وأخيرا قرر أن يأكل نفسه..!
حسين الرواشدة
جو 24 : الصيام - في العادة - فرصة للتعرف على الجوع وممارسته ، وهذا النوع من الجوع محمود لانه يدرب النفس على الطاعة والالتزام ، ويشعرها بما يعانيه الذين لا يجدون قوتا ولا طعاما ، لكن ثمة جوعا آخر ، يشعر به المتخمون من النعمة ، والمستغرقون في جمع الاموال وتكديسها ، هؤلاء لا يشبعون ابدا ، ومهما امتلأت بطونهم او واتسعت كروشهم فإنهم في جوع دائم.. جوع للمال ، وجوع للسلطة ، وجوع للسلب والنهب.. جوع لا ينتهي ابدا.
في القرآن الكريم ثمة صورة لطعام يُقدم لاهل النار اسمه الضريع ، وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع ، وثمة صورة اخرى لقرية آمنة مطمئنة كفرت بأنعم ربها فكان جزاؤها ان اذاقها الله الباس والجوع والخوف وثمة صورة ثالثة يكون فيها الجوع نوعا من الابتلاء ويضاف اليه الخوف مقابل صورة رابعة يذكرنا فيها سبحانه وتعالى بأن نعمة الاطعام من الجوع والامان من الخوف مرتبطة باقرار العبودية التامة لله تعالى فيما بقاؤها مرتبط بشيوع الفساد في الارض.
علميا ، ثبت بأن الشعور الدائم بالجوع سببه انخفاض مستوى مخزون مادة غلايكوجين المجودة في الكبد ، وهذه تتكون في الغالب من السكريات ، ولهذا يشعر المصابون بمرض كالسكري بالجوع باستمرار ، وفي علم النفس ايضا تقف امراض مثل الاكتئاب والخوف والقلق وغيرها وراء هذه المشكلة.
الجوع - اذن - قد يكون نعمة حين نختاره بطلب العبادة او العفة او - حتى - الرشاقة ، لكنه نقمة حين نضطر إليه ، ونقمة اكبر حين لا يكون بسبب قلة او فقر او عوز ، لانه - عندئذ - يتحول الى مرض ورمز للشقاء والتعاسة ، او الى عقوبة قاسية ، تشعر صاحبها بالذلة والدونية ، والقهر ، وتجعله عبدا لشهوة بطنه ، وقنّا في مزرعة يكدح فيها ثم يأكل ما تخرجه.. دون ان يشبع.
من ألطف ما قرأت عن لعنة الجوع قصة اسطورية للقاص المصري محمد المخزنجي يروي فيها ما حدث لشخصية مجهولة في الاساطير القديمة اسمها اريسختون ، هذا الرجل اختار اطول سنديانة في غابة سيدة الغابات سيريس وقطعها - رغم اعتراض كل من حوله - ليبيع خشبها الثمين ، ومن عمق جراح الشجرة انبثق صوت ينذره بالانتقام ، وهذا ما حدث ، اذ اتفقت حوريات الغابة على الاستعانة بسيدة الجوع ، فاستجابت لهن وتسللت الى بيت اريستخون وضمته اليها فانزرع الجوع بداخله ، واستيقظ هائجا يبحث عن الطعام ، وكلما اكل ازداد جوعه ونهمه ، وعلى امل ان يشبع باع كل ما يملكه حتى لم يبق لديه شيء ، يبيعه الا ابنته الوحيدة.
تقول الاسطورة ان الرجل قاد ابنته الى ساحل البحر ليبيعها ، وكان قد وصل قبل كل المشترين والبائعين ، فتضرعت ابنته بالدعاء عسى ان يخلصها من بؤس العبودية ، فاستجيب لها وتحولت الى صياد سمك ، عندها شعر الاب اريستخون بفقدانها واختفائها ، فسأل عنها الصيادين لكنهم لم يلتفتوا إليه ، وحين زال السحر عن الفتاه وعادت لانوثتها أشفقت على والدها فعادت الى البيت واخبرته بما حدث لها ، ففرح بهذه المفاجأة لانه صار بوسعه ان يبيعها مرات ومرات ، كلما تحولت الى شكل ما ، فرسا كان او غزالة ، باعها.. لكن اكوام المال التي جمعها جراء بيعه لابنته الوحيدة لم تكن لتكفي شراء طعام له يسد جوعه الدائم.
في نهاية الاسطورة لا يجد اريسختون ما يبيعه ، بعد ان دفعه ما تبقى من انسانيته للشفقة على ابنته ، فقرر ان يأكل نفسه.. نعم يأكل نفسه.
يقول المخزنجي هذا في الاسطورة ، اما في الواقع الذي نعيشه ، فإن مخلوقات على شاكلته لن تأكل نفسها اولا ، بل ستبدأ بمن حولها ، الابعد فالأقرب او الاقرب فالأبعد ثم تنتهي لتأكل نفسها ، كم من الاثرياء في واقعنا اصابهم ما أصاب الشقي اريسختون... ولكن هل يعتبرون؟
الدستور
في القرآن الكريم ثمة صورة لطعام يُقدم لاهل النار اسمه الضريع ، وهذا لا يسمن ولا يغني من جوع ، وثمة صورة اخرى لقرية آمنة مطمئنة كفرت بأنعم ربها فكان جزاؤها ان اذاقها الله الباس والجوع والخوف وثمة صورة ثالثة يكون فيها الجوع نوعا من الابتلاء ويضاف اليه الخوف مقابل صورة رابعة يذكرنا فيها سبحانه وتعالى بأن نعمة الاطعام من الجوع والامان من الخوف مرتبطة باقرار العبودية التامة لله تعالى فيما بقاؤها مرتبط بشيوع الفساد في الارض.
علميا ، ثبت بأن الشعور الدائم بالجوع سببه انخفاض مستوى مخزون مادة غلايكوجين المجودة في الكبد ، وهذه تتكون في الغالب من السكريات ، ولهذا يشعر المصابون بمرض كالسكري بالجوع باستمرار ، وفي علم النفس ايضا تقف امراض مثل الاكتئاب والخوف والقلق وغيرها وراء هذه المشكلة.
الجوع - اذن - قد يكون نعمة حين نختاره بطلب العبادة او العفة او - حتى - الرشاقة ، لكنه نقمة حين نضطر إليه ، ونقمة اكبر حين لا يكون بسبب قلة او فقر او عوز ، لانه - عندئذ - يتحول الى مرض ورمز للشقاء والتعاسة ، او الى عقوبة قاسية ، تشعر صاحبها بالذلة والدونية ، والقهر ، وتجعله عبدا لشهوة بطنه ، وقنّا في مزرعة يكدح فيها ثم يأكل ما تخرجه.. دون ان يشبع.
من ألطف ما قرأت عن لعنة الجوع قصة اسطورية للقاص المصري محمد المخزنجي يروي فيها ما حدث لشخصية مجهولة في الاساطير القديمة اسمها اريسختون ، هذا الرجل اختار اطول سنديانة في غابة سيدة الغابات سيريس وقطعها - رغم اعتراض كل من حوله - ليبيع خشبها الثمين ، ومن عمق جراح الشجرة انبثق صوت ينذره بالانتقام ، وهذا ما حدث ، اذ اتفقت حوريات الغابة على الاستعانة بسيدة الجوع ، فاستجابت لهن وتسللت الى بيت اريستخون وضمته اليها فانزرع الجوع بداخله ، واستيقظ هائجا يبحث عن الطعام ، وكلما اكل ازداد جوعه ونهمه ، وعلى امل ان يشبع باع كل ما يملكه حتى لم يبق لديه شيء ، يبيعه الا ابنته الوحيدة.
تقول الاسطورة ان الرجل قاد ابنته الى ساحل البحر ليبيعها ، وكان قد وصل قبل كل المشترين والبائعين ، فتضرعت ابنته بالدعاء عسى ان يخلصها من بؤس العبودية ، فاستجيب لها وتحولت الى صياد سمك ، عندها شعر الاب اريستخون بفقدانها واختفائها ، فسأل عنها الصيادين لكنهم لم يلتفتوا إليه ، وحين زال السحر عن الفتاه وعادت لانوثتها أشفقت على والدها فعادت الى البيت واخبرته بما حدث لها ، ففرح بهذه المفاجأة لانه صار بوسعه ان يبيعها مرات ومرات ، كلما تحولت الى شكل ما ، فرسا كان او غزالة ، باعها.. لكن اكوام المال التي جمعها جراء بيعه لابنته الوحيدة لم تكن لتكفي شراء طعام له يسد جوعه الدائم.
في نهاية الاسطورة لا يجد اريسختون ما يبيعه ، بعد ان دفعه ما تبقى من انسانيته للشفقة على ابنته ، فقرر ان يأكل نفسه.. نعم يأكل نفسه.
يقول المخزنجي هذا في الاسطورة ، اما في الواقع الذي نعيشه ، فإن مخلوقات على شاكلته لن تأكل نفسها اولا ، بل ستبدأ بمن حولها ، الابعد فالأقرب او الاقرب فالأبعد ثم تنتهي لتأكل نفسها ، كم من الاثرياء في واقعنا اصابهم ما أصاب الشقي اريسختون... ولكن هل يعتبرون؟
الدستور