نُذُر الحرب الأهلية الباردة !!
خيري منصور
جو 24 : عندما تشكلت في الأمم المتحدة لجنة من ساسة وناشطين وحقوقيين اطلق عليها اسم الدبلوماسية الوقائية كان ذلك على سبيل تدارك الأزمات والنزاعات قبل انفجارها، وضمن فلسفة يرى اصحابها ان فن ادارة الأزمات ليس فقط في البحث عن حلول لانفراجها، بل في العمل على اجهاضها وهي لم تزل في المهد . وتبعا لهذا التصور فإن النزاعات تتحول بالتراكم ومرور الوقت الى حروب اهلية باردة، لها مظاهر اجتماعية وسايكولوجية يمكن رصدها، واذا تركت بلا اية محاولات للترشيد ووقف نموها فهي مرشحة لأن تتحول الى حروب اهلية ساخنة، وقد تكون الدبلوماسية الوقائية قد نجحت في المصالحة بين اطراف مُتنازعة، لكنها لا تشكل ضمانة لانفجارات وحروب اهلية ما دامت هناك دوافع ومكبوتات تتفاقم . ما يستهان به في بواكير هذه النزاعات هو التلاسن او الحرب الكلامية وكأن الأمر سوف يتوقف عند هذا الحد، فما من حرب اهلية اندلعت بشكل مباغت حتى الحرب الاهلية اللبنانية التي لم تنته اصداؤها في الذاكرة ولم تتلاش ظلالها الداكنة، بدأت بالفعل قبل تلك الحادثة التي يؤرخ بها وهي حادثة الباص الشهيرة التي قتل فيها اشخاص على الهوية . والحروب كلها وليس الاهلية فقط تبدأ قبل ان يصبح رصدها ممكنا على صعيد ميداني، وهناك عوامل لتغذيتها وتصعيد التوتر قد تأخذ بعض الوقت واذا لم يتوفر الوعي بخطورة ما تنذر به بواكيرها ومقدماتها فإن انتهاءها الى كارثة تأتي على الاخضر واليابس يصبح امرا مُحتما، لأن التعامي عن افرازات النزاع في مراحله المبكرة هو تواطؤ بامتياز، والمسألة حتى في المحاولات الوقائية أبعد من تلك المقولة التي ترى بأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، فإذا استفحل النزاع وتعمق واستدعى احتياطياته من الذاكرة واللاوعي لن تنفع معه دراهم الوقاية كلها ولن تفلح في الحدّ منه قناطير العلاج ! المسألة منوطة اولا واخيرا بالوعي وبدور النُخب اذا كانت بوصلتها لم تُصب بالعطب في قرع الاجراس قبل وقوع الفأس في الرأس، لكن المصيبة الاعظم هي تورط النخب ذاتها في هذه النزاعات بحيث تصبح منفعلة وليست فاعلة، وطرفا وليس حكما او شاهدا . ما يجري الان في العالم العربي من حروب اهلية تتراوح بين البارد والدافىء والملتهب لم يسلم منه احد، حتى هؤلاء الذين هربوا من النار فوجدوا انفسهم في الرمضاء ! الدستور