2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مشكلتهم مع « الدين » لا مع المتطرفين..!

حسين الرواشدة
جو 24 : الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الدين، بشكل مباشر وسافر ، او من خلال الاساءة للمنتسبين اليه افرادا ومؤسسات ، تحتاج الى وقفة شجاعة.
لكي نفهم ما حدث في هذا الاطار لا بد ان اضع القارئ الكريم امام مقاربتين : الاولى ان الذين صمموا هذه الهجمة وسوّقوها يدركون تماما ان ما جرى في عالمنا العربي منذ اربع سنوات كان محركه الاساسي هو “الدين” ، لا اتحدث هنا عن التدين السياسي الذي تمثله الحركات الاسلامية بمختلف تنوعاتها ، ولكن عن قيم الدين التي تربى عليها اجيالنا من رفض للظلم وانتصار للعدالة وتشوق للحرية وادانة للطاغوت والاستكبار، وبما ان الذاكرة ما زالت تحتفظ للدين بانه المكون الاساسي لشخصيتنا العربية والباعث لنهضتنا والمنشط لافكارنا وممارساتنا ، وبانه كان حاضرا باستمرار في كل التحولات التي شهد تها تجاربنا التاريخية ، فان رأسه كان - ولا يزال - مطلوبا ، كما ان تشويهه والاساءة اليه جزء من الخطط التي وضعت لاضعاف الامة وتفتيتها وانتزاع ثقتها بنفسها وادامة التخلف فيها ، وبالتالي فنحن لا نتحث عن “مؤامرة “ وانما عن حقائق يؤكدها التاريخ والواقع ، وهي اوضح من الشمس، ليس فقط لمن يبحثون في “الغاز” نشوء التنظيمات الارهابية التي تتغطى بالاسلام وتجد من يدعمها ويمولها وهو يدّعي انه يشهر الحرب ضدها ، وانما ايضا لمن يتابعون ما يجري في عالمنا العربي من دعوات علنية لاقصاء الدين من حياتنا ، وشطب موروثنا التاريخي باكمله ، واعتبار ان “داعش” هي الاسلام بنصوصه واشخاصه، وان القضاء عليها يستوجب اولا ازاحة الدين من المجال العام ، وربما من المجال الخاص ايضا.
هذه المقاربة تجيب على سؤال لماذا، اما المقاربة الثانية فتجيب على سؤال كيف..؟ لا احتاج هنا الى شواهد وادلة فهي “اكثر من الهم على القلب” ، يكفي ان اشير الى حروب “التصفيات” المذهبية والطائفية التي اندلعت في منطقتنا ، وهي صراعات داخل الاسلام وعليه ايضا، هدفها تقويض فكرة الدين وتنفير الناس منه
، يمكن ان اشير ايضا الى ما حدث في احدى المدارس المصرية من عملية حرق لعشرات الكتب الاسلامية لمؤلفين ومفكرين لا يمكن لاحد ان يصنفهم على قائمة التطرف او ان يدرجهم في ملحق جماعة الاخوان المسلمين ، هذا اذا صدقنا فرية ان الاخوان ارهابيون، يمكن ان اشير ثالثا الى الدعوات التي اطلقها بعض الاعلاميين “لمليونيات” خلع الحجاب ، والى المقالات التي لا تنقطع عن “تدعيش” كليات الشريعة والمؤسسات الدينية واتهامها بانها حواضن “للتطرف والارهاب” ، بالطبع لا يقتصر الامر على ذلك فقد سمعنا من مسؤولين كبار تهما تساق جزافا لموروثنا الديني وتاريخنا بذريعة انه يشكل خزانا للعنف فيما لم نعدم من طالب بحرق كتب ابن تيمية ، ومن دعا لالغاء مؤسساتنا الدينية ورفع يد الدولة عن المساجد ودور الافتاء واغلاق المحاكم الشرعية ناهيك عن حذف ما تتضمنه مناهجنا التعليمية من دروس عن الجهاد او ما يفهم منه عدم الاعتراف بالآخر، الى غير ذلك من الاتهامات التي تهدف الى اقناعنا ان ديننا مشكلة، وان التطرف الذي نعاني منه سببه الدين ، وليس مجرد الفهم الخاطئ للدين ، وبالتالي فان الطريق للخلاص هو حذف الدين من حياتنا وايداعه في السجن ، ومنع الناطقين باسمه من العمل او حتى الكلام.
للدين رب يحميه، هذا صحيح، لكن اليس من واجبنا ان ندافع عن حقنا في الحياة وفي التفكير والكرامة ، اليس من واجبنا ان ننهض للرد على هذه الافتراءات التي تسوّق باسم التنوير ، وهذه الجهالات التي لم تشهدها امتنا في اسوأ مراحل تخلفها، تسألني : كيف؟ اقول لدينا مجالان اثنان يمكن ان نتحرك فيهما ، الاول مجال التدين الغلط الذي اعطى لهؤلاء مبررات للهجوم على الدين ، واصحابه هنا كثر ، منهم الحمقى الذين اختطفوا الاسلام ورفعوا السكاكين باسمه، ومنهم الذين انحازوا للقمع والاستبداد السياسي واصبحوا شركاءه، ومنهم الذين ركبوا موجة الدين “عن غير علم” لتحيق مصالحهم ، اما المجال الآخر فهو مجال خصوم الدين ، من الذين ينطقون لغتنا وينتسبون لديننا ، سواء الذين اشهروا عداءهم له وتطرفوا بمواقفهم ضده ، او الذين استثمروا بالارهاب لالصاق تهمته بالدين ، او غيرهم من “الابناء الناجزين” الذين تحولوا الى ابواق تردد ما يريده الآخر ، وتنفذ ما يطلبه منهم دون وازع من وعي او ضمير.
حين يكون “رأس” الدين مطلوبا ، لاتقع مسؤولية الرد على علمائنا ومؤسساتنا الدينية التي تتعرض لموجة شرسة من الاتهامات والاساءات، وانما علينا جميعا ، لان محاولات هدم الدين في حياتنا ، وحذفه من مناهج تعليم ابنائنا ، وتشويه صورته لدى اجيانا ،تستهدفنا افرادا ومجتمعات، فهي تريد ان تجردنا من هويتنا ، وتلحقنا في قائمة الامم التي لا تاريخ لها ولا حضارة ، وتجعلنا مجرد شعوب طارئة تحركها غرائز الاستهلاك والانتقام، ويسوقها الاخرون الى “المسلخ” دون ان ترفع “سبابتها” للرفض ، ودون ان تستشعر استعلاء كرامتها بالدين لتقول : لا..!

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير