أذن واحدة تكفي
أحمد حسن الزعبي
جو 24 : تقول الحكاية إن أحد الرؤساء في سالف العصر والزمان تأخرت زوجته في إنجاب مولود ذكر، يحمل اسمه ويرثه عرشه، ويشدّ به أزره، صحيح أن الرئيس لم يكن يبوح بذلك علناً، لكن قلقه كان يزداد يوماً بعد يوم، خشية أن يتقدّم به العمر، أو أن يمسّه مكروه، لا سمح الله، فيُحدِثَ فراغاً في حكمه، أو يترك مجالاً لشماتة الأعداء.
ذات يوم أمر الزعيم بأن يحضروا له أشهر الأطباء، وأكثرهم علماً وكفاءة وخبرة، فحضر عشرات الأطباء من كل أصقاع الدنيا، إلا أن إرادة الله شاءت أن يتم شفاء زوجته على يد أحدهم، فوقع الحمل بعد أيام قليلة من العلاج، وفرح الزعيم أيما فرح، وبدأ الدلال الأسطوري للزوجة، حيث لم تترك شيئاً إلا توحّمت عليه، بدءاً من أطواق اللؤلؤ وانتهاء بخلاخيل الزمرد، وكاد يفلس بيت المال، في الوقت نفسه بدأ الرئيس يعد الشهور والأيام والساعات على جمر الانتظار، حتى حانت ساعة الولادة، صار الوقت يمر ثقيلاً خارج مخدع الولادة، والرئيس يضع يديه خلف ظهره، ويقطع صمت ممر القصر، ذهاباً وإياباً. بعد دقائق من الترقب، خرجت رئيسة قسم القابلات القانونيات لتحمل إليه البشرى «مبروك مولاي لقد شرّف المولود»، فطار الرئيس من الفرح، وبدأ يحضن الحراس والجواري والخدم «ع جنب وطرف»، لكن كانت الدهشة كبيرة، عندما همست القابلة في أذن وزيره الأول، الذي همس بدوره في أذن الرئيس قائلاً: «سيدي.. أعتذر عن الخبر.. لكن المولود جاء إلى الدنيا بأذن واحدة»، انزعج الرئيس لهذا الخبر، وخشي أن تصبح لدى المولود الصغير عقدة نفسية في المستقبل، تحول بينه وبين الحكم، فجمع وزراءه ومستشاريه، وأطلعهم على الأمر، تشاوروا في ما بينهم، وحاول البعض أن يهوّن الأمر على الرئيس، بأن الأذن الثانية ستنبت، بإذن الله، قريباً، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر، لكن الكلام لم يرق للزعيم، بل زاده انزعاجاً، فأشار آخر عليه بأن يقطع أذن كل مولود جديد، وبذلك يتشابهون مع المولود، فكّر الرئيس قليلاً، تخيل المشهد، ثم أعجب الرئيس بالفكرة، وأمر بتطبيقها، حتى صارت عادة في تلك البلاد، تشبه عادة الطهور، فكل مولود يقطعون له أذناً ويتركون الأخرى، حتى تكوّن شعب كامل، صار أمة في ما بعد، كلها بأذن واحدة.
***
ويروى أن شاباً حضر إلى تلك البلاد، وكانت له أذنان كبقية البشر، فصار أضحوكة البلد، وظلوا ينادونه بـ«ذي الأذنين»، أو «أبو آذان»، حتى ضاق بهم ذرعاً، وقرر أن يقطع أذنه الثانية ويرميها لأقرب «قطة» ليصير واحداً منهم، وبالفعل قام بذلك، واندمج مع المجتمع بسرعة وترحاب.
***
خلاصة الحكاية: عزيزي القارئ، كلما شعرت بأن الخطأ يحيط بك من كل حدب وصوب، ولا تستطيع تغييره أو إصلاحه البتة، فقط اقطع وارمِ.
(الرأي)
ذات يوم أمر الزعيم بأن يحضروا له أشهر الأطباء، وأكثرهم علماً وكفاءة وخبرة، فحضر عشرات الأطباء من كل أصقاع الدنيا، إلا أن إرادة الله شاءت أن يتم شفاء زوجته على يد أحدهم، فوقع الحمل بعد أيام قليلة من العلاج، وفرح الزعيم أيما فرح، وبدأ الدلال الأسطوري للزوجة، حيث لم تترك شيئاً إلا توحّمت عليه، بدءاً من أطواق اللؤلؤ وانتهاء بخلاخيل الزمرد، وكاد يفلس بيت المال، في الوقت نفسه بدأ الرئيس يعد الشهور والأيام والساعات على جمر الانتظار، حتى حانت ساعة الولادة، صار الوقت يمر ثقيلاً خارج مخدع الولادة، والرئيس يضع يديه خلف ظهره، ويقطع صمت ممر القصر، ذهاباً وإياباً. بعد دقائق من الترقب، خرجت رئيسة قسم القابلات القانونيات لتحمل إليه البشرى «مبروك مولاي لقد شرّف المولود»، فطار الرئيس من الفرح، وبدأ يحضن الحراس والجواري والخدم «ع جنب وطرف»، لكن كانت الدهشة كبيرة، عندما همست القابلة في أذن وزيره الأول، الذي همس بدوره في أذن الرئيس قائلاً: «سيدي.. أعتذر عن الخبر.. لكن المولود جاء إلى الدنيا بأذن واحدة»، انزعج الرئيس لهذا الخبر، وخشي أن تصبح لدى المولود الصغير عقدة نفسية في المستقبل، تحول بينه وبين الحكم، فجمع وزراءه ومستشاريه، وأطلعهم على الأمر، تشاوروا في ما بينهم، وحاول البعض أن يهوّن الأمر على الرئيس، بأن الأذن الثانية ستنبت، بإذن الله، قريباً، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر، لكن الكلام لم يرق للزعيم، بل زاده انزعاجاً، فأشار آخر عليه بأن يقطع أذن كل مولود جديد، وبذلك يتشابهون مع المولود، فكّر الرئيس قليلاً، تخيل المشهد، ثم أعجب الرئيس بالفكرة، وأمر بتطبيقها، حتى صارت عادة في تلك البلاد، تشبه عادة الطهور، فكل مولود يقطعون له أذناً ويتركون الأخرى، حتى تكوّن شعب كامل، صار أمة في ما بعد، كلها بأذن واحدة.
***
ويروى أن شاباً حضر إلى تلك البلاد، وكانت له أذنان كبقية البشر، فصار أضحوكة البلد، وظلوا ينادونه بـ«ذي الأذنين»، أو «أبو آذان»، حتى ضاق بهم ذرعاً، وقرر أن يقطع أذنه الثانية ويرميها لأقرب «قطة» ليصير واحداً منهم، وبالفعل قام بذلك، واندمج مع المجتمع بسرعة وترحاب.
***
خلاصة الحكاية: عزيزي القارئ، كلما شعرت بأن الخطأ يحيط بك من كل حدب وصوب، ولا تستطيع تغييره أو إصلاحه البتة، فقط اقطع وارمِ.
(الرأي)