نريد أن نسمع صوت "الوطني لحقوق الإنسان"..!
حسين الرواشدة
جو 24 : لا استطيع ان افهم «لغز» صمت المركز الوطني لحقوق الانسان عن بعض الملفات التي تتعلق بالحريات العامة وحقوق المواطنين في بلدنا ، واهمها ملف المساجين او الموقوفين في قضايا سياسية، ولولا انني اعرف استاذنا المؤرخ الدكتور محمد عدنان البخيت واثق به واحترمه لقلت : إن هذا الصمت يصدمنا ويفجعنا حقا، لكن احترامي للرجل الذي عانى ذات مرة من «وشايات» الذين يسيرون بعكس اتجاه حقوق الانسان يدفعني الى الانحياز لمنطق «التمس لاخيك عذرا « ، فلربما قام المركز بواجبه بعيدا عن عيون الاعلام ، وربما خفي عنا ما نهض به ، وان كان من واجبنا ان نعتب عليه ونطالبه باشهار ما فعله على الملأ لكي نطمئن ونستريح. لا اتحدث فقط عن بعض الاشخاص المعروفين الذين اودعوا بالسجن على خلفية احكام صدرت بحقهم بموجب قانون «مكافحة الارهاب» ، ولا عن مئات من الشباب الذين تم ايقافهم على خلفية اتهامات تتعلق «بالتطرف» والتعاطف مع التنظيمات المسلحة ، وانما ايضا عن حالة عامة من «التخويف» اصبحت تحكم مزاجنا العام بسبب القانون المذكور وبعض المقررات والاجراءات الادارية التي وصلت الى حد منع اقامة النشاطات الثقافية والاجتماعية ، وهي مسألة جديدة لم نألفها حتى في مرحلة الثمانينات التي سبقت عودة الديمقراطية. افهم - بالطبع - السياقات الامنية والسياسية التي استوجبت «التوسع» في اتخاذ مثل هذه الاجراءات ، وافهم ايضا طبيعة هذه التدابير الاحترازية في مثل هذه الظروف التي تحيط بنا ، لكن ما لا افهمه - ولا يجوز ان نقبله - هو ان نصمت جميعا ( وفي المقدمة الوطني لحقوق الانسان ) عن متابعة مثل هذه الاجراءات للتأكد من سلامتها ، ورصد اي تجاوزات فيها ، وقبل ذلك مدى انسجامها مع قوانيننا ومواثيق حقوق الانسان العالمية التي التزمنا بها . وما دام اننا نخوض حربا ضد التطرف الذي اصبح عنوانا لهذه المنطقة في هذه المرحلة فان فتح ملف المتهمين بالتطرف ، سواء الذين تم ايقافهم بتهمة التعاطف مع تنظيمات ارهابية او الذين تم ايداعهم بالسجن بعد عودتهم من جبهات القتال في سوريا ، يمكن ان يساعدنا في توجيه النقاش العام حول الموضوع الذي اشرنا اليه سلفا ، وهنا استأذن بتسجيل بعض الملاحظات : الاولى ان ما فعلناه حتى الان هو مطاردة المتطرفين وليس مواجهة التطرف ، ذلك ان من السهل ان نقبض على اي شاب تظهر عليه علامات متطرفه او يشتبه بانه يتعاطف مع جماعات متطرفة ، ثم نودعه السجن، لكن الاهم من ذلك هو ان نبحث عن جذور التطرف واسبابه ، وان نقبض عليها ايضا و نحاكمها . الملاحظة الثانية هي ان هؤلاء الشباب الذين نريد ان نعاقبهم بتهمة التطرف (وهم بالمئات حتى الآن !) يدرجون في قائمة واحدة بلا تصنيف ، مع ان بعضهم ربما لا يعرف اي شيء عن الاسلام ، وربما تفاجأ انه اصبح ارهابيا، هؤلاء يحتاجون بالطبع الى اصلاح ، لكننا بدل ان نحاورهم ونفتح امامهم ابواب التوبة والامل ،ونشجعهم للخروج من ضلالهم فاننا للاسف ندفعهم الى الاصرار على تطرفهم ، وربما نساهم بلا قصد في تحويلهم (بفعل التواصل والتخادم مع بعضهم ) الى متطرفين اصلاء . اما الملاحظة الثالثة فهي ان الحوار مع هؤلاء الشباب لاقناعهم بالعودة عن افكارهم ، وان كان ضروريا ، الا انه لا يكفي ، فهؤلاء المغرر بهم يحتاجون الى افعال تطمئنهم على تحسن اوضاهم وتضمن لهم مستقبلهم ، لا اتحدث فقط عن « ابواب مواربة» تمنحهم الامل بالخروج من السجن ، وانما عن ضمانات وحوافز مثل فرص التعليم والعمل وعن مساعدات لاسرهم التي تحتاج فعلا لمن يساعدها . هذا ملف واحد اضعه على طاولة الوطني لحقوق الانسان ، واعتقد انه من اهم الملفات التي تستحق ان ندقق فيها ونعرف تفاصيلها ، لا لانه يتطلب من المركز ( وهذا من صميم اهدافه) اتخاذ الاجراءات الادارية والقانونية اللازمة لمعالجة الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات على حقوق الانسان للحد منها ووقفها وازالة آثارها، وانما ايضا لانه يتعلق بحرب طويلة نخوضها ، واخشى ما اخشاه ان تختلط فيها الاوراق وينتصر فيها الامني على السياسي الانساني معا ، ولهذا فان الرقابة والمتابعة من قبل مؤسسات المجتمع المعنية بحقوق الانسان تبدو ضرورية جدا، ونحن بالتالي نريد ان نسمع صوت المركز الوطني لحقوق الانسان في هذه المرحلة بالذات لكي تشعر الحكومات ان يديها ليست مطلقتين لتفعل ما تشاء.الدستور