jo24_banner
jo24_banner

وانتخابات المحامين !

د. زيد حمزة
جو 24 : لقد انقضى عهد كان فيه مجرد إطراء الديمقراطية السائدة في النقابات المهنية نوعاً من التجرؤ على المحظور او غمزاً من جانب الدولة حيث الديمقراطية غائبة أو شبه غائبة ! وازعم أنني أقدمت على ذلك أكثر من مرة وبقوة، ليس لإيماني الذي لا يتزعزع بها فحسب بل لكي أسلط الضوء على» التعددية» «وتداول السلطة» كمبدأين أساسيين من مبادئ الديمقراطية مطبقيْن في النقابات المهنية ومفقوديْن في أماكن أخرى عديدة.
وبالمقابل لقد انقضى عهد كان فيه توجيه النقد للنقابات المهنية يصطدم بخط احمر لا يجوز تجاوزه ولم تكن الدولة هي التي رسمت ذاك الخط بل بعض القوى المعارضة التي كانت تختبئ وراء النقابات وتعتبرها بديلا مؤقتاً للأحزاب السياسية الممنوعة وتبعا لذلك تعتبر النقد إضعافا لها وتمييعا للنضال ضد الحكومات( كذا!)، وكنت وانا النقابي حتى العظم منذ تخرجي من الجامعة أجازف وحيدا أكثر الأحيان بإبداء رأيي في الأخطاء التي ترتكبها النقابات في ظل هذه (الحصانة الموهومة) فأطالبها بالمبادرة لتصويبها وعدم التسويف والانتظار لحين عودة (!) الحريات العامة وذلك بتطوير قوانينها كي تتواءم مع ما غفلت عنه من قواعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان او المواثيق الدولية الأخرى الناشئة بموجبه، وكنت أتحمل في سبيل ذلك مغبة سوء الفهم حد الاتهام.
والآن وبعد مضي ستين عاماً على إنشاء معظم نقاباتنا المهنية وثلاثين عاماً على تجاوب بعضها للنقد وقيامها بتطوير قوانينها تباعاً ومنها ما يتعلق بانتخابات مجالسها كي تصبح أوسع تمثيلاً لهيئاتها العامة واصدق تعبيراً عن توجهاتها بما فيها السياسية حين تحظى بما يشبه الإجماع، فلقد غدا لزاما وحتماً علينا جميعا – نحن الذين نحب هذه النقابات ونريد لها الخير والنجاح- ان نقلص من حجم مباهاتنا بها رغم أنها مباهاة صحيحة ومشروعة، لحساب الدخول جدياً في مجال نقدها، وان نخرج عن صمتنا حيال العديد من أخطائها غير المبررة والظاهرة للعيان فنطالبها مثلاً بتعديل أنظمتها التي تسببت في ذلك ، ولقد ان الأوان لأن يعلو صوتنا الداعي لإصلاحها فوق الأصوات التي تريد المحافظة على القديم بزعم قدسيته، مع أن هدفها الحقيقي هو التمسك بالمصالح والمنافع والمكاسب او التسلق نحو المناصب! كما آن الأوان لفضح مواقف أولئك الذين يرفضون التطوير والتغيير في نقاباتهم لكنهم يصدّعون رؤوسنا ليل نهار بالإلحاح على الآخرين في الأحزاب والجماعات او حتى الحكومات كي يطوّروا ويغيّروا !
ولأني لا أنوي ان اتطرق لبحث موسع عن ضرورة تعديل كثير من القوانين المتعلقة بالعضوية الاجبارية واجتماعات الهيئة العامة ودور اللجان الفرعية بتمثيل اعضاء النقابات فيها فإني ألج اليوم لحديث محدد عن انتخابات نقابة المحامين على سبيل المثال لا الحصر، ليس عما جرى فيها مؤخرا من مشاحنات وصدامات أقلقت الكثير من الذين يحترمونها، لكن عن نظامها الانتخابي الذي تصر على إبقائه على حاله وهي تعلم انه متخلف عن ركب جميع النقابات المهنية الأخرى التي قامت بتحديثه على خُطى اول من فعل ذلك في عام 1983 وهي نقابة الأطباء، ولذلك الانجاز الفريد الذي تحملت عبئه مع آخرين من خارج النقابة قصةٌ رويت جزء منها في كتابي (بين الطب والسياسة) وبواسطته أصبح يوم الانتخابات يوماً كاملاً مستقلاً عن اجتماع الهيئة العامة السنوي وأصبح الاقتراع متاحا طوال النهار في صناديق موزعة على مختلف مدن المملكة.
وبعد.. ان نقابة المحامين وهي ام القوانين والقانونيين تدرك تماماً ان أسلوب انتخاباتها الذي تتمسك به كان صالحاً وعدد أعضائها لا يتجاوز المائة أما اليوم فقد فاق اثني عشر الفاً موزعين في جميع المحافظات، فلماذا حشرهم (وحشرهن) جميعا (او نصفهم زائد واحد كما ينص القانون) في مكان واحد وساعة واحدة والنداء عليهم بالاسم حتى اخر الليل، وما في ذلك من رهق وعنت يتسببان في إقصاء غير مقصود لعدد كبير منهم !؟


(الرأي)
تابعو الأردن 24 على google news