إحساس الدائن
في عرفنا الاجتماعي، إذا ما غرق أحدنا في الدين وأعسر في السداد وعجز عن الوفاء بدينه مع عدم وجود أي نية له بالتملّص من المبلغ المقترض، كانت تهبّ العشيرة والمعارف في نجدته وفك ضيقته.. كانت تسمّى المساهمة في التبرّع بــ «الفريعة» يفرعونها كل حسب قدرته واستطاعته المالية، يُشكر المُقتدر ولا يُلام المُعتذر فالواجب اجتماعي تطوعي إنساني بحت.. وفي عرفنا الاجتماعي أيضاً إذا ما عرف الدائن أن دينه «فريعة» جُمع من بين يدي الناس لإنقاذ الشخص المدين.. كان يهبُ هو في نجدته أيضاً إما أن يسامح بكامل دينه -وكثير منهم قد فعلها- وهذه شيم الرجولة والفروسية والأصالة.. أو أن يسامح في نصف المبلغ المطلوب أو جزء منه لأنه في «عاداتنا» من المعيب على الدائن أن ينتظر الناس يجمعون ما بين أيديهم ولا تتحرّك نخوته ويفزع معهم حتى لو كان المعسر خصمه...
راقبت في اليومين الماضيين تبرع الشركات الخاصة والأفراد والمؤسسات العامة (فجأة) لأخواتنا الغارمات بعد أن بحّ صوتنا وجفّ حبر أقلامنا ونحن نكتب عن معاناتهن منذ سنوات دون مجيب أو متعاطف وكأنهم لا يسمعون النداء وأن النخوة والعاطفة لا تتحرّك إلا بالطلب.. على أية حال تحمّل البعض مسؤوليته المجتمعية متأخراً -ولكل امرئ ما نوى- مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا واجب صندوق الزكاة بالدرجة الأولى وليس مجرّد ردّة فعل مجتمعية لنداء الفزعة، مع أننا نرى أن قبل التسديد والتداعي إلى التبرع كان الأولى أن يقف مجلس النواب في وجه المؤسسات المالية (على فرض أنه يقوم بواجبه الرقابي والتشريعي)...
كل ما سبق يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه في سبيل عودة الأمهات إلى أطفالهن والنساء إلى بيوتهن، لكن يبقى السؤال الكبير الذي لم أجد إجابة له بعد.. لماذا لم تتحرّك النخوة والفزعة عند الدائنين للغارمات ولو من باب العرف الاجتماعي؟؟ لماذا لم نسمع أي من (المالكين) أو البنوك أو الصناديق أو شركات التمويل يصرّح أنه يتنازل عن ديونه أو جزء منها أو يتبرّع بنصفها إكراماً للوطن وللأمهات في أعيادهن.. أين حسّ الدائن الوطني؟؟ لماذا التزمت البنوك والصناديق والشركات الصمت وفتحت «بطونها» للسداد السهل والبارد؟.. في سبيل الانقضاض من جديد وإقراض ضحايا جدد..
ahmedalzoubi@hotmail.com