"المملكة العربية" بين الرغبات والوقائع..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : يمكن ان نفهم الدعوات والتحليلات التي انتشرت الاسبوع المنصرف حول امكانية “توسع” المملكة في سياق الرغبات والامنيات ، كما يمكن ان نناقشها في سياق الخيارات او الاضطرارات ، لكن ما لا نفهمه هو ان يضعنا بعض المروجين لها امام خيارين : التمدد او التفتت ، او ان نكون او لا نكون. ما لا نفهمه ايضا هو ان هذه التحليلات لم تصدر من مصدر رسمي ولم تحظ باي تعليق او توضيح ، كما انها جاءت معزولة تماما عن سياقها الواقعي ، فلم تأخذ بعين الاعتبار ما يتوفر لدينا من امكانيات وقدرات ، ولا ما يترتب على القيام بهذه “الحركة” من آثار وتداعيات . لا اريد هنا ان ادخل في فضاء الرغبات الواسع الذي دفع البعض الى “التحليق” عاليا في الخيال السياسي ، رغم انني ادرك تماما ان مثل هذه الرغبات قد تكون بريئة وقد تكون ملغومة ، وهي – بالطبع – ليست جديدة ، فقد سمعناها تتردد على السنة خبراء غربيين ، كما ترددت على السنة بعض اخواننا “ الناجزين” ، وعلى الرغم من ذلك فان مسألة “الرغبات “ والطموحات تظل مشروعة، ما لم تتحول الى افعال غير محسوبة لانها عندئذ تصبح “مجازفة “ مكلفة ومحفوفة بالمخاطر. اذا تجاوزنا الامنيات والرغبات فان ثمة وقائع واحداثا وحقائق لا بد من الاشارة اليها والتدقييق فيها ، وهي هنا تتعلق بما نملكه من امكانيات وما يتوفر لدينا من اوراق ، سواء اكانت سياسية او اقتصادية او عسكرية ، ثم ما يحتاجه ذلك من مواءمات واستحقاقات ، على صعيد الداخل ومناخاته العامة ، او على صعيد الخارج ومدى استجابته لذلك. حين ندقق في مسألة “التمدد” نكتشف ان المنطقة تمر بحالة من “السيولة” السياسية والاجتماعية والديمغرافية لدرجة يبدو فيها من الصعب التفكير ، مجرد التفكير ، بالخروج من اطار الحدود المرسومة للدولة ، لان من شأن ذلك ان يدخلنا في فوضى لا قدرة لنا على مواجتها ولا مصلحة لنا في التعامل معها ، كما نكتشف ايضا ان التوسع يحتاج الى امكانيات اقتصادية وعسكرية هائلة، نحن لا نملكها ، ويحتاج الى تفاهمات اقليمية ، وهي غير متوفرة الان، والى “قابلية “ للانضمام من قبل سكان المناطق المقصودة، وهذه غير محسومة ، زد على ذلك ان معظم المناطق التي يدور حولها الحديث تخضع لسيطرة التنظيمات المسلحة ، والدخول اليها يعني ان نخوض حربا برية معها ، ولا اعتقد اننا مستعدون لذلك او ان لنا مصلحة فيه. حين ندقق بشكل اعمق نجد ان لنا تجربة في الوحدة مع الضفة الغربية عام 1950 انتهت الى فك الارتباط عام 1987 ، كما ان لغيرنا تجارب في الوحدة لم تنجح ، واخرى في التوسع تمخضت عن كوارث، نجد ايضا ان فكرة التوسع تتطابق مع استرتيجيات لاعادة تقسيم المنطقة وتغيير خرائطها ، واعتقد اننا غير متحمسين لها ولا يجوز ان نشارك فيها، نجد ثالثا ان الفكرة تتقاطع مع مقولات يجري تداولها منذ وقت طويل لاستيعاب اللاجئين والهجرات المختلفة، ونحن في غنى عن الخوض بها خاصة بعد ان واجهنا قصة الوطن البديل واجمعنا على رفضها، كما نجد رابعا ان التوسع مهما كانت مبرراته سيدخلنا في دائرة الشكوك من قبل الجيران ، وبالتالي ستلاحقنا “ تهم” التدخل في شؤون الاخرين، وستجلب لنا خصومات وعداوات ، ناهيك عن انها تتعارض اساسا مع الهدف الاساسي الذي يسعى الاردنيون اليه الان وهو الحفاظ على وحدة وسلامة وحدود بلدهم ، وعلى علاقات طيبة مع عمقهم ومحيطهم العربي ، وعلى منهج الاعتدال الذي اتسموا به شعبا وقيادة. مع الاحترام لكل الرغبات التي يحاجج دعاتها دفاعا عن الحق في “التوسع” : انتصارا للوحدة العربية ، او امتثالا للواقع والتماهي معه ، او من اجل انقاذ اخواننا الذين يتعرضون لابشع انواع الظلم ، او لمواجهة استحقاقات مرحلة جديدة تفرض علينا ولا يجوز ان نهرب منها ، مع الاحترام لكل هذه النوايا النبيلة الا ان ثمة حلولا اخرى غير التوسع يمكن ان تفيدنا هنا وتكون بديلا يعوضنا عن المجازفة، خذ مثلا مواجهة التنظيمات المسلحة واضعافها وهو الدور الذي نباشره الان ، وخذ ايضا مد النفوذ من خلال دعم العشائر في سوريا والعراق ، وخذ ثالثا تأمين حدودنا لمنع امتداد الخطر الى بلادنا ، كل هذه الخيارات وغيرها يمكن ان تساعدنا في تثبيت اقدامنا على الارض ، والحفاظ على امننا واستقرارنا ، باقل ما يمكن من خسائر..فلماذا اذا نجازف ونذهب الى المجهول..؟ الدستور