2024-11-26 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الاستثناءات الجامعية والوطن البديل

د. حسن البراري
جو 24 : في الجدل حول الاستثناءات في القبول الجامعي في الجامعات الرسمية ظهر فريقان لكل منهما حجته وأسبابه ودوافعه. فهناك فريق يرى بأن نظام الاستثناءات هو من شوه التعليم العالي وأدى إلى تراجع مستوى الجامعات ما أفقد الخريج الأردني قدرته التنافسية في عالم متغير. ويطالب هذا الفريق – الذي عُرف عن الكثير من رموزه بتبنيهم غير النقدي للأجندات الغربية في الاصلاح أو بقربهم من بعض الشخصيات المتربطة بدوائر يمينية في الولايات المتحدة– بالإلغاء التام لهذه الاستثناءات دون أن يقيموا وزنا لمبدأ العدالة الاجتماعية وحقيقة أن على عاتق الدولة تقع مسؤولية تنمية الاطراف حتى تتحقق المساواة الكاملة. والمفارقة أن بعض المطالبين بالإلغاء التام للاستثناءات هم انفسهم ما كانوا ليحصلوا على الفرص التعليمية التي اخذوها في السابق وما كان لهم أن يصلوا إلى مواقعهم لو كانت الكفاءة بدلا من المحاصصة أو المناطقية إن جاز التعبير هي المعيار! وبعيدا عما يقوله انصار هذا التيار، فهناك اتفاق عام في الأردن على أن التعليم الجامعي في تراجع وأن هذا التراجع هو نتيجة لسبب لا بد من علاجه إلا أن أحدا لا يفعل ذلك.

بالمقابل هناك فريق ثانٍ ينتقد هذه المطالب ويعتبرها عبثا بمعادلات قائمة في ظل تلكؤ الحكومات عن القيام بواجبها في خلق شروط التنمية في القرى والارياف والبوادي والمخيمات. ويسوق رموز هذا الفريق حججا عديدة منها أن فرص التعليم التي منحت لأبناء المناطق النائية غيرت مجرى حياتهم وجعلت منهم أُناسا أكثر نجاحا مما خفف من مشاكل المناطق البعيدة عن العاصمة عمان وبالتالي منع وقوع مجتمعات بأكملها فريسة لقوى التطرف التي تعتاش على الجهل وبخاصة في المناطق التي لا تعيرها الحكومة الاهتمام المناسب. هؤلاء كما فهمت من كتاباتهم لا يمانعون إلغاء كل الاستثناءات لكن بعد أن تنجح الدولة في خلق شروط العدالة الاجتماعية، وأي تغيير الآن سينظر إليه باعتباره استراتيجية محكمة لتغيير الوضع الراهن ليس نحو تعليم أفضل بل توطئة لأجندات يعتبرونها مشبوهة في أهدافها وتأتي كفعل سابق لتطورات اقليمية في قادم الأيام. ويلقى هذا الطرح رواجا كبيرا إذ يرى البعض أن البحث في موضوع الاستثناءات بهذه الطريقة الملتوية لا تهدف إلى رفع مستوى التعليم وانما إلى حرمان أردنيين من حقهم في التعليم، فمخرجات التعليم العالي ليست مرتبطة بالاستثناءات وإنما بفشل الجامعات من وضع معايير صارمة للتخرج. مشكلة هذا الفريق أنه لا يقول لنا كيف أثرت هذه الاستثناءات على المناطق النائية وبخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن العديد من الخريجين لا يعودون إلى مناطقهم وإنما يقطنون بعمان ويعملون بها، فكيف عندئذ يمكن لهم المساهمة في تنمية مناطقهم؟! ثم هناك اشكالية أخرى وهي أن الاستثناءات تكون في بعض الاحيان على حساب طلبة حصلوا على معدلات عالية في المدن الكبرى، فكيف يمكن انصاف هؤلاء؟!

الرمز الأهم في الفريق المطالب بالإلغاء الاستثناءات وربما البيدق هو وزير التعليم العالي لبيب الخضرا الذي بدأ –وبتطبيل اعلامي محير– بمعركة حرمان الأردنيين من حقهم في التعليم. والملفت أنه كان ضعيفا ولا يمتلك القدرة على الدفاع عن رأيه وبالتالي تعرض لهزيمة وانتقاد مما ادى إلى مطالبة البعض له بالاستقالة لحفظ ماء وجهه. ما فشل الوزير في فهمه هو أنه كان من المفروض أن يقدم اقتراحاته في حزمة كاملة تشتمل على ضرورة تنمية المحافظات تربويا والتأكد من أن ابناء المناطق البعيدة يحظون بظروف مدرسية مشابهة للعاصمة عمان. وحتى الكثير من المعارضين لمقولات الوزير الخضرا لا يمانعون من الغاء الاستثناءات في القبول بعد أن يتحقق شرط العدالة الاجتماعية. وعلى الوزير وأمثاله أن يفهموا أن المشكلة لا يأتي حلها بقرار من وزير معزول عن الواقع وغير قادرة على فهم المعضلة بل عن طريق وضع استراتيجية شاملة لا تبدا بإلغاء الاستثناءات بل تنتهي بها.

الصديق الدكتور محمد أبو رمان كتب في صحيفة الغد مقالا عبر فيه عن موقفه المؤيد لإلغاء الاستثناءات، وهو موقف يتفق ويختلف معه كثيرون. وانتقد الدكتور أبو رمان الوزير وتمنى لو استقال بدلا من أن يتعرض لهذه الهزيمة التي تعتبر -من وجهة نظري– هزيمة لكل هذا التيار المفصول عن الواقع. وما من شك أن الدكتور ابو رمان قدم وجهة نظر متماسكة وإن اختلف معه الكثيرون لكنه لم يكن موفقا في زج موضوع الوطن البديل في المعادلة لأن القضية أعمق بكثير مما طرح. وبعيدا عن الدكتور محمد، لا يبدو لي أن هناك فهما عاما لدى الكثيرين بالمالات الاستراتيجية لفكرة الوطن البديل ولا يمكن أيضا أن نكون كالنعامة عندما تدس رأسها في الرمال لأن عدوا متربصا يترصد بنا يقبع غرب النهر، وهو لن يتردد في تهجير الفلسطينيين ان سنحت الفرصة.

بتقديري ان ربط الموضوع بالوطن البديل أو التقليل من خطورة الوطن البديل وكأنه خطر غير قائم لينم اما عن غياب الوعي بكيف يفكر الجانب الإسرائيلي أو أن البعض لا مشكلة لديه مع الوطن البديل ابتداءً. وفي هذا السياق أجد من المناسب أن اعيد بعض الافكار التي سبق وان كتبت عنها محذرا الشعب الاردني من ضرورة الانتباه لخطر قد يأتي من غرب النهر.

خطر الوطني البديل
أبدأ وأقول أن أي قراءة متأنية وجادة لديناميكية المثلث الأردني- الفلسطيني- الإسرائيلي ستكشف عن حجم التحديات بل التهديدات الإستراتيجية الناتجة عن حراك هذا المثلث والتي ستواجه الأردن على المدى المتوسط. ولا مناص هنا من إبداء عدة ملاحظات أساسية تتعلق بحجم التحدي.

فأولا، المعادلة الوحيدة الناجزة في العلاقة مع إسرائيل هي أن الوقت يمر والأرض تضيع وفرص تحقيق حل الدولتين في تراجع مستمر. للأسف لم يستبطن العرب حقيقة أن الوقت لم يعد عاملا بل أصبح فاعلا لأن مرور الوقت دون حل يعني منح إسرائيل المزيد من الفرص لاستكمال بناء المشروع الصهيوني التوسعي والقائم على تكتيك صهيوني كلاسيكي يسعى لخلق حقائق على الأرض (fait accompli)، وهو أمر يتفهمه العقل الغربي الذي لم ينفك عن مطالبة العرب بأخذ الواقع في الحسبان وربما علينا أخذ العبرة من رسالة الضمانات الشهيرة التي بعث بها بوش إلى شارون في عام 2004. الخطورة الأن في تزايد مع اندلاع الثورات العربية التي اراحت اسرائيل استراتيجيا ودفعت بقوى الاستيطان الى انتهاز ما يجري في الدول العربية لإحكام قبضتها على اكبر مساحة ممكنه من الارض الفلسطينية.

ثانيا، المراهنة على التغيير في إسرائيل لإنتاج تحالف سلام لم تعد مجدية كما ظهر في الانتخابات العامة في العشر سنوات الأخيرة. فديناميكية القوة السياسية والمجتمعية في إسرائيل والمتمثلة بالتركيبة البنيوية للنظام السياسي ونظام الانتخابات النسبي والتغيرات الديمغرافية الكبيرة لا تعمل على دفع إسرائيل باتجاه حل الدولتين بالشكل الذي يستجيب حتى لمتطلبات الحد الأدنى للفلسطينيين. فقضية التنازل عن أرض للفلسطينيين هي قضية تمس جوهر السياسة الداخلية ولا يمكن في ظل النظام القائم لأي رئيس حكومة أن يقوم بذلك دون أن يدفع ثمنا سياسيا باهظا أو ربما يدفع حياته ثمنا كما حصل مع رابين.

ثالثا، ثمة رومانسية مبالغ فيها لدى بعض المثقفين العرب عندما يتحدثون بشكل ساذج عن حل الدولة الواحدة. ففي مثل هذه الدولة الثنائية القومية ستقوم الديموقراطية بما لم تقم به الجيوش العربية أو المقاومة الفلسطينية وهو السيطرة على الدولة. فرصة تحقيق مثل هذا الحل السلمي متدنية جدا لأن مبرر وجود الحركة الصهيوينة قائم على يهودية الدولة وليس ديموقراطيتها. وهنا دعوة لقراءة الفكر الصهيوني وممارساته جيدا بدلا من الاختباء خلف التفكير والتحليل الرغائبي. فديناميكية المعضلة الديموغرافية وعدم إمكانية تحقيق حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين وعدم قبول إسرائيل لمبدأ نظام الابرتهايد يضعنا أمام خيار واحد فقط وهو الترانسفير. فقد يأخذ شكلا غير تقليدي لكنه إن كان هو المخرج التاريخي للأزمة الصهيونية فما الذي سيمنع من تحقيقه؟ إيران مثلا!

رابعا، المراهنون على صمود الشعب الفلسطيني المشرذم والمخترق ساسيا وغير المدعوم عربيا لا يقرأون التاريخ جيدا. ففي حرب 1948 خرج اللاجئون كما خرج نازحون في 1967. وهذا يعني أن للصمود الفلسطيني حدودا وأن أي مواجهة شاملة سينتج عنها لاجئون جدد وربما ستزود إسرائيل بفرصة أخرى لإتمام مهمة حرب عام 1948، وربما هنا علينا قراءة ما يكتبه بني موريس في الأربع سنوات الأخيرة على الأقل لنتعرف من مؤرخ إسرائيل بوزن بين موريس كيف أن تفكير الترانسفير يكتسب زخما في التفكير الصهيوني.

باختصار، التعليم العالي في تراجع والخريج الأردني يفقد تنافسيته ولا بد من اعتبار ذلك احد التحديات الكبيرة التي تواجه الأردن، غير أن التركيز على الاستثناءات كسبب لكلل العلل هو أمر مختلف عليه، أما ربط ذلك بمشروع الوطن البديل لهو كلام أقل ما يمكن القول عنه بأنه تسطيح، ومن غير اللائق توظيف مقولة الوطن البديل كشماعة لكل شيء ولكن في الوقت ذاته يضحك على أنفسنا إن اعتبرنا أن خطر الوطن البديل هو خطر غير قائم.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير