العرب وإيران : كأس «السم» دوّار ..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : بعد 35 عاما من الصراع بين “الفقيه” والشيطان” نجح الطرفان - اميركا وايران - في “ابتلاع السم” وطويت بذلك صفحة طويلة من تاريخ “العداء”، فيما لا يزال الصراع بين الجيران: “الولي” و”السلطان” من جهة وبين “الفقيه” و”الفقيه” محتدما داخل الاطار العربي الاسلامي، وهي بالطبع مفارقة غريبة، واخطر ما فيها هو امكانية توظيفها “لتفخيخ” المنطقة من خلال “اللغم” المذهبي الذي قد يدفع عجلة التاريخ للوراء، سواء تعلق هذا التاريخ بما فعله قورش (542ق.م) او بما فعله اسماعيل الصفوي (1501م) او تعلق بما فعله السلطان سليم الاول (514)، مرورا بكل وقائع الصراع على تخوم المذهبين السني والشيعي، او على تخوم “السياسة” وحروبها الممتدة.
من حقنا ان نسأل : ماذا تريد ايران من عالمنا العربي وما هي طموحاتها بالنسبة لنا؟، ثم كيف نتعامل مع طهران وماذا نريد منها بعد تتويجها “لاعبا” أساسيا في هذه المنطقة؟
صحيح،لا يوجد لدى العرب حتى الان موقف محدد وموّحد تجاه ايران (وهل لديهم أي موقف موحد تجاه أي قضية؟،)، فثمة من يرى في طهران حليفا استراتيجيا لا يمكن التنازل عنه، وثمة من يتصور بأنها التحدي الاكبر الذي يواجه المنطقة، فيما يتراوح موقف البعض بين القبول المعلن والرفض المكتوم تبعا للاشارات السياسية التي تصدر من الخارج.
ايران ـ الان ـ تمددت واصبحت تمثل قوة كبرى في الاقليم، وقد استطاعت ان تستثمر المستجدات التي غيرت خريطة المنطقة منذ اكثر من عقدين، سواء من خلال الحرب الاميركية ضد افغانستان والعراق، او من خلال البحث عن موطئ قدم في الصراع العربي الاسرائيلي عبر بوابة المقاومة لحزب الله وحماس، او من خلال تمددها اليوم في بضع عواصم عربية، كما تمكنت، رغم الحصار الذي فرضه عليها الغرب من بناء ذاتها، علميا وعسكريا، وترتيب اوضاعها الداخلية ضمن لعبة ديمقراطية تناسب خصوصيتها، وعليه فان ما حصلت عليه من اعتراف اميركي بدورها في المنطقة، ومن تعاطف اوروبي ودعم روسي، لم يأت صدفة، وانما استجابة لمصالح تبدو مشتركة، وحسابات جديدة اصبحت مفهومة، واشارات يفترض ان يقرأها العرب قبل غيرهم.
لا يمكن ـ بالطبع ـ ان تتطابق المصالح العربية الايرانية، او ان تكون العلاقات بينهما مبنية على اساس الحب، او من منطلق الاخوة التي تجمع الطرفين على مهاد الحضارة الواحدة والدين والتاريخ الواحد، كما لا يمكن ان يتصور العرب بأن الملف النووي الايراني او الصواريخ ذات المدى الطويل موجهة للعواصم العربية، كما لا يمكن ايضا وايضا استعادة الصراع العربي الفارسي بحجة تنامي الاستقطابات القومية والمذهبية او غيرها.. هذا كله يشكل هروبا الى الشيطنة او الى المجهول السياسي الذي لا يقيم وزنا للواقع وما يرتبط به من علاقات دولية او مصالح او تحالفات اضطرارية.. او حتى رؤية واضحة لاعتبارات الجيرة وتوازن القوى والمستدات السياسية، وضرورات الحوار والتفاهم.. حتى بين الاعداء.
لا اقلل ابدا من المخاوف والهواجس، خاصة بالنسبة للطرف العربي كونه الاضعف في هذه المرحلة، ولكن لا يمكن ان يقبل العقلاء على الطرفين بان “المواجهة” وادامة الصراع –هما الحل الوحيد- كما لا يمكن ان نصدق بأن “تركة” التاريخ الثقيلة قديما وحديثا، تمنع من الالتقاء للحوار والتفاهم، من بوابة “الوسطاء” او “جامعة الدول العربية” او احدى الدول الفاعلة في الاقليم، او انها تمنع اجراء ما يلزم من “مفاوضات” مباشرة (كما فعلت امريكا وايران) للوصول الى تفاهمات “الحد الادنى”، لكي لا نقول الى “مصالحات تاريخية”، او لكي لا نطالب احدا “بتجرع السمّ”، وانما فقط لتقليل ما امكن من خسائر استمرار “الخصومة” المبالغ فيها، وتفويت الفرصة على من يحاول “تفخيخ” الصدع المذهبي لضمان مصالحه او استمرار هيمنته على المنطقة.
باختصار، يفترض ان يعاد النظر في قضية العدو المشترك للطرفين معا، وان تحرر كثير من القضايا العالقة والشائكة من خلال حوارات صريحة تبدأ على مستوى النخب الثقافية والعلمية وتنتهي الى السياسة، وان تدار الازمات على ارضية من العقلانية والحكمة والمصالح الاستراتيجية.اما كيف ؟ فلا بد من “انتاج” مشروع عربي، او تحالف عربي، قادر على الجلوس مع ايران “وتركيا ايضا” على طاولة الحوار بندّية وقادر -ايضا- على “التكيف” مع التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم، ومن دون ذلك فانه لا يجوز لنا ان نلوم غيرنا “سواء طهران أم سواها” اذا ملأ الفراغ الذي عجزنا عن ملئة واشغاله؟
ايران تجرعت قبل نحو ثلاثين عاما كأس السم، وابتلعت خساراتها، والان جاء دور العرب لكي يتجرعوا “الكأس” ذاته ... فالكأس كما يقول العرب دوّار..!
(الدستور)
من حقنا ان نسأل : ماذا تريد ايران من عالمنا العربي وما هي طموحاتها بالنسبة لنا؟، ثم كيف نتعامل مع طهران وماذا نريد منها بعد تتويجها “لاعبا” أساسيا في هذه المنطقة؟
صحيح،لا يوجد لدى العرب حتى الان موقف محدد وموّحد تجاه ايران (وهل لديهم أي موقف موحد تجاه أي قضية؟،)، فثمة من يرى في طهران حليفا استراتيجيا لا يمكن التنازل عنه، وثمة من يتصور بأنها التحدي الاكبر الذي يواجه المنطقة، فيما يتراوح موقف البعض بين القبول المعلن والرفض المكتوم تبعا للاشارات السياسية التي تصدر من الخارج.
ايران ـ الان ـ تمددت واصبحت تمثل قوة كبرى في الاقليم، وقد استطاعت ان تستثمر المستجدات التي غيرت خريطة المنطقة منذ اكثر من عقدين، سواء من خلال الحرب الاميركية ضد افغانستان والعراق، او من خلال البحث عن موطئ قدم في الصراع العربي الاسرائيلي عبر بوابة المقاومة لحزب الله وحماس، او من خلال تمددها اليوم في بضع عواصم عربية، كما تمكنت، رغم الحصار الذي فرضه عليها الغرب من بناء ذاتها، علميا وعسكريا، وترتيب اوضاعها الداخلية ضمن لعبة ديمقراطية تناسب خصوصيتها، وعليه فان ما حصلت عليه من اعتراف اميركي بدورها في المنطقة، ومن تعاطف اوروبي ودعم روسي، لم يأت صدفة، وانما استجابة لمصالح تبدو مشتركة، وحسابات جديدة اصبحت مفهومة، واشارات يفترض ان يقرأها العرب قبل غيرهم.
لا يمكن ـ بالطبع ـ ان تتطابق المصالح العربية الايرانية، او ان تكون العلاقات بينهما مبنية على اساس الحب، او من منطلق الاخوة التي تجمع الطرفين على مهاد الحضارة الواحدة والدين والتاريخ الواحد، كما لا يمكن ان يتصور العرب بأن الملف النووي الايراني او الصواريخ ذات المدى الطويل موجهة للعواصم العربية، كما لا يمكن ايضا وايضا استعادة الصراع العربي الفارسي بحجة تنامي الاستقطابات القومية والمذهبية او غيرها.. هذا كله يشكل هروبا الى الشيطنة او الى المجهول السياسي الذي لا يقيم وزنا للواقع وما يرتبط به من علاقات دولية او مصالح او تحالفات اضطرارية.. او حتى رؤية واضحة لاعتبارات الجيرة وتوازن القوى والمستدات السياسية، وضرورات الحوار والتفاهم.. حتى بين الاعداء.
لا اقلل ابدا من المخاوف والهواجس، خاصة بالنسبة للطرف العربي كونه الاضعف في هذه المرحلة، ولكن لا يمكن ان يقبل العقلاء على الطرفين بان “المواجهة” وادامة الصراع –هما الحل الوحيد- كما لا يمكن ان نصدق بأن “تركة” التاريخ الثقيلة قديما وحديثا، تمنع من الالتقاء للحوار والتفاهم، من بوابة “الوسطاء” او “جامعة الدول العربية” او احدى الدول الفاعلة في الاقليم، او انها تمنع اجراء ما يلزم من “مفاوضات” مباشرة (كما فعلت امريكا وايران) للوصول الى تفاهمات “الحد الادنى”، لكي لا نقول الى “مصالحات تاريخية”، او لكي لا نطالب احدا “بتجرع السمّ”، وانما فقط لتقليل ما امكن من خسائر استمرار “الخصومة” المبالغ فيها، وتفويت الفرصة على من يحاول “تفخيخ” الصدع المذهبي لضمان مصالحه او استمرار هيمنته على المنطقة.
باختصار، يفترض ان يعاد النظر في قضية العدو المشترك للطرفين معا، وان تحرر كثير من القضايا العالقة والشائكة من خلال حوارات صريحة تبدأ على مستوى النخب الثقافية والعلمية وتنتهي الى السياسة، وان تدار الازمات على ارضية من العقلانية والحكمة والمصالح الاستراتيجية.اما كيف ؟ فلا بد من “انتاج” مشروع عربي، او تحالف عربي، قادر على الجلوس مع ايران “وتركيا ايضا” على طاولة الحوار بندّية وقادر -ايضا- على “التكيف” مع التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم، ومن دون ذلك فانه لا يجوز لنا ان نلوم غيرنا “سواء طهران أم سواها” اذا ملأ الفراغ الذي عجزنا عن ملئة واشغاله؟
ايران تجرعت قبل نحو ثلاثين عاما كأس السم، وابتلعت خساراتها، والان جاء دور العرب لكي يتجرعوا “الكأس” ذاته ... فالكأس كما يقول العرب دوّار..!
(الدستور)