فيزياء التحدي والاستجابة !
خيري منصور
جو 24 : الحياة بأبسط تجلياتها لها دفاعات باسلة ضد الفناء، ولكلّ كائن مهما صغر شأنه وحجمه فلسفته في التحايل من اجل البقاء، وعلى هذا الجذر تأسست نظرية التحدي والاستجابة، سواء تعلّقت بالطبيعة وكوارثها ومفاجآتها او بالتاريخ . وما كان للحياة ان تستمر لو كان لها بُعد واحد، وتنتهي الى موت بلا قيامة، ومن قالوا خذوا الحكمة من افواه المجانين فاتهم ان للحكمة مصادر لا تخطر ببال احد، منها ما يتعلق بهوام وحشرات وكائنات قد لا ترى بالعين المجردة لفرط ضآلتها، لكن انفصال الانسان عن بيئته الاصلية والام وهي الطبيعة حَرَمه من ذلك المعلم الذي قال عنه شكسبير بأنه المعلم الأعظم، والعبارة الشهيرة للشاعر مالك حداد وهي لكي نستحق الشهد يجب ان تكون لنا فضائل النّحل تختصر المسألة كلها ، وحين نتأمل ما طرأ على الوضع البشري من امراض وأوبئة جسدية ونفسية نجد ان معظمها جاء بسبب العقوق الذي مارسه الانسان ضد الام التي أرضعته ورعته فهو جارَ عليها كثيرا لهذا جارت هي ايضا عليه، وما يقال الان عن انتقام الجغرافيا ليس فقط مجرد عبارة يقصد بها ادانة الانسان الذي أفسد كوكبا فما يقدمه العلماء من احصاءات وارقام عن الزفير الصناعي الذي لوّث الماء والهواء والسّمع والبصر ينذر بكوارث يصعب تداركها، فالكون تأسس على توازن بالغ الدقة . والعبث بهذا التوازن هو ما أدى الى ما يسمى انتقام الجغرافيا، سواء من حيث التصحّر وارتفاع درجات الحرارة التي ستذيب سلاسل جبال من الجليد وقد يكون أدق تعبير اطلقه احد العلماء على ما يلحقه البشر بالبيئة هو « سرطنة العافية « . وهناك شعوب بدأت تشكو من ارتفاع منسوب الأمراض الخبيثة بسبب هذه السّرطنة، وكل ما تقدمه المؤتمرات والندوات المتعاقبة هو قرع الأجراس، لكن هناك حالة من الصمم الوبائي تخفي الرّنين، وقد اصبحنا نتردد في قراءة المزيد من التقارير والدراسات التي تنشر حول التلوث بكل انماطه لأن المعرفة وحدها وبمعزل عن اية وقاية هي تعذيب للذات . وحين قال شاعر روسي ساخرا اوقفوا هذا الكوكب لكي اترجل عنه كان يعني ان هذه الأرض لم تعد صالحة للإقامة، وبالرغم من ذلك فإن ما يستغرق البشر هو شجون اخرى لا صلة لها بتحسين شروط الحياة بل هي التي تضاعف من فساد الأمكنة والأزمنة .
الدستور
الدستور