جماجم مُبتسمة !!
خيري منصور
جو 24 : حين شاهدت بالأمس على إحدى الفضائيات العربية وجه الطفل الذي نهشه كلب والتهم شفتيه فبدت ابتسامته كما لو أنها لجمجمة، تذكرت ذلك الدرس الأخرق الذي كان سائدا في بواكير الصحافة العربية وهو أن الخبر المثير هو أن يعضّ الانسان كلبا وليس العكس، وتذكرت ايضا الاطفال الذين يشتبكون مع القطط والكلاب في حاويات القمامة، وأحيانا تقضم هذه الحيوانات أعضاءهم كما لو أنها تُنذر أمة بالعقم . لكن لا مشهد وجه الطفل ولا ابتسامة الجمجمة هو ما أبكاني، فنحن من جيل بكى حتى جفّت قناة الدمع لديه، لفرط ما رأى وسمع وتمنى لو أن أمه لم تلده، كما قال المؤرخ ابن الاثير, أو لو أنه شجرة تُعضد كما قال عبد الله بن محمد . ما أبكاني دما هو ما سمعته من أم الطفل التي حاولت إنقاذ ابنها من براثن الكلب وقدمت يدها وليمة للكلب كي تفتدي بها لحم طفلها، لكن الكلب استمرأ لحم الطفل ولم ينهش أصابعها التي حاولت ان تعلفه بها . ألهذا الحدّ بلغ بنا الأمر يا من أقمتم الدنيا ولم تُقعدوها بعد عن كرمكم وفروسيتكم وشجاعتكم ؟ أين هو ذلك الطائي الذي ذبح فرسه لضيفه كي يذبح دجاجة ميتة لجاره الجائع، ولأطفال يرقبون الحصى في قدر الماء ولعابهم يبلل صدورهم جوعا ؟ ألا يكفي كل هذا الموت والذبح من كل الجهات كي تأكل الكلاب شفاه أطفالنا . ومن يفاخرون الأمم بأنهم قاربوا على النصف مليار عربي، ألا يفكرون بأنهم ينجبون بهذه الكثرة اقتداء بالأرانب ؟ فالأرنبة تشعر بالغريزة ان واحدا فقط قد ينجو من أطفالها السبعة ! لأنهم سيكونون من حصة ثعلب أو ذئب أو صياد بشري . التقارير المتعلقة بالتنمية البشرية قدّمت لنا إحصاءات كارثية عن أطفال الشوارع وعن نسبة الأمية والانيميا لكنها لم تقل لنا أن أطفالنا سوف يصبحون ولائم لكلاب الشوارع، وقد شاهدنا ذات يوم فيلما عربيا بعنوان انتبهو أيها السادة كان بطله زبالا طرد أستاذا جامعيا من شقته واشتراها، وأخيرا عمل الاستاذ بوابا لعمارة ! شاهدنا الفيلم لكن ما من أحد من السادة انتبه، وما شاهدناه بالأمس لم يكن فيلما بل هو فيديو تم بثّه باللحم الحي، وكان توقيعه من دم طفل له اسم عربي منحوت من هذه الأبجدية وله عينان نغرق لو حدّقنا فيهما، وله شفتان في أحشاء الكلب، لهذا لن ينطق بكلمة واحدة حتى لو عاش، فالكلاب السائبة أصبحت تحب شفاه الأطفال !!! الدستور