"ماكينـة" الإخـوان مـا زالـت تعمـل..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : الفوز الكاسح الذي حققته القائمة البيضاء( الاخوان والمستقلون) في انتخابات نقابة المهندسين يؤكد بوضوح ان “ماكينة” الاخوان ما تزال تعمل بكفاءة رغم ما جرى من محاولات لاشغالها او تعطيلها، كما يؤكد ثانيا ان نصيب الاخوان في اي انتخابات قادمة (البرلمانية تحديدا) لن يتراجع، الامر الذي يدحض فكرة انخفاض شعبيتهم في الشارع ، وهي فكرة رائجة الان استندت لقراءات سريعة( انطباعات ان شئت) تتعلق بانحسار “مدّ” الاسلام السياسي بعد اسقاط حكم الاخوان في مصر ، وتراجع حظوظهم في تونس، وادراجهم على قائمة الارهاب في بلدان اخرى. هل كان الاخوان بحاجة الى هذه النتيجة الحاسمة ، وغير المتوقعة، لتأكيد حضورهم في الشارع ووزنهم السياسي والمهني في مؤسسات المجتمع المدني، وقبل ذلك للاطمئنان على عافيتهم وتطمين “قواعدهم “ والمتعاطفين معهم على سلامتهم وتماسكهم ..؟ هذا صحيح بالتأكيد ، لا سيما وان نقابة المهندسين التي تضم نحو (88) الف مهندس واعتبرت تاريخيا اهم معاقلهم لها وزنها المعتبر ، كما ان محاولات اقصائهم عنها لم تتوقف ، سواء من خلال تعديل التشريعات او من خلال الانحياز لمنافسيهم ، زد على ذلك ان توقيت هذه النتيجة الذي جاء متزامناً مع حملة “الاضعاف” التي تتعرض لها الجماعة، خاصة على صعيد “صراعاتها الداخليّة” ومحاولات شق صفوفها وتقسيمها،يبدو مناسبا لكي يبعثوا برسالة رد على الدعوات التي تسعى الى نزع الشرعية عن الجماعة ومنحها للجمعية الجديدة التي حصلت مؤخرا من الحكومة على الترخيص ، والرسالة هنا موجهة لاكثر من عنوان منها الطرف الرسمي ، واعضاء الجماعة اضافة الى المتعاطفين معها وخصومها ايضا . قبل نحو عام ( آذار 2014 ) فاز الاخوان باغلبية المقاعد في انتخابات “المعلمين” ، وقتها قلت: ان الرسالة التي وصلتنا من صناديق الانتخاب ، سواءً في النقابات أو الجامعات، تشير بوضوح الى “أن جماعة الإخوان” ما تزال تحظى بأكبر نصيب من الأصوات، وأنها تجاوزت محاولات اضعافها وتشويهها، وبالتالي فإن أي كلام عن تراجعها في الشارع، أو تأثرها بما جرى “للإخوان” في محيطنا العربي، يبدو مجرد انطباعات أو رغبات، ولهذا فهو يحتاج مزيدا من التدقيق...ناهيك عن التصحيح. يمكن أن يقال إن “الانتخابات” لا تعكس بالضروروة الوزن الحقيقي”للإخوان” على الأرض،وان قوانينها تتلاءم مع قدرة الجماعة - كتنظيم- على الحشد واجتياح الصناديق بخلاف غيرها ممن لا يملكون هذه “القوة” التنظيمية، (لاحظ هنا ان عدد المشاركين في انتخابات المهندسين بلغ نحو 13 الفا يمثلون 20% فقط من اعضاء الهيئة العامة الذين يحق لهم الانتخاب) ويمكن أن يقال إن فوز الإخوان في النقابات والجامعات هو نتيجة لغياب تكتلات اخرى مؤهلة للتنافس، أو نتيجة لـ”تراكمات” عقود مضت كرَّست الجماعة فيها جهودها لبسط نفوذها على هذه المرافق العامة، بحيث أصبح من الصعب اختراقها في المدى المنظور ، أو أن محاولات التضييق والاقصاء التي تعرضت لها جاءت عكس الاتجاه المطلوب، وبالتالي انتصرت “المظلوميّة” على كل هذه الدعوات والمحاولات. لاشك، أن بعض هذه الاسباب تبدو مفهومة وصحيحة، لكن المؤكد ان “الاهداف” التي سجلتها جماعة “الاخوان” في المرمى “ المهني” لا يمكن لأحد أن يشكك بنزاهتها ولا بـ”قيمتها” المعنوية ولا أيضاً بدلالاتها السياسية،وإذا كانت –في جانب- تعكس عدم وجود بديل يمكن ان يسحب البساط من تحت “الاخوان “ او يكون قادرا على منافستهم وملء الفراغ الذي يتركونه ، فإنها تعكس في الجانب الآخر ما لدى الإخوان من رصيد، لا تقل –هنا- إنه رصيد نخبوي باعتبار أن الانتخابات التي جرت تمثل “النخبة” فهو وإن كان كذلك الاّ انه “مؤشر” حقيقي على وجود الرصيد الشعبي الذي ما زالت الجماعة تحتفظ به رغم كل الظروف التي تحيط بها. قلت ايضا آنذاك انه لا بأس إذا شعر الإخوان “بنشوة الفوز”،فهذا حقهم الطبيعي، وهم في هذه اللحظة أحوج ما يكونون اليه، لكن لنتذكر أن لهذا الفوز حسابات واستحقاقات، كما ان له اوجهاً اخرى بحاجة الى تدقيق، منها ان “استحواذ” الجماعة على هذه المرافق يعني ان بلدنا عاد مرّة اخرى لثنائية الدولة والاخوان، وان “الشركاء” الوطنيين خرجوا خاسرين في نهاية المباراة، وبمقدار ما يدعم ذلك فكرة “تفرد” الاسلاميين في الساحة فإنه يضرّ ايضاً بهم،ويجعلهم في مرمى نيران الآخرين من خصومهم، ناهيك عن انه يدفع باتجاه “تصميم” قوانين انتخابات على مقاس “الصوت الواحد” ، الامر الذي يكبدنا - كمجتمع - خسارات دفعنا جزءاً من ثمنها فيما سبق. كنت اتمنى ان تفرز انتخابات المهندسين مجلسا “توافقيا” يجمع الاسلاميين مع شركائهم اليساريين والمستقلين، لكن لا بد ان نقبل بنتائج الصناديق وان نتعامل معها بروح ديمقراطية، وهنا اعتقد انه كما ان هذا الفوز منح الاخوان فرصة جديدة لاثبات حضورهم فانه رتب عليهم استحقاقات جديدة، سواء على صعيد العمل المهني او العمل السياسي، على صعيد التعامل مع شركائهم الخاسرين في الانتخابات او مع شركائهم داخل الجماعة ، وهنا فان أخشى ما أخشاه هو ان يدفع “الفوز” الجماعة الى الوقوف فوق “برج” التحدي، خاصة فيما يتعلق بتعاملها مع “المتحفِّظين” على ادائها من الداخل، ذلك أن هذا الانتصار سيكون لا قيمة له إذا ما خيبت آمال المتعاطفين معها والمؤيدين لها، أو إذا ما “خسرت” بترتيب بيتها الداخلي ولم تنجح باستيعاب ما لديها من كفاءات حتى وإن اختلفوا معها، وقسوا عليها، او حتى خرجوا منها.