نظام جديد وخطوط صراع مختلفة
د. حسن البراري
جو 24 :
مع استشراء العنف في مناطق كثيرة من الهلال الخصيب وتسارع وتيرة الاستقطاب يتضح الآن أكثر من أي وقت مضى بان نظام سايكس بيكو الذي رسم وتحكم في تاريخ دول المشرق العربي لمدة تناهز قرن من الزمان يتعرض إلى تفكيك بات واضحا في السنوات الأخيرة، فالنزاع في كل من العراق وسوريا وعليهما تحوّل إلى نزاع هوياتي وطائفي بامتياز قد يفضي إلى تشظي وطني يدمر الدولة الوطنية التي نعرفها ويساهم في إبراز نظام إقليمي جديد بخطوط صراع مختلفة عما عهدناه. وعلى الارجح ان نظاما اقليميا كالنظام القائم لن يتمكن من الصمود أمام قوى التفكيك التي عصفت بالمنطقة ولهذا سيظهر شكل مختلف في المستقبل المنظور، وهذا لا يحتاج إلى زرقاء اليمامة لرصد ذلك.
نستفيق إذن على واقع جديد إذ يتضح اليوم بأن الثورات الربيع العربي لم تقتصر فقط على تحولات فوضوية وتجارب فاشلة للانتقال نحو الديمقراطية داخل الدولة الوطنية الواحدة التي جاءت في اعقاب سايكس بيكو أو الحرب العالمية الأولى، بل هي بمثابة مفاصل تاريخية ستحدث تغيرا كبيرا في الاقليم برمته، فالشرق الاوسط الذي يعيش مخاضا بمذاق خاص سيفضي إلى نظام شرق أوسطي جديد تتصارع على تشكيله أربعة محاور هي: المحور التركي الإخواني، والمحور الإيراني الشيعي، والمحور السعودي المتحالف مع دول الوضع الراهن (أي الدول التي تريد ابقاء الوضع السياسي القائم على حاله)، وإسرائيل التوسعية.
في النظام الشرق أوسطي الجديد سيكون هناك دول وطنية بطبيعة الحال لكنها دول مشغولة بصراعات على الحدود، وسيحاول كل محور مساندة وتثبت الدول أو الانظمة التي تدور في فلكه وهذا يفسر جزئيا استعصاء الحل في سوريا حتى هذه اللحظة. بتقديري سيكون للمحور الإيراني- الشيعي مكانة كبيرة مستمدة من تغير استراتيجي أمريكي يرى بأنه من الممكن ادارة الشرق الاوسط بالاعتماد على وكلاء اقليميين، وهذا التفكير بدوره يقدم فرصة لإيران لتقديم نفسها كعنصر استقرار في المنطقة بعد أن يتم اعادة تشكيله. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فتجربة الولايات المتحدة بفيتنام دفعت الرئيس ريتشارد نيكسون الإعلان عن مبدأه الذي شجع دول العالم الثالث الدفاع عن نفسها على أن يقتصر دور الولايات المتحدة على الدعم وتقديم المشورة، وحينها برزت سياسية واشنطن بالخليج التي اعتمدت على السعودية وإيران للقيام بدور شرطي الخليج. من هنا نتساءل، هل ستسند الولايات المتحدة دورا لإيران في النظام الاقليمي قيد التشكيل؟ وإذا كان الجواب نعم عندها نسأل عن مكانة السعودية التي تشعر بأن إيران ليست فقط منافسة وإنما مصدر تهديد لأمن الخليج وفقا للتصور السعودي. كل هذه الاسئلة مشروعة إذ ما زلنا ننتظر الكشف عن تفاصيل الصفقة المنتظرة بين الولايات المتحدة وإيران وما هو حدود الدور المسموح به لإيران؟ كيف ستكون علاقة طهران بتل أبيب؟ هل سيكون هناك اتفاقات ضمنية أم أن تحول إيران إلى دولة لها تأثير اقليمي سيدفعها إلى تخفيف حدة العداء لإسرائيل وربما التعاون الضمني؟
ينتابني وغيري قلق شديد من إرهاصات النظام الشرق أوسطي الآخذ في التشكل مؤخرا والناتج عن استقواء إيراني غير مسبوق وتخاذل بل لنقل تواطؤ أمريكي يتجلى بأبشع صوره في التحالف التكتيكي القائم بين طهران وإدارة أوباما في العراق. ولا يخفى على المراقب الغزل الأمريكي الضمني بإيران ودورها في محاربة تنظيم داعش في العراق، فقبل ايام قليلة قال رئيس أركان الجيوش الأمريكية مارتن ديمبسي بأن الجيش العراقي يقوم بعمل ممتاز في العراق، وكلامه هذا يحمل في طياته تأييدا واضحا لدور إيران في دعم قوات الحشد الشيعي التي تستهدف ليس فقط داعش وانما أيضا السنة في تكريت وغيرها. ولا يحتاج الامر إلى عبقرية ليصل إلى نتيجة أن انضواء الدول السنية في تحالف دولي يستهدف داعش لا يصاحبه اشتراطات عربية لمستوى تدخل إيران في العراق. صحيح أن الدول العربية السنية تحارب داعش لكن ايضا هزيمة داعش لن تتحول إلى صافي ربح للدول السنية وانما لإيران!
وربما حان الوقت ليستفيق العرب ليعرفوا أن الولايات المتحدة لا تخشى منهم ولا عليهم، فهي ترصد حجم الاختراق الإيراني للعراق ولا تحرك ساكنا، فقد سمعنا الكثير من التصريحات منذ عهد بوش بأن الحل في العراق يكمن في اجراء مصالحة سياسية وطنية تضم كل القوى في وقت كانت إيران وما زالت تهزأ من هذه التصريحات وتصدر اوامرها لخنق السنة لتهجيرهم حتى تضمن أن تدور العراق في فلكها. فبعد ثمان سنوات من التصريحات الأمريكية المتتالية بشأن ضرورة اجراء مصالحة سياسية تفقد كلمات الجنرال مارتن ديمبسي أي معنى وهو يقول بأن هناك ضرورة ملحة لتسوية الخلافات الطائفية في العراق.
إيران ليست من دون منافس، فبعد تراجع مصر وانشغالها بمشاكلها الداخلية يمكن الحديث عن تركيا والسعودية كدول كبيرة يمكن لها لعب دور في قادم الأيام، فتركيا الكمالية كانت تقارب الشرق الأوسط بعيون غربية لكنها الان تجد نفسها قريبة أكثر من الشرق ومن المكوّن الإخواني على وجه التحديد. وبهذا المعنى فإن تركيا ترغب في نظام اقليمي يستند الى دول يحكمها الاخوان المسلمين وبخاصة في مصر وفي سوريا، وفي هذا السياق سمعنا انتقادات اردوغان لأمريكا بسبب الاطاحة بمرسي. فتركيا دعمت الاخوان المسلمين والأقلية الكردية لكن مساعي تركيا تلقت صفعة كبيرة عندما لم يتمكن الاخوان المسلمين من الحفاظ على مكتسبات اولية حققوها ابان الربيع العربي، فقد أطيح بمرسي في انقلاب عسكري وخسر حزب النهضة انتخابات تونس ولم يجري في سوريا لغاية الان التغيير المنشود من وجهة نظر انقرة. والأمل معقود على تفاهم تركي سعودي يحيّد الورقة الاخوانية كعامل تفريق ويركز على تكوين جبهة مقابل المحور الشيعي الطائفي، فإيران وظفت الربيع العربي وتبنت الورقة الطائفية دون أن تعلن عن ذلك لوضع العراق وسوريا في الجيب علاوة على دعمها للأقليات الشيعية أينما كان ذلك ممكنا وتسيطر على اليمن ولبنان.
نستفيق إذن على واقع جديد إذ يتضح اليوم بأن الثورات الربيع العربي لم تقتصر فقط على تحولات فوضوية وتجارب فاشلة للانتقال نحو الديمقراطية داخل الدولة الوطنية الواحدة التي جاءت في اعقاب سايكس بيكو أو الحرب العالمية الأولى، بل هي بمثابة مفاصل تاريخية ستحدث تغيرا كبيرا في الاقليم برمته، فالشرق الاوسط الذي يعيش مخاضا بمذاق خاص سيفضي إلى نظام شرق أوسطي جديد تتصارع على تشكيله أربعة محاور هي: المحور التركي الإخواني، والمحور الإيراني الشيعي، والمحور السعودي المتحالف مع دول الوضع الراهن (أي الدول التي تريد ابقاء الوضع السياسي القائم على حاله)، وإسرائيل التوسعية.
في النظام الشرق أوسطي الجديد سيكون هناك دول وطنية بطبيعة الحال لكنها دول مشغولة بصراعات على الحدود، وسيحاول كل محور مساندة وتثبت الدول أو الانظمة التي تدور في فلكه وهذا يفسر جزئيا استعصاء الحل في سوريا حتى هذه اللحظة. بتقديري سيكون للمحور الإيراني- الشيعي مكانة كبيرة مستمدة من تغير استراتيجي أمريكي يرى بأنه من الممكن ادارة الشرق الاوسط بالاعتماد على وكلاء اقليميين، وهذا التفكير بدوره يقدم فرصة لإيران لتقديم نفسها كعنصر استقرار في المنطقة بعد أن يتم اعادة تشكيله. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فتجربة الولايات المتحدة بفيتنام دفعت الرئيس ريتشارد نيكسون الإعلان عن مبدأه الذي شجع دول العالم الثالث الدفاع عن نفسها على أن يقتصر دور الولايات المتحدة على الدعم وتقديم المشورة، وحينها برزت سياسية واشنطن بالخليج التي اعتمدت على السعودية وإيران للقيام بدور شرطي الخليج. من هنا نتساءل، هل ستسند الولايات المتحدة دورا لإيران في النظام الاقليمي قيد التشكيل؟ وإذا كان الجواب نعم عندها نسأل عن مكانة السعودية التي تشعر بأن إيران ليست فقط منافسة وإنما مصدر تهديد لأمن الخليج وفقا للتصور السعودي. كل هذه الاسئلة مشروعة إذ ما زلنا ننتظر الكشف عن تفاصيل الصفقة المنتظرة بين الولايات المتحدة وإيران وما هو حدود الدور المسموح به لإيران؟ كيف ستكون علاقة طهران بتل أبيب؟ هل سيكون هناك اتفاقات ضمنية أم أن تحول إيران إلى دولة لها تأثير اقليمي سيدفعها إلى تخفيف حدة العداء لإسرائيل وربما التعاون الضمني؟
ينتابني وغيري قلق شديد من إرهاصات النظام الشرق أوسطي الآخذ في التشكل مؤخرا والناتج عن استقواء إيراني غير مسبوق وتخاذل بل لنقل تواطؤ أمريكي يتجلى بأبشع صوره في التحالف التكتيكي القائم بين طهران وإدارة أوباما في العراق. ولا يخفى على المراقب الغزل الأمريكي الضمني بإيران ودورها في محاربة تنظيم داعش في العراق، فقبل ايام قليلة قال رئيس أركان الجيوش الأمريكية مارتن ديمبسي بأن الجيش العراقي يقوم بعمل ممتاز في العراق، وكلامه هذا يحمل في طياته تأييدا واضحا لدور إيران في دعم قوات الحشد الشيعي التي تستهدف ليس فقط داعش وانما أيضا السنة في تكريت وغيرها. ولا يحتاج الامر إلى عبقرية ليصل إلى نتيجة أن انضواء الدول السنية في تحالف دولي يستهدف داعش لا يصاحبه اشتراطات عربية لمستوى تدخل إيران في العراق. صحيح أن الدول العربية السنية تحارب داعش لكن ايضا هزيمة داعش لن تتحول إلى صافي ربح للدول السنية وانما لإيران!
وربما حان الوقت ليستفيق العرب ليعرفوا أن الولايات المتحدة لا تخشى منهم ولا عليهم، فهي ترصد حجم الاختراق الإيراني للعراق ولا تحرك ساكنا، فقد سمعنا الكثير من التصريحات منذ عهد بوش بأن الحل في العراق يكمن في اجراء مصالحة سياسية وطنية تضم كل القوى في وقت كانت إيران وما زالت تهزأ من هذه التصريحات وتصدر اوامرها لخنق السنة لتهجيرهم حتى تضمن أن تدور العراق في فلكها. فبعد ثمان سنوات من التصريحات الأمريكية المتتالية بشأن ضرورة اجراء مصالحة سياسية تفقد كلمات الجنرال مارتن ديمبسي أي معنى وهو يقول بأن هناك ضرورة ملحة لتسوية الخلافات الطائفية في العراق.
إيران ليست من دون منافس، فبعد تراجع مصر وانشغالها بمشاكلها الداخلية يمكن الحديث عن تركيا والسعودية كدول كبيرة يمكن لها لعب دور في قادم الأيام، فتركيا الكمالية كانت تقارب الشرق الأوسط بعيون غربية لكنها الان تجد نفسها قريبة أكثر من الشرق ومن المكوّن الإخواني على وجه التحديد. وبهذا المعنى فإن تركيا ترغب في نظام اقليمي يستند الى دول يحكمها الاخوان المسلمين وبخاصة في مصر وفي سوريا، وفي هذا السياق سمعنا انتقادات اردوغان لأمريكا بسبب الاطاحة بمرسي. فتركيا دعمت الاخوان المسلمين والأقلية الكردية لكن مساعي تركيا تلقت صفعة كبيرة عندما لم يتمكن الاخوان المسلمين من الحفاظ على مكتسبات اولية حققوها ابان الربيع العربي، فقد أطيح بمرسي في انقلاب عسكري وخسر حزب النهضة انتخابات تونس ولم يجري في سوريا لغاية الان التغيير المنشود من وجهة نظر انقرة. والأمل معقود على تفاهم تركي سعودي يحيّد الورقة الاخوانية كعامل تفريق ويركز على تكوين جبهة مقابل المحور الشيعي الطائفي، فإيران وظفت الربيع العربي وتبنت الورقة الطائفية دون أن تعلن عن ذلك لوضع العراق وسوريا في الجيب علاوة على دعمها للأقليات الشيعية أينما كان ذلك ممكنا وتسيطر على اليمن ولبنان.