طـريق عمان – طهـران سالكة بحذر..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : حين التقيت السفير الايراني بعمان( مجتبي فردوسي ) قبل نحو اسبوعين سألته عن الجديد في العلاقات الاردنية الايرانية، فسرد لي تفاصيل مثيرة( ليست للنشر ) عن محاولات جرت في الشهور الماضية “ لتطبيع” علاقة جدية بين البلدين، قال : انه كان يتوقع انفراجة حقيقية، ثم سكت، فهمت من كلامه ان كل هذه المحاولات ( باسثناء زيارة وزير الخارجية الاردني لطهران مؤخرا )ارتطمت في اللحظات الاخيرة بالجدار، لم يقل لي –بالطبع- لماذا حدث ذلك، لكن بحكم متابعتي لملف هذه العلاقات منذ اكثر من ثلاثة عقود ادركت ما يريد الرجل ان يقوله، وما يريد ايضا ان يفعله لكسر حالة “التمنع” التي لا تزال تحكم السياسة الاردنية تجاه الانفتاح على طهران، ناهيك عن “الرغبات” الايرانية التي جرى التعبير عنها على لسان اكثر من مسؤول ايراني للتواصل مع عمان و فتح صفحة جديدة لعلاقات افضل. لا اخفي – بالطبع اعجابي- بما حققته ايران، كما انني اتفهم تماما المخاوف التي تنتاب المواطن الاردني( والعربي عموما ) من التمدد الايراني ومن تدخلات طهران في سوريا و العراق واليمن و لبنان وغيرها، ( اخر استطلاع للرأي اشار الى ان 72% من الاردنين يشعرون بالعداء تجاه ايران) لكن بعيدا عن مشاعر الاعجاب والتخوف اعتقد اننا لم نفهم ايران كما يجب، كما اننا لم نتعامل معها بمنطق “السياسة” التي تتقدم فيها المصالح على المشاعر، والاولويات والوقائع على الامنيات والرغبات، فايران اليوم ليست “الثورة” التي فجرها الخميني وان كانت مناخات الثورة ما زالت حاضرة في شوارع كل المدن الايراينة، وربما في الخطابات التي تحفل بها وسائل الاعلام و يرددها بعض الخطباء والمسؤولين هناك، ايران اصبحت “دولة” تتحرك بانفاس “الامبراطورية”، ومسألة تصدر الثورة انتهت الى غير رجعة، واستعيض عنها بتصدير الدولة و”القوة” و النفوذ و فرض النموذج المدعوم بالانجاز في كافة المجالات، وخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الذي “نصّب” ايران الحاكم بأمره على المنطقة، ومنحها ما يكفي من “امتيازات” للتمدد والتزود والانفتاح على العالم سياسيا و اقتصاديا، وهذا –بالتمام- ما كان يفكر به ويتحمس له الايرانيون المعجبون بالغرب والمتشوقون للانفتاح عليه، وما يريده “الآيات” المشتغلون بالسياسة والبازار وربما الحوزات لتتويج ايران قوة عالمية يحسب لها الف حساب. لابد ا ن نفهم هذه الحقيقة حين ندقق في اية خيارات على صعيد علاقاتنا مع طهران، ذلك ان اختزال طهران في زاوية العداء والخصومة التاريخية، او في زاوية التهديد او حتى في اطار المذهبية الشيعية، مع كل ما يبدو على السطح من صور التدخل الايراني في المنطقة، ومحاولات شيطنة طهران، واذكاء مشاعر العداء بينها و بين محيطها العربي، هذا الاختزال ليس صحيحا اولا، كما انه بحاجة لاعادة نظر. لا تحتاج طهران بالطبع لمن يدافع عنها، فقد انتزعت اعتراف العالم بها “ كقوة” رئيسة في المنطقة، ولكننا نحتاج ان ندافع عن مصالحنا، وهذه المصالح لا تقوم على مبدأ “الحب” ولا باستعادة التاريخ المزدحم بصور الصدام، ولا – ايضا – بالتحديق في صورة “الاخر” بعيون الواقع الذي تغيرت ملامحه و شروطه، واصبح جزءا منه مفروضا على الجميع، وانما لابد ان نعتمد منطقا اكثر عمقا وادراكا لضمان افضل المكاسب واقل الخسائر، وهنا يبدو خيار التفاهم مع طهران، عربيا و اردنيا، واجب الوقت بامتياز،ليس من باب “الرضوخ” لميزان القوى الذي تغير، ولا اعترافا “بهزيمة” المشروع العربي امام مشروع ايران الحضاري، وانما لان هذه المنطقة لا يمكن ان تستقر دون ان يتفاهم “الجيران” التاريخيون على المشتركات التي تمكنهم من العيش معا بأمن واستقرار، ودون ان يعترف الجميع بانه لا يمكن لقومية او دولة ان تستحوذ على الكعكة كلها، كما انه لا يمكن ان نظل اسرى لجراحات التاريخ وصراعات الواقع لاننا عندئذ سندفن المستقبل، ومعه الاجيال القادمة، في مستنقع التاريخ والواقع المظلم . بالمناسبة، حين استمعت للسفير الايراني في عمان تذكرت ما قاله قبل نحو شهرين سفيرنا في طهران الصديق عبدالله ابو رمان، لا ادري لم تفاءلت بمستقبل العلاقة التي يمكن ان تتوطد بين عمان و طهران، لا اريد ان ادخل في تفاصيل لم استأذن في نشرها، لكنني - ليس فقط من باب الدعوة لبناء تفاهمات جديدة بين البلدين - وانما من باب ضرورة ترسيم مصالحنا الوطنية على قاعدة اكثر صلابة من الفهم لحساب “المتغيرات” التي جرت في الاقليم والاخطارالقادمة، اعتقد ان خط عمان طهران سيشهد حركة دؤوبة في الشهور المقبلة، فالاردن يعرف تماما ان ايران بعد اتفاق النووي - وكذلك المنطقة - تغيرت فعلا، وان الجلوس في مقعد “المتفرجين” او المحايدين لم يعد خيارا ممكنا، اما طهران فلم تخف أبدا رغبتها في “تعبيد” هذا الخط و دفع عجلات قطار العلاقات لكي يسير بسرعة الى الامام. الدستور