إصابة أم وباء ؟
خيري منصور
جو 24 : عندما تزيد نسبة من يصابون بالشيزوفرينيا أو انفصام الشخصية في أي مجتمع عن نسبة مئوية محددة، فإن التوصيف الوحيد الذي يليق بهذه الحالة هو الوباء، وكان أحد علماء النفس قد حدد ثلاثة بالمئة كحد أقصى للشواذ كي يكون المجتمع في حالة عادية سواء أكان هؤلاء من الخونة أو الساديين والماسوشيين أو من قطّاع الطرق، لكن هذا العالم كان متفائلا ولم يخطر بباله أن التاريخ في ذروة تطوره سيقلب معادلته رأسا على عقب فيصبح الأسوياء ثلاثة بالمئة فقط وليس العكس . لكن ضبط مريض بانفصام الشخصية يتطلب شهودا اسوياء ومنسجمين مع انفسهم لأن امثاله وشركاءه في الإصابة ليسوا مؤهلين لذلك، بل يرون فيه شخصا عاديا لأنه ببساطة يُشبههم !
إن اكثر ما يهدد الإنسان بحيث يفقد صفاء فطرته ويصبح مضطربا وعاجزا عن اتخاذ أي قرار حتى لو كان متعلقا بتفاصيل حياته اليوميه هو اتساع المسافة بين الرّغبة والقدرة على اشباعها، وبين الحلم والواقع، لأن اتساع هذه المسافة يشعره اولا بالعجز ثم يصيبه بالإحباط واليأس فبدلا من بذل مجهود لتطوير الذات يحدث العكس وتبدأ عملية الانتحار ببطء وهو آخر من يعلم .
وفي عصرنا تعهدت الرأسمالية في ذروة التوحش بتوسيع هذه المسافة وتعميقها بحيث يضطر الفرد للتأقلم مع الامر الواقع، لأنه لا يستطيع ان يغير منه مسار ذبابة حتى لو كانت تحوم او تبيض على انفه .
وقد تحالفت عدة عناصر على حصار الفرد داخل شرنقة الذات منها السّعار الاستهلاكي وما يقترن به من جنون الاعلانات التي صممت خصيصا لتعذيب الفقراء واسالة لعاب اطفالهم بلا طائل، ومنها ثقافة الوجبات السريعة « الجانكي فود « التي شملت الصحيفة والكتاب وخلقت ما يسمى الان في امريكا « المَكْدَلَة « وهو مصطلح مشتق من ماكدونالدز ويعني في النهاية القطعنة وتحويل البشر الى ما يشبه المسامير او قطع الغيار التي ينوب اي واحد منها عن الاخر .
والطرف الثالث هو شحذ الأنانية حتى أقصاها وحذف الإيثار لصالح الإثرة، بحيث أصبح المشهد البشري اقرب الى سيرك بلا ابواب ومفتوحا بالمجان على مدار الساعة، وكأن هذه الأعداد الغفيرة من البشر مشتبكة على رغيف واحد وبيت واحد وامرأة واحدة .
وحين يصبح أي مرض وباء ويستشري سواء أكان عضويا كالطاعون أو نفسيا كالشيزوفرينيا فإن النجاة تصبح شاقة وغير ميسورة إلا لمن قرروا منذ البدء وأول السطر أن يكونوا أنفسهم وأن يكسبوها حتى لو خسروا كل شيء !
(الدستور)
إن اكثر ما يهدد الإنسان بحيث يفقد صفاء فطرته ويصبح مضطربا وعاجزا عن اتخاذ أي قرار حتى لو كان متعلقا بتفاصيل حياته اليوميه هو اتساع المسافة بين الرّغبة والقدرة على اشباعها، وبين الحلم والواقع، لأن اتساع هذه المسافة يشعره اولا بالعجز ثم يصيبه بالإحباط واليأس فبدلا من بذل مجهود لتطوير الذات يحدث العكس وتبدأ عملية الانتحار ببطء وهو آخر من يعلم .
وفي عصرنا تعهدت الرأسمالية في ذروة التوحش بتوسيع هذه المسافة وتعميقها بحيث يضطر الفرد للتأقلم مع الامر الواقع، لأنه لا يستطيع ان يغير منه مسار ذبابة حتى لو كانت تحوم او تبيض على انفه .
وقد تحالفت عدة عناصر على حصار الفرد داخل شرنقة الذات منها السّعار الاستهلاكي وما يقترن به من جنون الاعلانات التي صممت خصيصا لتعذيب الفقراء واسالة لعاب اطفالهم بلا طائل، ومنها ثقافة الوجبات السريعة « الجانكي فود « التي شملت الصحيفة والكتاب وخلقت ما يسمى الان في امريكا « المَكْدَلَة « وهو مصطلح مشتق من ماكدونالدز ويعني في النهاية القطعنة وتحويل البشر الى ما يشبه المسامير او قطع الغيار التي ينوب اي واحد منها عن الاخر .
والطرف الثالث هو شحذ الأنانية حتى أقصاها وحذف الإيثار لصالح الإثرة، بحيث أصبح المشهد البشري اقرب الى سيرك بلا ابواب ومفتوحا بالمجان على مدار الساعة، وكأن هذه الأعداد الغفيرة من البشر مشتبكة على رغيف واحد وبيت واحد وامرأة واحدة .
وحين يصبح أي مرض وباء ويستشري سواء أكان عضويا كالطاعون أو نفسيا كالشيزوفرينيا فإن النجاة تصبح شاقة وغير ميسورة إلا لمن قرروا منذ البدء وأول السطر أن يكونوا أنفسهم وأن يكسبوها حتى لو خسروا كل شيء !
(الدستور)