jo24_banner
jo24_banner

حين يشعر الصحفيون بالخيبة..!!

حسين الرواشدة
جو 24 : اي “خيبة” سيشعر بها الصحفيون وزملاؤهم العاملون في مهنة المتاعب اذا وجدوا انفسهم “وحيدين” في مواجهة ازمة خانقة ، يخوضون معركتها دفاعا عن الوجود لا عن الحدود فقط..؟

لم يخطر في بالي ابدا، باعتباري واحدا من هؤلاء، ان ادقق في مرآة هذه الخيبة الا حين صدمتني حالة الصمت التي انحاز اليها الكثيرون (باستثناء عدد من السادة النواب) تجاه اخبار الازمة التي تمر بها صحافتنا الورقية، والتي يمكن ان تفضي بها الى الاغلاق.

المسألة بالنسبة لي - وربما لغيري من الزملاء - ليست والله شأنا خاصا ، وان كانت احبار الكتابة تسري في دمائنا، ولكنها تتعلق بمهنة اصبحت مهددة بالانقراض، وبمجتمع افتقد للاسف ما تمتع به من حيوية فوقف متفرجا على محنة حراس ضميره العام الذين يشكلون “خطه” الاخير للدفاع عن هويته وقيمه ومصالحه، وبدولة لم تتحرك مؤسساتها للحفاظ على تجربة هي جزء من تاريخها ومن ذاكرتها الوطنية ، كما انها قاطرتها الى المستقبل الذي تريد، ولم تقدم ما عليها من واجب لاسعاف “الناطقين” باسمها ، والحاملين لرسالتها ، والواقفين على الحدود الامامية لمواجهة “العاديات “ التي تستهدفها.

هذه بالطبع ليست مناسبة للعتاب وتقليب المواجع وانما للتذكير بما يجب علينا ان نتصارح فيه، فقد كنت اتوقع ان تحظى “الصحافة” بما تستحقه من دعم و اهتمام، وان يستنفر الغيورون عليها لانقاذها من محنتها ، ليس لانهم فقط مدينون لها برد التحية بمثلها او باحسن منها ، وانما لانها تشكل بالنسبة لهم (ولنا) آخر القلاع الحصينة ، ولا مصلحة في اضعافها او غيابها، كما ان ما يهددها يمكن ان ينتقل اليهم ويهددهم ، وعندها لن يجدوا من يدافع عنهم او يحمل اصواتهم الى الجمهور.

ترى، كم من العاملين في مؤسساتنا الاخرى من يشعر اليوم بالخيبة ذاتها حين يتصور ان ما جرى للصحفيين في ازمتهم يمكن ان يتكرر معه، وان العقوق لن يقتصر على “الصحافة” وحدها وانما سيشمل غيرها من المؤسسات التي ضحّى العاملون فيها بأعمارهم في خدمة البلد، سيقال : اذا كان الصحفيون الذين هم الاعلى صوتا ، والاقدر على الدفاع عن انفسهم لم يجدوا من ينصفهم او يقف الى جانبهم او من يفتح “لواقطه” لاستقبال “انينهم” ، فاي مصير سيلقاه غيرهم من المهمشين الذين لا صوت لهم او من الموظفين الذين ليس لهم ظهرا..؟

لا استطيع ان ابرئ ادارات الصحافة من الاخطاء ، ولا استطيع ان ادافع عن بعض الزملاء الذين “تخندقوا” هنا او هناك على حساب قضايا الناس، ولذا اتفهم ما يشعر به البعض من عتب او حتى غضب على الصحافة، لكن الا يحق لي ان اذكّر هؤلاء العاتبين والغاضبين وربما الشامتين ان في الصحافة اقلاما نظيفة كانت وما تزال تعبر عن هموم المجتمع ، وتضحي من اجل الدفاع عن قضايا الناس، الا يحق لي ان اذكّر الحكومات بانها كانت جزءا من المشكلة ويجب بالتالي ان تكون جزءا من الحل، الا يحق لي ان اذكّر مجتمعنا ان الرعيل الاول من الصحفيين الذين رحلوا او الاخرين الاحياء قد ساهموا في بناء وعي اجيالنا ، ولهم دين في اعناقنا يفترض ان نصرفه في الحفاظ على المؤسسات التي بنوها بالتعب والسهر.

ازمة الصحافة لا تعني الصحفيين فقط ، وانما تعنينا جميعا، ويفترض ان تفتح عيوننا على ما فعلناه بانفسنا على امتداد السنوات الماضية، وما تعرضت له مؤسساتنا من “زلازل” هزتها ، وما ينتظرنا من اهوال ومفاجآت لا يجوز ان نواجهها بمثل هذا المنطق الغريب من الشماتة والاستهانة ، ازمة الصحافة عنوان لازمتنا العامة ، وردودنا عليها هي امتحان لردود على ازمات قادمة، واي احساس بالخذلان سيتجاوز الصحفيين الى غيرهم.

اذا كان قدرنا كصحفيين ان نعض على الجرح ، وننفض عن اقلامنا غبار اليأس، ونصر ان نبقى على العهد مع بلدنا وقرائنا ولا نخذلهم ، حتى ونحن نشعر بالاختناق، ونظل حراسا للحرف النظيف والكلمة المسؤولة ، فان من حقنا عليهم ان يتعاملوا معنا بانصاف ، وان يلتمسوا لنا العذر اذا قصرنا يوما معهم، كما ان من حقنا على مؤسساتنا الوطنية ان لا تتركنا “نقلع اشواكنا بايدينا” ، فقد كان بوسعنا ان نفعل ذلك فيما مضى لو انها تركتنا وشأننا، اما الان فهي شريكة في الغرم كما كانت شريكة في الغنم، وليس اقل من ان تقوم بواجبها كما تفعل كثير من دول العالم تجاه اعلامها ، وكما نفعل نحن تجاه احزابنا، والا فان خسارة غياب الصحافة او اضعافها ستشمل الجميع، لان الصحافة ليست مجرد لسان للدولة وانما هي قلبها وبيانها ومعجزتها الناطقة.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير