الاصلاح من فوق: واقع أم خيال ؟
كتب د. حسن البراري- كتب تخصص صحيفة النيويورك تايمز مساحة بارزة على صفحاتها تسميها (Room for Debate) لمناقشة قضايا الربيع العربي، وقد خصصت مساحة هامة لمناقشة قدرة الانظمة الملكية العربية على البقاء، وبالفعل نوقشت القضية في البحرين والسعودية، لكنني سأتوقف عند ما كتبه الدكتور مروان المعشر عن الاردن في مساهمة له عنونها "في الاردن هناك انطباع بالشرعية”.
المعشر في مساهمته المقتضبة يرى أن الاردن يمكن ان يكون انموذجا عربيا لمقاربة الاصلاح من فوق، بمعنى أن يقوم النظام بإدارة العملية الاصلاحية، لأنه نظام يتمتع بشرعية في الشارع الأردني، ولأنه أيضا ضرورة كقوة موحدة لكل الجماعات الاثنية في الاردن.
اللافت في مساهمة المعشر هو قوله ان الاردن ما زال عالقا في نظام وعد بالقيام بإصلاحات اكبر بكثير مما تم، ويشير إلى التعديلات الدستورية وإنشاء الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، لكنه يرى ان هذه الاجراءات لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب وجاءت أقل من الاجراءات الضرورية المطلوبة.
ويضيف المعشر انه بينما فقد الملك القدرة على تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، إلا ان صلاحياته بقيت كما هي، فهو من يعين ويقيل رئيس الحكومة، ولم يتغير الكثير على قانون الانتخابات، فبالرغم من مرور عام على النقاش فقد توصل الاردن الى قانون ينتخب فيه الاردنيون ٨٢٪ من المقاعد حسب المعادلة القديمة غير الشعبية.
ويبدو ان المعشر متفائل بإمكانية الاصلاح من فوق، ويقول في هذا السياق إذا كان هناك اي فرصة حقيقية للإصلاح من فوق فإن مكان ذلك هو الاردن، غير انه يتطلب تغييراً دراماتيكيا لأولويات النظام الذي يثبت لغاية الان انه عصيا على التغيير، وهذا التغيير يمكن ان يتم بقيادة الملك- على حد تعبيره.
أفهم من كلام الدكتور مروان المعشر أن الملك يمكن ان يكون حليف الاصلاحيين ويساعد بقوة في احداث التغيير من فوق، لكن اذا كان هذا التشخيص دقيقا، فما الذي يمنع الملك من القيام بذلك؟ ناهيك عن العديد من الاسئلة التي تحير الكثير من الباحثين في الغرب، ولم يقترب المعشر من الإجابة عليها لغاية الآن، فباستثناء موقفه من النخب الريعية في دراسة سابقة وتحميلهم مسؤولية استعصاء الاصلاح لم يتطرق المعشر للملك ومدى جديته وتأثيره في معادلة الاصلاح.
يبقى السؤال الهام هو لماذا فشل الاصلاح في الاردن في العشرة سنوات الاخيرة، ولماذا لم تنجح مقاربة "الاصلاح من فوق" التي تبناها الملك شخصيا خلال هذه الفترة، ولماذا ستنجح هذه المرة؟ وهل يعرّف النظام الاصلاح والتحول الديمقراطي بمعاييره الدولية ام انه يفصل ذلك على مقاسه ومقاس النخب المستفيدة من الوضع القائم؟ وهل كان بالإمكان ان يوافق النظام على التعديلات الاخيرة على تواضعها من دون ضغط الشارع؟!
الاصلاح من فوق، شعار رفع في الاردن لتبرير سياسات فريق النيوليبراليين في الخصخصة وتفكيك الدولة وربما سرقتها، وكان الاصلاح من فوق يستلزم نهجا عرفيا، إذ تم تغييب البرلمان لعامين ونيف انسجاما مع مقولة "عبقرية" افادت بأن سرعة الاصلاح الاقتصادي المطلوبة لا تحتمل برلمانا، فالبرلمان يعطل الاصلاح- هكذا كانت القراء الرسمية لدى النخب النيو ليبرالية المتنفذة آنذاك، ومن هنا جاءت مقاربة الاصلاح من فوق مركزة على الشق الاقتصادي وأغفلت الشق السياسي ما سمح بالفساد وسوء الإدارة وسيطرة عقلية "الكمنسيون" على أداء الدولة، وبالفعل شهدت هذه الفترة فسادا غير مسبوق.
في الاردن هناك فريقان: أحدهما رسمي لا يريد اصلاحا، ويحذر الملك من عواقب الاصلاح، وقد شاهدنا انتصار هذا الفريق عندما وافق الملك على قانون الانتخابات وكان بإمكانه –دستوريا- رفضه وطلب تعديل جذري عليه لكنه لم يفعل. والفريق الأخر هو اصلاحي لم ينجح لغاية الآن في خلق الزخم الذي يسحب البساط من تحت أقدام المتنفذين وحلف الصوت الواحد. وإلى أن يتمكن الفريق الثاني من صياغة مواقف واضحة وبرامج سياسية عملية سيبقى الفريق الاول متمسكا بزمام المبادرة ولن يأتي اصلاح من فوق بشكل يلبي الحد الأدني من مطالب الاصلاحيين.
ربما المطلوب الخروج من حالة التشخيص أو إبداء الرأي في نهاية اللعبة الديمقراطية والانتباه بدلا من ذلك لما يجب ان يجري على ارض الواقع، لخلق ظروف تجعل مسألة الاصلاح من فوة نتيجة وليس سببا.