ولائم لأسماك القرش !
خيري منصور
جو 24 : من قالوا لكل زمان دولة ورجال نسوا ان يضيفوا بأن لكل عصر اسطورته وكذلك روايته، ففي الماضي البعيد كانت هناك اسطورة الهمت شعراء وفنانين عن بحّار تائه، جلست المرأة التي تنتظره على الشاطىء اعواما وهي تنسج طيورا ملونة على قطعة قماش، وكان اسمها بنيلوب، التي تصلح رمزا لوطن او شعب ينتظر عودة التائهين، لكن اسطورة ايامنا ليست كذلك، عشرات الالوف ممن ضاقت بهم اليابسة ركبوا البحر في زوارق غالبا ما تهب العواصف على غير ما تشتهي، وها هم يغرقون بالمئات في عرض البحر، وتغرق معهم احلامهم بالخلاص مما كابدوه في عقر الوطن، هؤلاء ليسوا كولومبوس او البحار ابن ماجد، فهم لم يبحروا لاكتشاف قارات جديدة بل من اجل الرغيف الذي لم يجدوه في اوطانهم او من اجل المأمن الذي بحثوا عنه بلا طائل . ان هؤلاء ضحايا القرصنة واسماك القرش، يتحولون الى ولائم في المسافة بين مسقط الرأس ومسقط الجثة، سمعت احد الناجين منهم بالأمس يقول بأن ايطاليا التي وصلوا الى شطآنها بعد ان فقدوا اكثر من خمسين رجلا وأمرأة وطفلا استقبلت الموتى اولا، وهكذا حققوا احلامهم بالوصول الى بيلارس، وبيلارس هي مدينة اسطورية تحدث عنها الشاعر الألماني بريخت، وقال انها كانت الوعد بشفاء المرضى وتحقيق وصال المحرومين، فالجائع ما ان يقترب من عتباتها حتى يصاب بالتخمة والفقير المدقع ما ان يقترب منها حتى تلوح له تباشير الثراء والرّفاه . لكن الناس صحوا ذات يوم من النوم ليسمعوا الخبر الفاجع وهو ان بيلارس دمرها الزلزال . ان مدن اوروبا الان هي بيلارس التي يحلم بها الهاربون من جحيم هذا الشرق سواء كانوا من ضحايا الحروب او ضحايا الفساد والسّطو، يحملون اطفالهم على اكتافهم او في احضانهم كحيوان الكنغر ويسلمون امرهم لمهربين وتجار موت عبر البحار، ثم يصلون الى ارض الاحلام لكنهم اما موتى او سجناء . اسطورة عصرنا البائس ليس فيها عاشقات ينسجن الطيور على المناديل بانتظار من ركبوا البحار وضلوا الطريق، فما من احد ينتظر احدا في هذه الدراما الكونية التي ينزف الدم من كل صفحاتها . انها اسطورة من هربوا من النار الى الرمضاء ومن الزنزانة الى القبر كأنهم فائض بشري ضاقت به الأرض فتحولت القوارب التي تعج بهم الى مقابر !! الدستور