بعد «70» عاما : هل يقع الطلاق..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : لم يصدر - حتى الآن - اي قرار اداري او قضائي بحل جماعة الاخوان المسلمين ، لكن يبدو ان تصريحات وزير الداخلية الاخيرة حسمت المسألة، فالاخوان من وجهة نظر الحكومة اصبح لهم عنوان واحد وهو “الجمعية” التي تم ترخيصها مؤخرا، وبالتالي فان “ ما يسمى بجماعة الاخوان المسلمين “ ليست فقط تنظيما خارجيا وانما جماعة غير مرخصة ومتهمة بتلقي التمويل من الخارج ..وربما محظورة ايضا. الآن اتضحت الصورة نسبيا ، فتوصيف ازمة الجماعة كما ذكر رئيس الوزراء اكثر من مرة بانها ازمة داخلية ، وان الفيصل فيها هو القضاء ، وان الحكومة لا تتدخل فيها ، اصبح من الماضي ، واذا كان القضاء لم يقل كلمته فان “الحكومة” قالتها بوضوح، وعلينا ان ننتظر هذا الاسبوع لكي نرى كيف تبدأ مراسيم الطلاق بين الدولة والاخوان ، وكيف سيتم تسليم “الراية” للجمعية الوليدة، وكيف ستكون ردود الاطراف في مثلث الازمة. حين ندقق فيما جرى نكتشف - اولا - ان قرار سحب الشرعية من الجماعة لحساب الجمعية جاء من جهة امنية( وزارة الداخلية) فيما لم نسمع اي تعليق من الناطق الرسمي باسم الحكومة للان، ونكتشف - ثانيا- ان الجماعة تعاملت مع معه بمنطق “الانكار” على اعتبار ان الكلام ليس موجها لها(لمن اذا؟) ، فهي جماعة ملتزمة بالقوانين ، وستقيم احتفالها بمناسبة مرور 70 عاما على تأسيسها في الموعد المحدد بعد اخطار الجهات المعنية كما ينص على ذلك قانون الاجتماعات العامة، ونكتشف - ثالثا- ان الطرف الثالث ( الجمعية) التزم الصمت ، واكتفى بمخاطبة الجهات الرسمية لمنع اقامة الفعالية بانتظار ما يمكن ان يسفر عنه المشهد لكي يبدأ الهجوم ، كما نكتشف - رابعا - ان الحكومة قررت منع الاخوان من اقامة احتفالهم المقرر الجمعة القادمة فيما يبدو ان الجماعة مصرة على اقامته. هنا ، نحن امام معادلتين : احداهما معادلة “التحدي” التي يمكن الاحتكام اليها من قبل الطرفين ، بحيث يصران على الوصول الى نقطة الاشتباك والمكاسرة : الجماعة في اصرارها على اقامة الاحتفال والحكومة في تمسكها بقرار المنع، اما المعادلة الثانية فهي “ التوافق” على حل للخروج من الازمة: من جهة الاخوان بتأجيل الاحتفال او اقامته على شكل مهرجان رمزي او بتخويل حزب جبهة العمل بالتقدم لاخذ الموافقة واقامة الاحتفال بالتالي تحت مظلة جهة لا خلاف عليها، ومن طرف الحكومة بالتراجع خطوة للخلف وتمرير المناسبة والاكتفاء باعطاء انذار يدفع الجماعة الى تصويب اوضاعها مستقبلا. لا اعتقد ان الطرفين يبحثان عن مساعدة صديق ، فلحظة “ السبعين “ عاما تمثل بالنسبة لهما( رمزيا على الاقل ) فرصة لتصفية الحسابات وترسيم الحدود بشكل نهائي وحازم ، خاصة بعد التحولات التي طرأت على العلاقة بينهما لاسباب داخلية وخارجية يطول شرحها، فالجماعة تريد ان تؤكد شرعيتها من خلال حشد قواعدها واستعراض قوتها في الشارع ، والحكومة مصممة كما يبدو على “ كسر “ ارادة الجماعة واعادتها الى بيت الطاعة ، وابلاغها رسميا انها لم تعد تحظى باعتراف الدولة ولا يوجد اي مركز قانوني لها ، وربما محظورة ايضا. لا شك ان غياب “ الحكمة” اوصلنا الى نقطة “اللاعودة”، ليس هذا فقط وانما اوصلنا الى لحظة لم نتوقع ان نصل اليها ، فمن كان يتصور ان “ثنائية” الدولة والاخوان التي تم توظيفها واستثمارها يمكن ان تكسر هكذا ، ومن كان يتوقع ان خيار الصدام مع اكبر تنظيم حظي بالرعاية الرسمية وتحالف مع الدولة في كل المفاصل التي واجهتها سيكون هو الحل في هذا التوقيت العاصف الذي تمر به منطقتنا، لكن حين وصلت العلاقة بين الجماعة وابنائها وبينها وبين الدولة الى هذا المفترق التاريخي وجدنا انفسنا للاسف امام “انفجار” لا يستطيع احد ان يتنبأ بارتداداته ، ولا بما سيلحقه بمجتمعنا من خسائر. اذا استثنينا المتحمسين - على الطرفين - للمواجهة، والشامتين بما جرى، والمصدومين منه ، والاخرين الذين يقفون على الاعراف، فان ثمة فرصة يمكن انتزاعها (ولو بصعوبة) من قبل “اهل الحكمة “ لاستيعاب الحدث وتطويقه، ليس من اجل الاخوان المسلمين ولا حتى الجماعة، وانما من اجل مصلحة بلدنا الذي لا يتحمل هكذا صدامات ، ولايجوز ( تحت اية ذريعة) ان يصل الى هذه المكاسرة التي هشّمت عظام مجتمعات اخرى ، واغرقتها في صراعات ما تزال تدفع فواتيرها حتى الان..
الدستور
الدستور