نريد ان نسمع صوت الشباب..؟
حسين الرواشدة
جو 24 : لم اكن اتصور ان اليأس استبدّ بأولئك الشباب الذين سألتهم حول المستقبل الى درجة انهم يعترفون بلا جدوى اي تفكير او تغيير، وبأنهم لا يمتلكون الارادة لعمل اي شيء، بعد ان صدموا بواقع الابواب المغلقة امامهم، والخيارات المسدودة، والفراغ الذي لا يلمؤه الا المزيد من الشعور بالاحباط والخوف من المستقبل. وكدت اقول بأنني فجعت باعترافات ابنائنا هؤلاء، لا سيما وقد ظهرت على معظمهم علامات النعمة، واشفقت على كثيرين غيرهم ممن حرموا ابسط مقومات العيش والفرص الممكنة للعمل والحياة، لكن المشكلة ان ما يشعر به الشباب على اختلاف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية والاقتصادية يضعنا امام حقيقة العبث الذي نمارسه في تصورنا وممارستنا تجاه خطر الفراغ الذي يعانون منه، وما يتولد عنه من اعراض التطرف او الانسحاب من المجتمع او محاولة الانتقام منه، وقبل ذلك امراض واسباب الانحراف والبطالة والاحساس باليتم التي تشكل قواسم مشتركة لمعظم الشباب في بلادنا. ومع انني كنت اتمنى ان نمتلك قاعدة كافية من الاحصائيات والمعلومات والرصد الدقيق لاعداد الشباب الذين وقعوا في فخ التطرف او العاطلين عن العمل (دعك من العاطلين عن الحياة) او الواقعين في براثن الجريمة، او الذين يعانون من ظلم المجتمع او الخائفين من المستقبل او ما يحلمون لتحقيقه او ما يدفعهم للشعور بالاحباط.. لننتهي من تشخيص المشكلة وبسط جوانبها واسبابها الكثيرة، الا انني استأذن - في غياب ذلك كله - بطرح سؤال العمل، باعتباره الاهم لمواجهة اخطر ما يهدد امننا الاجتماعي ومستقبل اي اصلاح او نهضة نتطلع اليها في السنوات القادمة. ومن اسف اننا ما نزال نتحايل لتغطية مشكلة هؤلاء الابناء بشتى انواع المساحيق لتجميل صورتنا الاجتماعية والسياسية امام انفسنا والآخر، فيما الحقيقة ان اي حديث عن التنمية او الاصلاج او غيرهما لا يمكن ان يمر دون الاعتراف بان نصف مجتمعنا قد استقال من العمل والارادة والانتماء، وان هذا النصف الذي شكله الشباب بات يحس بمرارة الغبن الذي اصابه من جراء الاهمال وما حدث من انقسامات اجتماعية ومستجدات وطنية وقومية، وبرامج اقتصادية اصابت طموحاته بجراحات بالغة ونزعت منه براعم الامل بمستقبل يليق به، ومشروعات يسعى لانجازها. ولاننا لا نمتلك - لا على الصعيد الوطني ولا القومي - مشروعا ناجزا يحشد طاقات هذا النشىء ويفجر ابداعاته، ولا رؤية بصيرة لاخراجه من حالة التيه التي ادخلناه فيها، ولا خيارات سياسية واصلاحية وثقافية تساعده على التصالح مع واقعه والبحث عن مقدراته والانصهار في مجتمعه وعالمه، فاننا نكاد نشعر بالعجز عن طرح اجابات ما يمكن عمله في المدى المنظور على الاقل، لكن - بأضعف الايمان - ثمة ما يستدعي اطفاء بؤر هذا التوتر والاحساس باليأس الذي يشكو منها شبابنا، وثمة ما يتطلب اعادة الدور للوازع الديني والتسويات الاجتماعية والمصالحات السياسية لدفع هؤلاء الضحايا الى اليقين بأمل التغيير وضرورة المشاركة واهمية التلاقي مع ضرورات المجتمع وخياراته بدل الانسحاب منه ومحاولة الانتقام والتمرد عليه. اذا ، كيف نتعامل اليوم مع هؤلاء الشباب؟ وكيف نتفهم مطالبهم واحلامهم ونستجيب لها؟ وحده، مشروع الاصلاح الحقيقي هو من يضمن الاجابة على ذلك، فالطاقة الهائلة التي تفجرت فجأة لدى الشباب تحتاج الى مشروع يصرفها عبر قنوات مشروعة الى ميادين الامل والعمل معا، واذا لم ننجح في تطمين هؤلاء على جدية المشروع فان ثمة قنوات اخرى ستستوعب هذه الطاقة وتسمح لها بالمرور ولنا – حينئذ- ان نتوقع ما سوف يحدث اذا اغلقنا ابواب الحلال السياسي والاجتماعي وكررنا تجارب سابقة وبائسة لم تر في هؤلاء الشباب سوى ظاهرة عددية تتسلى بالرياضة والطرب وتُستدعى وقت الحاجة، وتقبل ما نقدمه لها دون تردد. والسؤال: هل تنتهي المشكلة عند هذه الوصفة، وهل لجامعاتنا ومؤسساتنا المدنية والدينية ولنخبنا الفكرية دور في ايجاد الحلول والمخارج، ام ان “صيدلية” هؤلاء تبدو فارغة من اي دواء؟ حسبنا ان نسمع من الشباب ما يمكن ان يساهم في اخراجهم من دائرة اليأس وورطة التطرف والفراغ والملل، لعل صوتهم يصل ويقنع ويؤثر.