هـــل اوضـاعـنـا على مــا يــرام..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : ليس صحيحا ابدا ان كل شيء على ما يرام ، فمعظم الاردنيين يشعرون اليوم ان الواقع صعب وان القادم ربما يكون اسوأ، هذه هي الحقيقة التي يجب ان ينتبه اليها المسؤولون في بلادنا ، والا فان اخشى ما اخشاه ان نقع في المحظور او ان تأخذنا المفاجآت – لا سمح الله - الى طريق مسدود. قبل ان يتهمني احد بالتشاؤم ، ارجو ان ندقق في “حالة” مجتمعنا ، وان نفتح عيوننا على التحولات التي طرأت عليه في العامين المنصرفين على الاقل ، واذا ما تعذر على بعضنا ذلك فارجو ان يدقق في حالته هو وحالة من يحيطون به ممن يعرفهم او يسمع عنهم ، وبالتأكيد سنكتشف جميعا ان اوضاعنا انقلبت رأسا على عقب ، وان الحياة اصبحت اصعب مما نتصور، فدخولنا تآكلت ، واحباطاتنا زادت ، واحساسنا بالمظلومية تحول الى كابوس، ونظرتنا للمستقبل اصبحت للاسف سوداء. لم نسأل انفسنا : كم بيننا من الشباب العاطلين عن العمل ، وكم بيننا من الفقراء والجائعين ، وكم عدد الموظفين والعمال الذين قررت مؤسساتهم ومصانعهم طردهم من وظائفهم ، وكم عدد الشركات والمصانع التي اغلقت ابوابها بسبب الافلاس ، وكم عدد الذين انتحروا او حاولوا الانتحار في هذا العام ، وكم نسبة ارتفاع الجرائم وما هي انواعها ، وكم عدد الذين يعانون من اضطرابات نفسية ، وكم بلغ عدد الشباب الذين يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة ، ولماذا تصاعدت حالة القسوة في مجتمعنا ، ولماذا انفجرت ظواهر العنف مجددا في جامعاتنا وشوارعنا ، وكم عدد الذين هاجروا الى بلادنا ، واين يقيمون وماذا يفعلون ، لم نسأل انفسنا : لماذا حدث ذلك ، ولا كيف تعاملنا معه ، ولا ماذا يمكن ان نفعل لمواجهته. هذه عينة فقط من الاسئلة البسيطة التي تضيء لنا جانبا من الصورة المسكوت عنها ، لكن حين ندقق اكثر سنكتشف “3” مسائل : الاولى ان مجتمعنا تعرض لانفجارات صامتة شملت معظم قطاعاته، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية ..الخ ، والثانية ان هذه الانفجارات التي اصطلحنا على تسميتها ب “الازمات “ مرت دون ان ننتبه اليها كما يجب ، ناهيك عن ان نواجهها بالشكل المطلوب ، اما االمسألة الثالثة فهي ان عيوننا ظلت مفتوحة على الخارج ، بما يحفل به من ازمات وصراعات ومخاطر فيما بقيت اوضاع الداخل واخطاره مهملة وغائبة او مغيبة عن اهتماماتنا ومعالجاتنا ايضا. قبل ان تداهمنا الثورات المضادة و”عفاريت” التطرف التي خرجت من حولنا كانت حركة الشارع كفيلة باقناع المسؤولين ان يأخذوا الحيطة والحذر ، وقتها لم يكن احد يجرؤ على ان يمد لسانه للناس ، او ان يتورط في اتخاذ قرار يتصادم مع مطالبهم او حتى مشاعرهم ، لكن الآن تغيرت الصورة للاسف ، وبدل ان نستثمر في حكمة “المواطن “ الذي وضع يده على جرحه وانحاز لامن بلده واستقراره ، وزهد بالمطالبه في الاصلاح حين رأى البراكين حوله تنفجر، تجاهلنا ما فعله ، وبدل ان نكافأه على ما قدمه ، بدأنا نمارس لعبة تصفية الحسابات معه ، وكأننا ننتقم من انفسنا ، فأي منطق هذا الذي ندفع به الناس الى الجدار ( لكي لا اقول الى الشارع)، وكأننا استثناء في محيط ملتهب انفجر فيه التاريخ بكل مكوناته الدينية والجغرافية والسياسية ، و “كفر” فيه الناس بكل شيء ، حتى بحياتهم التي هي اغلى ما يملكون. للتذكير فقط ، حين اضطر المجتمع الى وقف المطالبة بالاصلاح تحت احساس وتقدير ينم عن وعي عميق بخطورة الظرف وضرورة الحفاظ على البلد وعدم المجازفة بما لدينا من استقرار وامن، لم يكن احد يتصور ان عقارب الساعة ستعود للوراء ، وان تعطل مركب الحرية الذي كان العنوان الاساسي للاصلاح سيمتد الى تعطل مركب العدالة الذي لا يمكن لاي مجتمع ان يستقيم بدونه، لكن ذلك للاسف حدث ، لا اتحدث هنا فقط عن العدالة الاجتماعية التي جرى العبث بها بصورة غير مسبوقة وانما العدالة الاقتصادية بما تعنيه من امن وظيفي وتوزيع عادل للثروات وتوفير فرص العمل وتمكين الناس من العيش الكريم . اعرف ان ظروفنا الاقتصادية صعبة ، ولكن لماذا نصر على انتزاع العدالة واستدعاء الظلم فيما نتخذه من اجراءات او نصدره من مقررات ، واعني تحديدا قطع ارزاق الناس وتجويعهم ،فمتى كانت مؤسساتنا لا تعاني من البطالة المقنعة ، او من الموظفين الزائدين عن الحاجة ، ومتى كان الحل هو الاستغناء عن خدمات العاملين والموظفين والقائهم في الشارع، الم نجرب في اعوام “ المسغبة “ احتواء هؤلاء والاستجابة لمطالبهم العادلة حتى على حساب ارتفاع المديونية والعجز ، فلماذا نتعمد اليوم التضحية بهم ، ويا ليت اننا تعاملنا معهم بمنطق العدالة والمساواة حتى ونحن نطردهم ونحرمهم من وظائفهم ورواتبهم ، على العكس من ذلك، لقد اعطيناهم دروسا قاسيا في الجحود والظلم والنكران ، وتركناهم يندمون على اليوم الذي اقتنعوا فيه انهم جزء من المجتمع ، وان لهم ما لنا وعليهم ما علينا ،بعد ان اكتشفوا ان موازين عدالتنا مختل وان المحسوبية هي المسطرة التي يقاس عليها وتنتصر لمن له “ظهر “ ضد من لا يملكون سوى البطون الخاوية. لاننا نحب بلدنا ونخاف عليه ، نقول لمن تعمد الاساءة اليه، او لمن يغمض عيونه عن رؤية اوجاعه ومعاناة الناس فيه ، او لمن لا يراه الا من ثقب مصالحه الشخصية : اتق الله في هذا الوطن.
الدستور
الدستور