jo24_banner
jo24_banner

ابحثوا عن الحل في «صيدلية » تونس..!

حسين الرواشدة
جو 24 : لم استطع ان اهرب من المقارنات، وانا اتجول في شوارع تونس وبين الخيم التي اقامها المنتدى الاجتماعي الدولي لتنظيم ندواته وحواراته التي شارك فيها مئات المثقفين والاعلاميين والسياسيين من كافة انحاء العالم.
كان يمكن لتونس ان تكون مثل صنعاء او دمشق او طرابلس اوغيرها من العواصم التي ما تزال فيها الدماء تسيل باسم الصراع على السلطة ، او من اجل اجهاض الثورة او لتصفية الحسابات الطائفية ، كما كان يمكن للنخب التونسية ان “تتناحر” باسم الدفاع عن المصلحة الوطنية العليا، وللاعلام ان يبيع ضميره ويباشر حروب الكراهية ، وللجيش ان يتدخل ، وللدولة العميقة ان تضع يدها الطويلة على المجتمع ، لكن ذلك لم يحدث، تسألني لماذا ؟ انه بفضل وعي التونسيين وحرصهم على بلدهم ، وقدرتهم على ادارة خلافاتهم ، ورغبتهم في التنازل عن مصالحهم “الفرعية” لمصلحة تونس الام والدولة ، ولمصلحة الثورة التي ضحى من اجلها الشهداء لتكون نهاية لعصر الظلم والاستبداد ومنطلقا لفجر جديد تسود فيه العدالة والحرية والديمقراطية.
مرت تونس منذ اربع سنوات بمخاضات طويلة ، وواجهت – كما قال لنا الامين العام للاتحاد التونسي للشغل حسين عباسي- اخطار انتقال عدوى “الفوضى” اليها، وكاد الفرقاء في لحظات صعبة ان يفقدوا السيطرة على ادارة الشأن العام ، وان يخسروا التوافق ويفشلوا في تسيير شؤون الدولة في المرحلة الانتقالية، لكن المجتمع التونسي بما لدى مؤسساته من خبرة وقوة(وفي مقدمتها اتحاد الشغل) استطاع ان يعيد التوازن للعملية السياسية ، وبادر اكثر من مرة لنزع فتيل التمرد والعصيان ، كما ان حركة النهضة التي ادركت ما يتربص بالثورة التونسية من محاولات لاجهاضها ، انحازت للعقلانية واختارت الديمقراطية التي تمنح الجميع ما افتقدوه من حرية بدلا من التمترس في السلطة ، لانها تعرف ان ثمن هذا التمترس سيكون باهضا بالنسبة لها ، ولتونس ايضا.
ما فعلته تونس باختصار ، هو انها صممت على “التغيير” وطوت صفحة الماضي وتصالحت مع نفسها ، وخلعت “ثوب” انظمة الاستبداد ، واحترمت خيارات الناس ، واستبسلت بالدفاع عن قيمها الحقيقية ، ولم تسمح “لأشباه” بن علي وبقايا نظامه ان يتسيدوا المشهد او ان يخطفوه.
اما ما حدث خارج تونس في الدول التي استلهمت شعوبها ثورة التونسيين، فقد كان على النقيض تماما، ذلك ان (شبح) الزعيم الذي اصر على الاستمساك بالسلطة او الانقلاب على الثورة او استدعاء الحكم بأية طريقة ، ظل يطارد هذه العواصم حتى سقطت في”فخ” الحروب وتحولت الى ساحات لتصفية الحسابات الاقليمية والصراعات الدولية ، وافرزت اسوأ ما في الانسان العربي والمسلم من ثارات تاريخية وتقيحات طائفية ومذهبية.
جولة في تونس تكفي لفهم ما يحدث في اليمن ، ابتداء من تمرد الحوثيين الى “نهم” صالح للعبث بمصير البلد من اجل العودة للسلطة ، وصولا الى عاصفة الحزم التي ربما تعصف بالمنطقة كلها ، نظرة امل تراها في عيون التونسيين تكفي ايضا لمعرفة ما يمكن ان تفضي اليه مشاهد التحالفات الجديدة التي تبدو محتارة بين مواجهة داعش او مواجهة طهران ، بين الدفاع عن هوية السنة او الدفاع عن الانظمة والاوطان ، تونس التي نجت من الاستقطاب وصراعات النفوذ ومن تسديد فواتير اجهاض صحوة الشعوب تقدم لنا درسا بليغا في كيفية ادارة ازماتنا ، كما تمنحنا فرصة ثمينة للتفكير في الاسباب الحقيقية – لا المغشوشة – التي اورثتنا كل هذه المصائب ، وقلبت اولوياتنا رأسا على عقب.
من المفارقات ان اقطارنا العربية تستثمر بالارهاب وحروبه الطويلة،و تهرب من الاجابة على الاسئلة التي تتعلق بمصادره ووكلائه ومموليه، ومن المفاجآت التي صدمتها وهي ترى ايران تتمدد ، وداعش تتوعد ، والحوثي يتهدد، والعواصم تسقط تباعا، والجيوش الوطنية تتقهقر امام الميليشيات ، والدول تتمزق، فيما يبحث الجميع عن وصفات العلاج في العواصم البعيدة والقريبة التي كانت – وما تزال- جزءا من المشكلة وسببا فيها ،وفي وصفات الحروب التي اكلت الاخضر واليابس، لكنهم – وآسفاه- يغمضون عيونهم عن تونس التي الهمت ثورتها الشعوب العربية ، وما تزال وصفة الخروج من كوارثنا موجودة في صيدليتها العتيدة.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير