jo24_banner
jo24_banner

عصافير الصوم

أحمد حسن الزعبي
جو 24 : كنت تقيّاً ورعاً منذ المراحل الأولى من الطفولة ، ولم أستغل أي من الرخص أو مبيحات الإفطار حتى وأنا دون السادسة من عمري قاصداً الأجر الكامل..وقد كنت مضرباً للمثل عند والديّ رحمهما الله عندما كانا يتباهان بي أمام الأقارب حول التزامي في صيامي كصيام الكبار ... ولم أكن أشعر وقتها بتأنيب الضمير ، لأني لم أكن أعرف أن شرب الماء خلف «الخابية» في ظهر وعصر الصيام تُفطر، كما لم أكن اعرف أن أكل باقي السحور في الصباح الباكر والأهل نيام من المفطرات أيضاَ ، عدا ذلك فقد كنت أصوم كما يصوم الكبار ولله الحمد!...
على أية حال لم تستمر واقعة «الخابية» غير عام او عامين وبعد ذلك التحقت بركب الملتزمين او بركب المطروحين أرضاَ من العطش والجوع في النهارات القائظة قبل خمس وثلاثين سنة، حيث بقيت أقوم بواجبات البيت حبواً بين الغرف ، وفي أحسن الأحوال أمشي على طريقة أحدب نوتردام في الحارة حتى أقضي أغراض البيت...
رمضان هذا العام ترفّع عنصر جديد في العائلة من رتبة «عصفور» الى رتبة «خنشور» ليصبح العدد الإجمالي المكلف بالصوم أربعة أشخاص...وقد راقبت في اليومين الماضيين سلوك هذا العنصر ومراحل «ألتضوّر»عنده من «النوم ع البطن»، ومشاهدة برامج الطبخ على طريقة «دجاج الماكنة» يداه ورجلاه ملتصقان ببطنه المصفوق ، كما راقبت ملامحه جيداً ، عيناه غائرتان مثل الراحل عبد الحليم حافظ، ولسانه مرتخٍ ومكوم في زاوية فمه اليسرى ، بطنه المكشوف للهواء البارد يشبه حفرة الانهدام ،وسرّته تشبه الى حد بعيد فوهة «الغليون»، لكن أغرب وضعية شاهدته فيها...كان ساجداً ؛خدّ الأيسر ملتصقاً ببلاط الغرفة ويداه مرفوعتان الى أعلى على طريقة الطيور ..قلت له: انا أفهم باليوغا جيّداً...لكني لم أر هذه الحركة الا عندك يا بنيّ!...
اكثر ما أضحكني...عندما أنهى إخوانه الآخرين غير المكلفين إفطارهم بأن تناولوا باقي السحور البائت صباحاً...طلب من أمه راجياً ان يستمرّوا بالأكل ، وعندما سألته أمه عن المغزى قال ببراءة شديدة: «حاب أتفرج كمان شوي»...أحسست ان الفتى يحضر فيلماً لـ»عادل أمام» لا مجرد اطباق فارغة وملحّسة تماماً...
أخيرا أفهمته أمه ان الصغار يصومون صيام العصافير ..أما الكبار «مثلك» فيصومون صياماً كاملاً كصيام الرجال...تنهّد طويلاً وقال : «هي عصفورتنا متى بتأذّن»؟.الرأي
تابعو الأردن 24 على google news