تونس ترفع شارة النصر..!
حسين الرواشدة
جو 24 : على ايقاع العملية الارهابية التي استهدفت متحف باردو في تونس الاربعاء الماضي، واسفرت عن قتل نحو 23 شخصا بينهم 17 سائحا ، تحرك المجتمع التونسي بكافة اطيافه وتياراته السياسية لمواجهة الارهاب وادانة المتورطين فيه.
ردة الفعل كانت مفهومة في سياقين: الاول ان العملية الارهابية كانت هي الاكبر منذ استقلال تونس1956،(بالمناسبة باردو الاسم الذي اطلق على المتحف هو اسم المعاهدة التي وقعت بين فرنسا وتونس عام 1881 في قصر السعيد ، وسمحت لفرنسا باستعمار تونس) ، اما السياق الثاني فهو ان الخطر الارهابي اصبح يداهم تونس اكثر من اي وقت مضى ، وذلك لوقوعها بجوار بلدين مصدّرين للارهاب هما ليبيا والجزائر، وبالتالي فان استنهاض الدولة للمجتمع واعلان النفير العام سياسيا و”سياحيا” وامنيا ، يبدو مشروعا، كما انه يعبر بصورة واضحة عن “العافية” التي تتمتع بها تونس ، واصرار التونسيين على حماية تجربتهم الديمقراطية التي انتزعوها بالثورة على الانظمة التي اورثتهم هذا الركام من الظلم والاستبداد.
معظم الذين التقيتهم هنا في تونس اكدوا انه لا مستقبل للارهاب في المجتمع التونسي ، وحين سألتهم لماذا ؟ ذكروا اسبابا عديدة من اهمها ان طبيعة المزاج التونسي ترفض الارهاب، وان التجربة الديمقراطية الجديدة فتحت للجميع ابواب المشاركة في العمل العام وحرية التفكير والتعبير ، والغت مناهج الحذف والاقصاء التي دفعت بعض الشباب فيما مضى (خاصة الاسلاميين) للبحث عن حلم التغيير باستخدام العنف، كما ذكروا ايضا ان الدولة التونسية تجاوزت التعامل مع الارهاب بمنطق الامن وحده، فهي – كما ظهر واضحا بعد جريمة باردو – بدات فعلا باجراءات سياسية ، ومن المتوقع ان تعكسها المسيرة الكبرى التي ستقام الاحد القادم بمشاركة جميع التيارات السياسية وبعض زعماء العالم، كما ان المنتدى الدولي الاجتماعي الذي يعقد دورته الثالثة عشرة في تونس (وهو من اضخم المؤتمرات التى تحظى بمشاركة عالمية واسعة) خصص جزءا كبيرا من فعالياته لمناقشة موضوع الارهاب ، ومن بين هذه الفعاليات المؤتمر الذي نظمه اتحاد النقابات العربية ، وتفضل بدعوتي لتقديم محاضرة فيه.
اللافت هنا ان النقاش العام داخل المجتمع التونسي حول “الجريمة” لم يقتصر على الرفض والادانة ، لا اتحدث هنا عما تنشره وسائل الاعلام التي استغرقت بمتابعة الحدث والتعليق عليه، وانما ايضا بما سمعته من مثقفين وسياسيين تونسيين ، ومن مواطنين احتشدوا في مظاهرات امام المناطق السياحية لرفض الارهاب ، فقد اتفق معظم هؤلاء على مسألتين : الاولى ان التجربة التونسية هي المستهدفة من العملية الارهابية ، وان ضرب التوافق السياسي والاجتماعي بين الاطراف الفاعلة في العملية السياسية ، هو المدخل الذي يسعى الارهابيون من خلاله لضرب هذه التجربة، واستشهدوا هنا بما جرى للشيخ مورو حيث نشرت بعض وسائل الاعلام صورة تجمعه مع احد المتورطين بالعملية (اسمه صابر الخشناوي) وفي ذلك محاولة واضحة لالصاق تهمة الارهاب بحركة النهضة الاسلامية التي يعتبر مورو ابرز زعاماتها، لكن تبين ان الشخص الذي ظهر في الصورة لاعلاقة له بالمجرم الحقيقي الا من جهة التشابه في الاسماء ، الرسالة بالطبع وصلت للجميع ومن حسن حظ التونسيين انها فهمت من كافة الاطراف وتم افشال المحاولة.
المسألة الاخرى التي حظيت بتوافق التونسيين هي ضرورة البحث عن الاسباب والعوامل التي انتجت ظاهرة الارهاب ، وعدم الاستغراق في التحشيد العاطفي ضده فقط، احد هؤلاء اشار بجرأة الى فشل منظومة التعليم في تونس، آخر اشار الى “العوج” الذي اصاب الطبقة السياسية ، وخاصة بعض النخب التي تحاول استغلال الحرب على الارهاب لتصفية حساباتها مع خصومها التاريخيين ، وذكّر الجميع ان “الظل لن يستوي والعود اعوج” ، ثالث انتقد انشغال وسائل الاعلام بالتخويف من الارهاب ، وركون المجتمع للتنديد العاطفي ، مطالبا بالتحرك للعمل حتى تسود ثقافة الحياة ، لان ما يريده الارهابيون هو “شل” المجتمع وضرب الاقتصاد والسياحة فيه.
يمكن للتونسيين ان يستثمروا في “الحالة “ السياسية والاجتماعية التي افرزتها جريمة باردو، باعتبارها حالة “اتحاد ضد الارهاب” ، ليس فقط من اجل انقاذ السياحة وانما من اجل انقاذ السياسة التي تحتاج الى جرعات من “ التوافق” لكي تسير للامام، كما يمكن لبلد ايضا مثل الاردن الذي يقع مثل تونس على حدود التماس مع الارهاب ، ان يستفيد من هذه الخبرة التونسية ، خاصة في مجال اطلاق الحلول السياسية لا الامنية فقط، لمواجهة هذا الخطر الداهم.
باختصار، تونس – كما ظهر في رسم كاريكاتوري لاحدى الصحف – رفعت شارة “الانتصار” على الارهاب، وهي كما قلنا تمتلك مقومات وفرص هذا النصر، لكن لا يعني ذلك ان عملية باردو ستكون الاخيرة ، فابواب عالمنا العربي للاسف اصبحت مفتوحة على مصراعيها امام هذا “الوحش” ، سواء بسبب انسدادات الحاضر او تراكمات الماضي ، و نحن جميعا نسدد فواتير هذا الارهاب بغض النظر عن مساهمتنا في انتاجه.
ردة الفعل كانت مفهومة في سياقين: الاول ان العملية الارهابية كانت هي الاكبر منذ استقلال تونس1956،(بالمناسبة باردو الاسم الذي اطلق على المتحف هو اسم المعاهدة التي وقعت بين فرنسا وتونس عام 1881 في قصر السعيد ، وسمحت لفرنسا باستعمار تونس) ، اما السياق الثاني فهو ان الخطر الارهابي اصبح يداهم تونس اكثر من اي وقت مضى ، وذلك لوقوعها بجوار بلدين مصدّرين للارهاب هما ليبيا والجزائر، وبالتالي فان استنهاض الدولة للمجتمع واعلان النفير العام سياسيا و”سياحيا” وامنيا ، يبدو مشروعا، كما انه يعبر بصورة واضحة عن “العافية” التي تتمتع بها تونس ، واصرار التونسيين على حماية تجربتهم الديمقراطية التي انتزعوها بالثورة على الانظمة التي اورثتهم هذا الركام من الظلم والاستبداد.
معظم الذين التقيتهم هنا في تونس اكدوا انه لا مستقبل للارهاب في المجتمع التونسي ، وحين سألتهم لماذا ؟ ذكروا اسبابا عديدة من اهمها ان طبيعة المزاج التونسي ترفض الارهاب، وان التجربة الديمقراطية الجديدة فتحت للجميع ابواب المشاركة في العمل العام وحرية التفكير والتعبير ، والغت مناهج الحذف والاقصاء التي دفعت بعض الشباب فيما مضى (خاصة الاسلاميين) للبحث عن حلم التغيير باستخدام العنف، كما ذكروا ايضا ان الدولة التونسية تجاوزت التعامل مع الارهاب بمنطق الامن وحده، فهي – كما ظهر واضحا بعد جريمة باردو – بدات فعلا باجراءات سياسية ، ومن المتوقع ان تعكسها المسيرة الكبرى التي ستقام الاحد القادم بمشاركة جميع التيارات السياسية وبعض زعماء العالم، كما ان المنتدى الدولي الاجتماعي الذي يعقد دورته الثالثة عشرة في تونس (وهو من اضخم المؤتمرات التى تحظى بمشاركة عالمية واسعة) خصص جزءا كبيرا من فعالياته لمناقشة موضوع الارهاب ، ومن بين هذه الفعاليات المؤتمر الذي نظمه اتحاد النقابات العربية ، وتفضل بدعوتي لتقديم محاضرة فيه.
اللافت هنا ان النقاش العام داخل المجتمع التونسي حول “الجريمة” لم يقتصر على الرفض والادانة ، لا اتحدث هنا عما تنشره وسائل الاعلام التي استغرقت بمتابعة الحدث والتعليق عليه، وانما ايضا بما سمعته من مثقفين وسياسيين تونسيين ، ومن مواطنين احتشدوا في مظاهرات امام المناطق السياحية لرفض الارهاب ، فقد اتفق معظم هؤلاء على مسألتين : الاولى ان التجربة التونسية هي المستهدفة من العملية الارهابية ، وان ضرب التوافق السياسي والاجتماعي بين الاطراف الفاعلة في العملية السياسية ، هو المدخل الذي يسعى الارهابيون من خلاله لضرب هذه التجربة، واستشهدوا هنا بما جرى للشيخ مورو حيث نشرت بعض وسائل الاعلام صورة تجمعه مع احد المتورطين بالعملية (اسمه صابر الخشناوي) وفي ذلك محاولة واضحة لالصاق تهمة الارهاب بحركة النهضة الاسلامية التي يعتبر مورو ابرز زعاماتها، لكن تبين ان الشخص الذي ظهر في الصورة لاعلاقة له بالمجرم الحقيقي الا من جهة التشابه في الاسماء ، الرسالة بالطبع وصلت للجميع ومن حسن حظ التونسيين انها فهمت من كافة الاطراف وتم افشال المحاولة.
المسألة الاخرى التي حظيت بتوافق التونسيين هي ضرورة البحث عن الاسباب والعوامل التي انتجت ظاهرة الارهاب ، وعدم الاستغراق في التحشيد العاطفي ضده فقط، احد هؤلاء اشار بجرأة الى فشل منظومة التعليم في تونس، آخر اشار الى “العوج” الذي اصاب الطبقة السياسية ، وخاصة بعض النخب التي تحاول استغلال الحرب على الارهاب لتصفية حساباتها مع خصومها التاريخيين ، وذكّر الجميع ان “الظل لن يستوي والعود اعوج” ، ثالث انتقد انشغال وسائل الاعلام بالتخويف من الارهاب ، وركون المجتمع للتنديد العاطفي ، مطالبا بالتحرك للعمل حتى تسود ثقافة الحياة ، لان ما يريده الارهابيون هو “شل” المجتمع وضرب الاقتصاد والسياحة فيه.
يمكن للتونسيين ان يستثمروا في “الحالة “ السياسية والاجتماعية التي افرزتها جريمة باردو، باعتبارها حالة “اتحاد ضد الارهاب” ، ليس فقط من اجل انقاذ السياحة وانما من اجل انقاذ السياسة التي تحتاج الى جرعات من “ التوافق” لكي تسير للامام، كما يمكن لبلد ايضا مثل الاردن الذي يقع مثل تونس على حدود التماس مع الارهاب ، ان يستفيد من هذه الخبرة التونسية ، خاصة في مجال اطلاق الحلول السياسية لا الامنية فقط، لمواجهة هذا الخطر الداهم.
باختصار، تونس – كما ظهر في رسم كاريكاتوري لاحدى الصحف – رفعت شارة “الانتصار” على الارهاب، وهي كما قلنا تمتلك مقومات وفرص هذا النصر، لكن لا يعني ذلك ان عملية باردو ستكون الاخيرة ، فابواب عالمنا العربي للاسف اصبحت مفتوحة على مصراعيها امام هذا “الوحش” ، سواء بسبب انسدادات الحاضر او تراكمات الماضي ، و نحن جميعا نسدد فواتير هذا الارهاب بغض النظر عن مساهمتنا في انتاجه.