اتفاق «النووي» : يصدمنا أم يوقظنا..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : انتزعت إيران من “نادي” الكبار باسم ملفها النووي ما تحتاجه من أهداف و “فرمانات” لكسر الحصار المفروض عليها ، واطلاق يدها في المنطقة، ومهما اختلفت التفسيرات لاتفاق الإطار الذي أبرم بين الطرفين فإن طهران كسبت هذه الجولة بعد ماراثون طويل من المفاوضات ، وبوسعها الآن أن تتفرغ لترسيم علاقاتها الدولية ، واستعادة توازنها الداخلي ، وخوض حروبها والاستمرار بتوسيع مناطق نفوذها في محيطها الحيوي الذي يشكل عالمنا العربي جزءا منه.
بدل أن يصدمنا “التوقيع” النووي الذي يبدو أنه طوى صفحة الصراع الطويل بين طهران و “الشيطان الأكبر “ ، يجب أن يوقظنا لكي نفتح عيوننا على ثلاث مسائل على الأقل : الأولى أن الإنجاز الذي حققه الإيرانيون لم يأت صدفة ، ولم ينزل عليهم بالبرشوت، بل جاء في سياق جهود جبارة نهضت بها الدولة وحملها وتحمل تبعاتها المجتمع ،شارك فيها علماء وسياسيون ورجال دين، ليس فقط في المجال العلمي الذي خرج منه النووي، بل في المجال السياسي الذي خاضت فيه “دبلوماسية الصبر” الايرانية مفاوضات طويلة وصعبة ، وفي المجال الديني حيث تبنت المرجعيات هذا الملف باعتباره انجازا للثورة ، بما يعني أن إيران المحاصرة دوليا استطاعت في نحو ثلاثة عقود أن تنجز مشروعها الذي وضعها على سكة الندية والتكافؤ مع العالم ، واتاح لها ان تنتزع اعترافه و احترامه وأن يتقبل ما تطرحه من أدوار وطموحات.
أما المسألة الثانية فهي أن أمام العرب الذين تفاجأوا (أو ربما صدموا) بالاتفاق ثلاثة خيارات للتعامل مع طهران: الأول اعتبار الاتفاق “إعلان حرب “ او تهديدا –على الاقل– ، وبالتالي الاستنفار لمواجهة ايران سياسيا أوعسكريا سواء بشكل مباشر او من خلال ضرب واضعاف امتداداتها في المنطقة ، وهذا يعني انها اصبحت العدو رقم 1 بدلا من اسرائيل، الخيار الثاني “ابتلاع” الاتفاق وتداعياته والقبول بالضمانات التي تقدمها واشنطن للتخفيف من وطأة الخطر الايراني على دول الجوار، اما الخيار الثالث فله شقان: أحدهما اقتناع الدول العربية ان ما حققته ايران هو حق لها وبالتالي لا يجوز معاقبتها عليه ، وانما لا بد للرد عليه من خلال استنهاض العقل العربي لبناء حالة عربية جادة، او مشروع عربي (تماما كما فعلت ايران) ، وهذا يعتمد على توافر الارادة السياسية العربية للاعتماد على الذات والخروج من حالة تعليق “تخلفنا“ على الآخرين الى الانجاز الذي يفرض نفسه على الجميع، أما الشق الثاني فهو الدخول مع ايران في حوارات سياسية على اساس المصالح المشتركة ، والاحترام المتبادل، ويمكن هنا ان يتفاهم الطرفان لإنجاز “مصالحات “ تاريخية ، وهذا لا يتوقف فقط على صدق النوايا الايرانية وانما ايضا على قدرة الاطراف العربية ببناء تحالف يضع في حساباته ان إيران (وكذلك تركيا) يجب ان تكون جزءا من الحل لأزمات المنطقة لا سببا في المشكلة فقط.
تبقى المسألة الثالثة وهي ان الاتفاق بين ايران والدول الكبرى (5+1) يمنح عواصمنا العربية درسا جديدا في “اصول” بناء العلاقات الدولية، خاصة مع واشنطن ، فإذا كانت طهران التي تشوقت لتطبيع علاقاتها مع الغرب نجحت في ذلك بالاعتماد على “شطارتها “ السياسية ، فإن بوسع عالمنا العربي ان يستوعب ما حصل، ويتحرك باتجاهين : احداهما فهم التحولات التي جرت في العالم والمنطقة لبناء تصورات تتناسب مع هذه التحولات بدل الاندفاع لاتخاذ مقررات ربما تتسبب في نتائج مدمرة للمنطقة، والاتجاه الآخر ضرورة الخروج من “الصندوق” الذي تم إدخال العرب اليه اعتمادا على رؤية غربية تقاطعت مع عوامل وظروف عربية ، وهذا الخروج الآمن يحتاج من الأطراف العربية الى مقاربات جديدة لإعادة صياغة علاقات أكثر توازنا مع امريكا ومع الدول الكبرى في العالم.
في هذا السياق يمكن للدول العربية ان تتعامل مع ايران التي خرجت من زمن الحصار الى مرحلة التمدد بمنطق الفهم والاستيعاب لبناء علاقات شراكة ، وهذا سيعتمد على رغبة وقدرة العواصم العربية المؤثرة في بناء “ توازن ردع سياسي” يسمح باسترجاع الثقة بالذات اولا وبإيران ثانيا لإعادة توزيع الادوار في هذه المنطقة على اسس ودية ، لا في اجواء حربية.
باختصار، فإن التوقيع النووي – وان كان انجازا بالنسبة لإيران – الا انه ليس شرا مطلقا بالنسبة للعرب، وبالتالي بدلا من ان “نصرفه” بالنيران واللعنات يمكن ان نصرفه بالدعوات التي تبني شراكات لا عداوات وثارات فقط.
(الدستور)
بدل أن يصدمنا “التوقيع” النووي الذي يبدو أنه طوى صفحة الصراع الطويل بين طهران و “الشيطان الأكبر “ ، يجب أن يوقظنا لكي نفتح عيوننا على ثلاث مسائل على الأقل : الأولى أن الإنجاز الذي حققه الإيرانيون لم يأت صدفة ، ولم ينزل عليهم بالبرشوت، بل جاء في سياق جهود جبارة نهضت بها الدولة وحملها وتحمل تبعاتها المجتمع ،شارك فيها علماء وسياسيون ورجال دين، ليس فقط في المجال العلمي الذي خرج منه النووي، بل في المجال السياسي الذي خاضت فيه “دبلوماسية الصبر” الايرانية مفاوضات طويلة وصعبة ، وفي المجال الديني حيث تبنت المرجعيات هذا الملف باعتباره انجازا للثورة ، بما يعني أن إيران المحاصرة دوليا استطاعت في نحو ثلاثة عقود أن تنجز مشروعها الذي وضعها على سكة الندية والتكافؤ مع العالم ، واتاح لها ان تنتزع اعترافه و احترامه وأن يتقبل ما تطرحه من أدوار وطموحات.
أما المسألة الثانية فهي أن أمام العرب الذين تفاجأوا (أو ربما صدموا) بالاتفاق ثلاثة خيارات للتعامل مع طهران: الأول اعتبار الاتفاق “إعلان حرب “ او تهديدا –على الاقل– ، وبالتالي الاستنفار لمواجهة ايران سياسيا أوعسكريا سواء بشكل مباشر او من خلال ضرب واضعاف امتداداتها في المنطقة ، وهذا يعني انها اصبحت العدو رقم 1 بدلا من اسرائيل، الخيار الثاني “ابتلاع” الاتفاق وتداعياته والقبول بالضمانات التي تقدمها واشنطن للتخفيف من وطأة الخطر الايراني على دول الجوار، اما الخيار الثالث فله شقان: أحدهما اقتناع الدول العربية ان ما حققته ايران هو حق لها وبالتالي لا يجوز معاقبتها عليه ، وانما لا بد للرد عليه من خلال استنهاض العقل العربي لبناء حالة عربية جادة، او مشروع عربي (تماما كما فعلت ايران) ، وهذا يعتمد على توافر الارادة السياسية العربية للاعتماد على الذات والخروج من حالة تعليق “تخلفنا“ على الآخرين الى الانجاز الذي يفرض نفسه على الجميع، أما الشق الثاني فهو الدخول مع ايران في حوارات سياسية على اساس المصالح المشتركة ، والاحترام المتبادل، ويمكن هنا ان يتفاهم الطرفان لإنجاز “مصالحات “ تاريخية ، وهذا لا يتوقف فقط على صدق النوايا الايرانية وانما ايضا على قدرة الاطراف العربية ببناء تحالف يضع في حساباته ان إيران (وكذلك تركيا) يجب ان تكون جزءا من الحل لأزمات المنطقة لا سببا في المشكلة فقط.
تبقى المسألة الثالثة وهي ان الاتفاق بين ايران والدول الكبرى (5+1) يمنح عواصمنا العربية درسا جديدا في “اصول” بناء العلاقات الدولية، خاصة مع واشنطن ، فإذا كانت طهران التي تشوقت لتطبيع علاقاتها مع الغرب نجحت في ذلك بالاعتماد على “شطارتها “ السياسية ، فإن بوسع عالمنا العربي ان يستوعب ما حصل، ويتحرك باتجاهين : احداهما فهم التحولات التي جرت في العالم والمنطقة لبناء تصورات تتناسب مع هذه التحولات بدل الاندفاع لاتخاذ مقررات ربما تتسبب في نتائج مدمرة للمنطقة، والاتجاه الآخر ضرورة الخروج من “الصندوق” الذي تم إدخال العرب اليه اعتمادا على رؤية غربية تقاطعت مع عوامل وظروف عربية ، وهذا الخروج الآمن يحتاج من الأطراف العربية الى مقاربات جديدة لإعادة صياغة علاقات أكثر توازنا مع امريكا ومع الدول الكبرى في العالم.
في هذا السياق يمكن للدول العربية ان تتعامل مع ايران التي خرجت من زمن الحصار الى مرحلة التمدد بمنطق الفهم والاستيعاب لبناء علاقات شراكة ، وهذا سيعتمد على رغبة وقدرة العواصم العربية المؤثرة في بناء “ توازن ردع سياسي” يسمح باسترجاع الثقة بالذات اولا وبإيران ثانيا لإعادة توزيع الادوار في هذه المنطقة على اسس ودية ، لا في اجواء حربية.
باختصار، فإن التوقيع النووي – وان كان انجازا بالنسبة لإيران – الا انه ليس شرا مطلقا بالنسبة للعرب، وبالتالي بدلا من ان “نصرفه” بالنيران واللعنات يمكن ان نصرفه بالدعوات التي تبني شراكات لا عداوات وثارات فقط.
(الدستور)