jo24_banner
jo24_banner

كم يُشبهون بعضهم

خيري منصور
جو 24 : كم لا يُشبهون أنفسهم ! ما نسب قوله للجنرال ديغول وهو من الصعب على اي رئيس ان يحكم بلدا كفرنسا يوجد فيه مئات الاصناف من الجبنة يمكن ان يصدق على اكثر من رئيس في الغرب حيث تتعدد الامزجة لأن شخصية الفرد تبلورت ونال قدرا من الحرية يتيح له ان يختار ما يريد غير عابىء بما يقوله الاخرون . لكن المجتمعات التي لا تكفي كلمة تخلف لتوصيفها تنتقل من طور الى آخر وهي محتفظة بكامل نسيجها فالفرد الذائب في القبيلة يذوب ايضا في الحزب او اي تشكيل سياسي او اجتماعي، ويكون الناس في مثل هذه المجتمعات متشابهين كالبيض او قطع الغيار فالمسامير تطول او تقصر وتستخدم لتعليق صورة على جدار او لترميم حذاء كما تستخدم بالحياد ذاته في المهد والتابوت والمعبد والمبغى . كم يشبهون بعضهم، لأن القَطْعَنة حوّلتهم الى أرقام، ومن المعروف ان القبائل البدائية لا تكتفي باطلاق اسماء على من ينتسبون اليها بل تضع على وجوههم علامة غالبا ما تكون عن طريق الكي بالنار، وبقدر ما يشبهون بعضهم لا يشبهون انفسهم فالنهار للجميع، لكن لكل منهم ليله الخاص وثمة لغة لها معجمها مع الآخرين مقابل لغة صامتة مع النفس . واذا قبلنا ما نسب الى ديغول حول التعددية وتباين الامزجة وصعوبة ادراج البشر في خانة واحدة، ففي المقابل ثمة من يجمعهم الطبل وتفرقهم العصا لأن الفرد مجرد رقم او استمارة احوال مدنية كما وصفه الكاتب التشيكي كونديرا . وما يقوله علماء النفس والاجتماع عن هذا التشابه الرّتيب هو ان الاعراف والتقاليد لها قوة تتفوق احيانا على القوانين، فيجد الفرد ذاته مهددا بالاقصاء والنبذ اذا اختلف ثم جَهَر باختلافه، تماما كما كانت القبائل تفرد البعير الأجرب خشية ان يصيب القافلة بالعدوى ! وكلما اشتدت وتصاعدت وتيرة القطعنة يكون الفرد مطالبا بالامتثال فهو كما قال الشاعر الجاهلي عن غزيّة التي ان غزت تبعها وان رشدت رشد مثلها وتبعا لتعاليمها . ان احدث الباروميترات لقياس منسوب التمدن والتقدم هو حرية الفرد شرط ان تتوقف عند حدود حريات الاخرين، وفي غياب هذه الحرية يصبح الكلام عن الابداع والانجاز مجرد ثرثرة عقيمة ، لأن الابداع لا يكون الا اذا توفرت حوافز الاختلاف والتفرّد، وبعكس ذلك يكون الملايين مجرد نسخ كربونية من اصل واحد . اما المفارقة فهي بالفعل في كون من يشبهون بعضهم لا يشبهون أنفسهم على الاطلاق، وقد نحتاج الى قاموس جورج اورويل لفهمهم، ما دامت الكراهية تعني الحب والخيانة تعني البطولة والصدق يعني الكذب !

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير