لم يتخلوا بالكامل عن الملك عبدالله، ويمكن للقصر ان يأخذ الخطوة الاولى للمصالحة عن طريق اعادة النظر بقانون الانتخابات المكروه والقيام بوضع جدول زمني ملزم للتغيير بدلا من وعود غير واضحة للمستقبل. فالنظام لم يعد بوسعه تجاهل المعارضة الشبابية او خلق الامال بأن الحراك سوف ينتهي ويمل لأن هذا لم يحدث للانظمة السلطوية في الربيع العربي ولن يحدث في الاردن..