استراتيجية الإجهاض!!
خيري منصور
جو 24 : لم يتنبه الكثيرون الى ما أفرزته الاعوام الأربعة الماضية في العالم العربي على الصعيدين العاطفي والوجداني، فالكلام كله مُنصرف الى السياسة والاقتصاد والأمن وكأن الانسان يعيش فقط بهذا الثالوث والذي رغم اهميته القُصوى لا يشمل بعدا بالغ الاهمية هو الثقافة، لكن بمعناها الاخر والذي يحاول الاعلام اختزاله وتسطيحه . وحسب ما يقول علماء الاحياء فإن الاشباع الكاذب او الوهمي لحاجات الانسان وما يحلم به يؤدي الى ما هو أسوأ من الحرمان، لأنه يشيع حالة من الاحباط قد تدفع الانسان الى اليأس، والقبول بالامر والواقع وبالتالي التأقلم مع الشروط التي تحاصره حتى لو كانت تنال من حريته وكرامته . ما حدث في الوطن العربي إثر حراكات منها ما كانت دوافعه نبيلة ومبررة انسانيا هو اشباع كاذب، فالسّراب لا يصلح للشرب او الوضوء وغسل الموتى، لأنه من اختراع العين الكليلة التي غطاها القذى، فهل ستعود حكاية الراعي والذئب من خلال تجلّيات جديدة؟ بحيث لا يصدق الناس ما يسمعون من وعود، فقد سال لعابهم بما يكفي على رغيف ما ان اقتربوا منه حتى طار وعلى حرية حلموا بها قرونا لكنها تحولت الى ما يشبه تلك البحيرة الاسطورية عند الاغريق القدماء بحيث كلما اقتربت منها الشفاه المشققة من الظمأ ابتعدت . ان الانسان حين يجد نفسه مُنبَتّا لا حرية قطع ولا استقرارا حتى لو كان آسنا أبقى ينكفىء داخل ذاته، ويحاول الاحتماء بالشرنقة التي ينسجها من فائض خوفه وجوعه وشعوره بالاستعباد ! وهناك نمط ليس شائعا من الاستراتيجية الاجهاضية، التي تسعى الى دراسة وتشخيص الممكنات القابلة للتحقق في الواقع ثم تجهضها، وتستولد بالانابيب السياسية والايديولوجية بدائل صناعية لها . وهذا التفكير الاستباقي يليق بمرحلة ما بعد الحداثة التي يعيشها العالم في هذه الألفية، ومقابل الحروب الاستباقية ذات الشرعيات الملفقة بأثر رجعي ثمة حراكات شعبية يجري اختطافها والسطو على بوصلتها بحيث تصبّ في مكان آخر وليس في المصب التاريخي الذي كانت تجري باتجاهه ! ما نخشاه هو ان هذا الاشباع الكاذب وما اقترن به من سراب دفع العربي مجددا الى التأقلم مع الأمر الواقع بحيث يجد نفسه هاربا من النار الى الرّمضاء، او من زنزانة الى اخرى كما في حكاية مونت كريستو . ان اربعة اعوام وبضعة اشهر تكفي لأن نرى ما حجبه الصراخ والدخان فلماذا كل هذا التعامي؟ الدستور