هل داعش والإخوان وجهان لعملة واحدة..؟
حسين الرواشدة
جو 24 : هل صحيح ان الحركات الاسلامية التي تتبنى اليوم خطاب التطرف والعنف والتوحش خرجت من “عباءة” الاخوان المسلمين، ام انها خرجت من ملاذات وحواضن اخرى لا علاقة لها بالاسلام ولا بالاخوان ايضا ؟
لم اكن بالطبع لاطرح هذا السؤال لولا امران : احدهما القرارات التي صدرت في اكثر من بلد عربي لتصنيف الاخوان في دائرة الارهاب ، ومن ثم اعتبارهم ارهابيين سواء اكانوا محسوبين على العمل السياسي او على المقاومة ضد المحتل ، اما الامر الاخر فهو ما صدر من كتب( اخرها عن احد اساتذة الازهر الشريف ) تتبنى فكرة اتهام الاخوان – وسيد قطب تحديدا – بالمسؤولية عن انتاج التطرف والارهاب ، اضف الى ذلك ان هذه التهمة لم تعد تقتصر على بعض الدولة العربية وانما امتدت الى الخارج ، فقد اعلنت بريطانيا انها بصدد اصدار تقرير حول المسألة، (تم تأجيل اصداره 3 مرات ) وعلى اساسه سيتحدد موقفها من الاخوان .
سأحاول الاجابة عن هذا الالتباس، بداعي الفهم، والفهم فقط ، واستأذن بتسجيل عدة ملاحظات ، اولا : ان نشوء الحركات الاسلامية او ما يسمى بتيار الاصلاح الديني في بداية القرن الماضي جاء استجابة لعوامل عديدة، ابرزها مقاومة الاستعمار الاجنبي، بكل ما كان يشكله من تهديد لهوية الامة، واهانة لكرامتها، وتقويض لوحدتها ومحاولة للانقضاض عليها.. ولم يحدث ان خرجت هذه الحركات عن هذا الخط الا في استثناءات محدودة، ظلت محسوبة على اشخاص “اغتيال النقراشي مثلا” ولم تكن تعبر عن موقف الحركة الاسلامية التي تبرأت منها في حينها، وقد ذكر حسن البنا رحمه الله آنذاك ان الذين قتلوا النقراشي ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين.
ثانيا : ان حركة العنف الديني، وجماعات التكفير ودعاة التطرف، لم تبرز على هامش التيار الاسلامي المعاصر الا في السنوات الاربعين الماضية، ولم نكن قد سمعنا قبل ذلك عن فتاوى التكفير او الدعوة الى ممارسة العنف او الانتقام من المجتمع، الامر الذي يؤكد ان خروج هذه الجماعات، جاء متزامنا - او حتى لاحقا - للعنف السياسي ولسلسلة الهزائم التي لحقت بالامة، وما تلا ذلك من تغييب للديمقراطية واحتكار للسلطة وامتداد لظواهر القمع وحلول الحذف والاستئصال.
ثالثا: ان احدا لا يستطيع ان يقدم دليلا واحدا على ان حركة “العنف” خرجت من رحم التيار الاسلامي وحركاته المعتدلة، بل ان الذين دعوا الى العنف - سيد قطب مثلا- بدأوا دعوتهم من السجن، او من المنفى، ودائما بسبب الاضطهاد السياسي، بينما تمسك رموز الحركة الاسلامية بمنهج الاعتدال، وقدموا اكثر من نموذج للتسامح وأدب الاختلاف، رغم ما واجهوه من تضييق وملاحقة، واذا كان يمكننا ان نتهم اشخاصا بعدد اصابع اليد الواحدة، خرجوا عن هذا المنهج على امتداد قرن من الزمان، فان من الانصاف عدم تحميل الحركات الاسلامية، او جماعة الاخوان تحديدا وزر اجتهاد هؤلاء، الا اذا اعتبرنا بان خطأ اي شخص في المجتمع ينسحب بالادانة على المجتمع بكامله.
رابعا: ان الاجابة عن سؤال كيف خرج هؤلاء، ومن اين؟ تتصل بالمناخ والتربة التي انبتت وساعدت على النمو.. وهنا فان التربة السياسية، لا الدينية فقط، هي المسؤولة عن خروج هذه البذور.. فما دام ان السياسي لا يتورع عن احتكار الحقيقة، والاستئثار بالرأي والقرار، ومعاقبة الاخر واغلاق فمه، فمن غير المعقول ان يظل الشاب “المتهم” بالتدين، بعيدا عن “استلهام” هذا النمط الفكري وتقليده، او بعيدا عن التعبير عن حريته وحقه بغير هذا الاسلوب السائد. فالاثنان يقفان فوق ارضية عدم التسامح، وعدم الاعتراف بالاخر، الامر الذي ينتهي في الغالب الى عنف وعنف مضاد.. او الى كراهية متبادلة.. او الى تراشق بالفتاوى التي تكفر وتخرج من العقيدة الوطنية.. او الدينية على حد سواء.
خامسا: ان التطرف بدأ في الاصل من دائرة “الافكار”، وتحول الى ممارسة “بالعنف” حين فشلنا في مواجهة الافكار بالافكار، ومقارعة الحجة بالحجة، واستبدلنا ذلك بحلول “السلاح” والامن والمحاكمة.. وقد ثبت بان قتل المفكر لا يلغي افكاره وانما يزيدها حضورا وتوهجا.. وان عدم الاعتراف بالاخر الديني يضاعف من شعبيته، ويطرحه كبديل او كمنقذ بغض النظر عن وجاهة افكاره، او اهليته، وذلك تبعا لعواطف الدفاع عن “الضحية” والانتصار لها.
سادسا: ان القول بان كل الشرور التي اصابت الامة، خرجت من معطف الحركات الاسلامية، يتناقض - اصلا - مع الواقع، فتجربة الاسلاميين في الحكم - وان كانت محدودة - تشير الى انهم تقدموا على غيرهم في السماحة وفي حرية التعدد والاعتراف بالاخر (الامثلة عديدة خذ تونس ومصر وتركيا مثلا ..الخ) ، واغلبية الحركات الاسلامية المتهمة بتصدير العنف ما تزال غير معترف بها، او هي - في احسن الاحوال - مهمشة ومظورة ومهددة بالحل ، كما انها لم تجرب في الحكم حتى وان كان بعضها وصل اليه بالانتخاب ،ولم تتحمل آثام الهزائم التي حلت بالامة، لانها لم تشارك فيها اصلا.
اما آخر الملاحظات فهي انه اذا كان من واجب الاسلاميين ان يعترفوا بأخطائهم، وهي كثيرة، ابتداء من التجمد الفكري، وتغييب الاولويات وفي مقدمتها الديمقراطية، والتشرذم الداخلي، وعدم القدرة على تقديم الصورة الحقيقية للاسلام، واختزال الاسلام في السياسة، وانتهاء بالعزلة عن المجتمع وعن الاخر.. الخ، فان من واجب الاخرين ان يعترفوا بأخطائهم ايضا، وهي اكثر من ان تحصى، واكبر من ان تخفى.. الامر الذي يؤكد بان الجميع - لا الاسلاميين وحدهم - مسؤولون عن هذه الشرور التي تحيق بالامة.. وتسلبها قوتها ووحدتها وامنها وحقوقها المغتصبة.
(الدستور)
لم اكن بالطبع لاطرح هذا السؤال لولا امران : احدهما القرارات التي صدرت في اكثر من بلد عربي لتصنيف الاخوان في دائرة الارهاب ، ومن ثم اعتبارهم ارهابيين سواء اكانوا محسوبين على العمل السياسي او على المقاومة ضد المحتل ، اما الامر الاخر فهو ما صدر من كتب( اخرها عن احد اساتذة الازهر الشريف ) تتبنى فكرة اتهام الاخوان – وسيد قطب تحديدا – بالمسؤولية عن انتاج التطرف والارهاب ، اضف الى ذلك ان هذه التهمة لم تعد تقتصر على بعض الدولة العربية وانما امتدت الى الخارج ، فقد اعلنت بريطانيا انها بصدد اصدار تقرير حول المسألة، (تم تأجيل اصداره 3 مرات ) وعلى اساسه سيتحدد موقفها من الاخوان .
سأحاول الاجابة عن هذا الالتباس، بداعي الفهم، والفهم فقط ، واستأذن بتسجيل عدة ملاحظات ، اولا : ان نشوء الحركات الاسلامية او ما يسمى بتيار الاصلاح الديني في بداية القرن الماضي جاء استجابة لعوامل عديدة، ابرزها مقاومة الاستعمار الاجنبي، بكل ما كان يشكله من تهديد لهوية الامة، واهانة لكرامتها، وتقويض لوحدتها ومحاولة للانقضاض عليها.. ولم يحدث ان خرجت هذه الحركات عن هذا الخط الا في استثناءات محدودة، ظلت محسوبة على اشخاص “اغتيال النقراشي مثلا” ولم تكن تعبر عن موقف الحركة الاسلامية التي تبرأت منها في حينها، وقد ذكر حسن البنا رحمه الله آنذاك ان الذين قتلوا النقراشي ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين.
ثانيا : ان حركة العنف الديني، وجماعات التكفير ودعاة التطرف، لم تبرز على هامش التيار الاسلامي المعاصر الا في السنوات الاربعين الماضية، ولم نكن قد سمعنا قبل ذلك عن فتاوى التكفير او الدعوة الى ممارسة العنف او الانتقام من المجتمع، الامر الذي يؤكد ان خروج هذه الجماعات، جاء متزامنا - او حتى لاحقا - للعنف السياسي ولسلسلة الهزائم التي لحقت بالامة، وما تلا ذلك من تغييب للديمقراطية واحتكار للسلطة وامتداد لظواهر القمع وحلول الحذف والاستئصال.
ثالثا: ان احدا لا يستطيع ان يقدم دليلا واحدا على ان حركة “العنف” خرجت من رحم التيار الاسلامي وحركاته المعتدلة، بل ان الذين دعوا الى العنف - سيد قطب مثلا- بدأوا دعوتهم من السجن، او من المنفى، ودائما بسبب الاضطهاد السياسي، بينما تمسك رموز الحركة الاسلامية بمنهج الاعتدال، وقدموا اكثر من نموذج للتسامح وأدب الاختلاف، رغم ما واجهوه من تضييق وملاحقة، واذا كان يمكننا ان نتهم اشخاصا بعدد اصابع اليد الواحدة، خرجوا عن هذا المنهج على امتداد قرن من الزمان، فان من الانصاف عدم تحميل الحركات الاسلامية، او جماعة الاخوان تحديدا وزر اجتهاد هؤلاء، الا اذا اعتبرنا بان خطأ اي شخص في المجتمع ينسحب بالادانة على المجتمع بكامله.
رابعا: ان الاجابة عن سؤال كيف خرج هؤلاء، ومن اين؟ تتصل بالمناخ والتربة التي انبتت وساعدت على النمو.. وهنا فان التربة السياسية، لا الدينية فقط، هي المسؤولة عن خروج هذه البذور.. فما دام ان السياسي لا يتورع عن احتكار الحقيقة، والاستئثار بالرأي والقرار، ومعاقبة الاخر واغلاق فمه، فمن غير المعقول ان يظل الشاب “المتهم” بالتدين، بعيدا عن “استلهام” هذا النمط الفكري وتقليده، او بعيدا عن التعبير عن حريته وحقه بغير هذا الاسلوب السائد. فالاثنان يقفان فوق ارضية عدم التسامح، وعدم الاعتراف بالاخر، الامر الذي ينتهي في الغالب الى عنف وعنف مضاد.. او الى كراهية متبادلة.. او الى تراشق بالفتاوى التي تكفر وتخرج من العقيدة الوطنية.. او الدينية على حد سواء.
خامسا: ان التطرف بدأ في الاصل من دائرة “الافكار”، وتحول الى ممارسة “بالعنف” حين فشلنا في مواجهة الافكار بالافكار، ومقارعة الحجة بالحجة، واستبدلنا ذلك بحلول “السلاح” والامن والمحاكمة.. وقد ثبت بان قتل المفكر لا يلغي افكاره وانما يزيدها حضورا وتوهجا.. وان عدم الاعتراف بالاخر الديني يضاعف من شعبيته، ويطرحه كبديل او كمنقذ بغض النظر عن وجاهة افكاره، او اهليته، وذلك تبعا لعواطف الدفاع عن “الضحية” والانتصار لها.
سادسا: ان القول بان كل الشرور التي اصابت الامة، خرجت من معطف الحركات الاسلامية، يتناقض - اصلا - مع الواقع، فتجربة الاسلاميين في الحكم - وان كانت محدودة - تشير الى انهم تقدموا على غيرهم في السماحة وفي حرية التعدد والاعتراف بالاخر (الامثلة عديدة خذ تونس ومصر وتركيا مثلا ..الخ) ، واغلبية الحركات الاسلامية المتهمة بتصدير العنف ما تزال غير معترف بها، او هي - في احسن الاحوال - مهمشة ومظورة ومهددة بالحل ، كما انها لم تجرب في الحكم حتى وان كان بعضها وصل اليه بالانتخاب ،ولم تتحمل آثام الهزائم التي حلت بالامة، لانها لم تشارك فيها اصلا.
اما آخر الملاحظات فهي انه اذا كان من واجب الاسلاميين ان يعترفوا بأخطائهم، وهي كثيرة، ابتداء من التجمد الفكري، وتغييب الاولويات وفي مقدمتها الديمقراطية، والتشرذم الداخلي، وعدم القدرة على تقديم الصورة الحقيقية للاسلام، واختزال الاسلام في السياسة، وانتهاء بالعزلة عن المجتمع وعن الاخر.. الخ، فان من واجب الاخرين ان يعترفوا بأخطائهم ايضا، وهي اكثر من ان تحصى، واكبر من ان تخفى.. الامر الذي يؤكد بان الجميع - لا الاسلاميين وحدهم - مسؤولون عن هذه الشرور التي تحيق بالامة.. وتسلبها قوتها ووحدتها وامنها وحقوقها المغتصبة.
(الدستور)