مسامير بشريّة !!
خيري منصور
جو 24 : لكل شيء في حياتنا حدود، ما ان يتخطاها حتى ينقلب الى الضد، لكن الاعلان في عصرنا اصبح كل ما لدينا في خدمته، فهو الاول والعاشر ايضا، ولا ينافسه اي مُنجز حتى لو كان ابداعيا.
لن نناقش الفلسفة الاستهلاكية التي تأسس عليها مفهوم الاعلان، فهي من افرازات رأسمالية استطالت انيابها وانغرزت في لحمنا، لكن ما اعنيه بحدود الاعلان هو هذه المساحة الصاخبة التي احتلها على الشاشات الفضائية بحيث يصبح المسلسل والفيلم السينمائي على هامشه، وكذلك الحوارات المتقطّعة كدودة شريطية، اضافة الى الاستخفاف بالموروث الثقافي كله، فالاعلان يسطو على كلمات اغان كلاسيكية ويعيد انتاجها بعد طلائها بالسّمن والشامبو وسائر محاصيل هذا الزمن الأقرع !
سخر الاعلان المتلفز من جمهورية افلاطون ومن قلعة صلاح الدين ومن سقراط الذي اطلق اسمه علي نوع من الاحذية، كما انه سخر من عقولنا باختراع عقاقير وهمية لشفاء امراض عجز الطب الحديث كله عن شفائها. نعرف ان هناك قنوات في الفضاء مخصصة للاعلانات فقط، ولا تقدم ما له علاقة بالسلعة المعلن عنها كأن يستضاف خبير او زبون مدفوع الاجر، وهي قنوات لا يتورط بها الا من يسعى اليها فهي لا تعتدي على فيلم او نشرة اخبار او مسلسل او حوار!
لكن هناك قنوات عربية تخدع المشاهد وتستدرجه الى برنامج او فيلم ثم تبدأ حفلة تعذيبه بحيث عليه ان يفتش عمّا وعد بمشاهدته بين الصابون والحذاء ومسحوق الغسيل، ولأن مساحيق الغسيل تحظى بنصيب الغابة كلها وليس الأسد فقط، فإن من يشاهدها يشعر بأن البشر يعيشون في حاويات قمامة وانهم اقذر من اي حيوان هوايته ان يمرّغ جسده في الوحل والتراب !
وكمشاهد اقول بأن تشفير القنوات غير المخصصة للاعلان أرحم الف مرة من هذا التسعير، لقد نجحت الرأسمالية في ذروة توحشها بأن تحول الانسان الى اسفنجة مهنتها الوحيدة الامتصاص على مدار الساعة، وحين كتب هربرت ماركيوز كتابه « الانسان ذو البُعد الواحد « قبل عدة عقود وتحدث عن سُعار الاستهلاك وفراغ الروح كان الحال اقل سوءا مما هو عليه الان. حتى عالم النفس ولهالم رايش الذي كتب رسائل الى الانسان الصغير او الانسان الترانزستور قد يعتذر عن تلك الرسائل لأن المرسل اليه قبل نصف قرن كان يقرأ الرسالة على الاقل ..
أما الآن فالانسان حوّله الاستهلاك الى مجرد مسمار ينتظر الشاكوش الذي يدقّه في أي جدار أو تابوت!
لن نناقش الفلسفة الاستهلاكية التي تأسس عليها مفهوم الاعلان، فهي من افرازات رأسمالية استطالت انيابها وانغرزت في لحمنا، لكن ما اعنيه بحدود الاعلان هو هذه المساحة الصاخبة التي احتلها على الشاشات الفضائية بحيث يصبح المسلسل والفيلم السينمائي على هامشه، وكذلك الحوارات المتقطّعة كدودة شريطية، اضافة الى الاستخفاف بالموروث الثقافي كله، فالاعلان يسطو على كلمات اغان كلاسيكية ويعيد انتاجها بعد طلائها بالسّمن والشامبو وسائر محاصيل هذا الزمن الأقرع !
سخر الاعلان المتلفز من جمهورية افلاطون ومن قلعة صلاح الدين ومن سقراط الذي اطلق اسمه علي نوع من الاحذية، كما انه سخر من عقولنا باختراع عقاقير وهمية لشفاء امراض عجز الطب الحديث كله عن شفائها. نعرف ان هناك قنوات في الفضاء مخصصة للاعلانات فقط، ولا تقدم ما له علاقة بالسلعة المعلن عنها كأن يستضاف خبير او زبون مدفوع الاجر، وهي قنوات لا يتورط بها الا من يسعى اليها فهي لا تعتدي على فيلم او نشرة اخبار او مسلسل او حوار!
لكن هناك قنوات عربية تخدع المشاهد وتستدرجه الى برنامج او فيلم ثم تبدأ حفلة تعذيبه بحيث عليه ان يفتش عمّا وعد بمشاهدته بين الصابون والحذاء ومسحوق الغسيل، ولأن مساحيق الغسيل تحظى بنصيب الغابة كلها وليس الأسد فقط، فإن من يشاهدها يشعر بأن البشر يعيشون في حاويات قمامة وانهم اقذر من اي حيوان هوايته ان يمرّغ جسده في الوحل والتراب !
وكمشاهد اقول بأن تشفير القنوات غير المخصصة للاعلان أرحم الف مرة من هذا التسعير، لقد نجحت الرأسمالية في ذروة توحشها بأن تحول الانسان الى اسفنجة مهنتها الوحيدة الامتصاص على مدار الساعة، وحين كتب هربرت ماركيوز كتابه « الانسان ذو البُعد الواحد « قبل عدة عقود وتحدث عن سُعار الاستهلاك وفراغ الروح كان الحال اقل سوءا مما هو عليه الان. حتى عالم النفس ولهالم رايش الذي كتب رسائل الى الانسان الصغير او الانسان الترانزستور قد يعتذر عن تلك الرسائل لأن المرسل اليه قبل نصف قرن كان يقرأ الرسالة على الاقل ..
أما الآن فالانسان حوّله الاستهلاك الى مجرد مسمار ينتظر الشاكوش الذي يدقّه في أي جدار أو تابوت!