قانون انتخاب متطور وملعب سياسي فارغ
د. حسن البراري
جو 24 : ما من شك بأن أحد أهم القوانين الناظمة للعمل السياسي في أي بلد كان هو قانون الانتخاب، وحريّا بنا أن نستنبط من البداية بأن سن قانون انتخاب يحظى على اجماع سياسي ووطنيّ ويلبي تطلعات كل القوى المحافظة والليبرالية والاسلامية واليسارية لهو أمر غير قابل للتحقق، وحتى لو وضعت المعارضة الاسلامية (الجهة التي تذرعت بقانون الانتخاب عندما قاطعت الانتخابات) قانونا للانتخاب فإنها لن تتمكن من اجتراح صيغةً يقبل بها الجميع.
فالمسألة إذن مرتبطة بإيجاد صيغة مناسبة تجوّد العمل السياسي وتكرس الهوية الوطنية لا أن تفصل على مقاس النظام أو المعارضة. ولا يخف على المراقب بأن الخلاف على قانون الانتخاب الذي عدّل قبيل انتخابات عام 1992 لضمان تراجع جبهة العمل الإسلامي وتوطئة لتمرير معاهد سلام كانت تلوح في الأفق مع الكيان الصهيوني لم يكن خلافا من أجل الارتقاء بالعمل السياسي وانما يفهم فقط في سياق التنافس السياسي للوصول إلى أو المشاركة أو التأثير بالسلطة: أي سلطة اتخاذ القرار. وبهذا المعنى اصبح القانون المشجب لإخفاق المعارضة الإسلامية في البلاد في تأطير الشارع خلف مقولاتها ومواقفها السياسية.
التغيير الأبرز في القانون الجديد هو أنه غادر مربع الصوت الواحد الذي عبر كثير من الأردنيين عن امتعاضه من التمسك به بالرغم من وجود جهات كثيرة ترى بالصوت الواحد النظام الأفضل لمصالحهم وللأردن. فصيغة تعدد الأصوات لها مزايا اهمها أن تسمح بانتخاب برلمان يستند إلى قاعدة شعبية واسعة.
البعض يؤيد الصيغة المقترحة لأسباب لا علاقة لها بالإصلاح وآخرون يعارضون الصيغة الجديدة لأنها تهدد ما يعتبرونه حقوقا مكتسبة. ولكن بعيدا عن كل ذلك، نسأل عن أهداف أي قانون انتخابات يساهم في الاصلاح بدلا من أي يعيد انتاج مجلس بتوازنات جديدة ولكن بتشوهات من نوع آخر. في الاطار العام ينبغي أن يكون الهدف من قانون الانتخاب ما يلي:
أولا: أن يحقق توازنا بين عامليّ الجغرافيا والديمغرافيا لضمان حد أدنى من العدالة الاجتماعية.
ثانيا: أن يسمح بانتخاب مجلس يستند إلى قاعدة شعبية عريضة حتى يصبح المجلس تمثيليا لكافة الشرائح وليس لشريحة على حساب أخرى.
ثالثا: أن يوسع القانون الدائرة الانتخابية لضمان عدم تشتت الأصوات وحتى يضطر المرشحون الدخول في ائتلافات وقوائم ما يشجع روح الفريق الواحد وهو أمر غائب في الحياة السياسية التي يلغب عليها طابع الفردية حتى للأسف في الكتل النيابية.
رابعا: أن تتساوى القوى التصويتية للمواطن الأردني، فمن غير المعقول أن ينتخب مواطن مرشحان في حين غيره في دائرة أخرى ينتخب خمسة مثلا! لأن من شأن ذلك أن يمكن مواطنا ما باختيار خمسة نواب في حين تقتصر قدرة الناخب الآخر على التأثير في نائبين فقط.
خامسا، أن يسهم القانون في انتاج مجلس نيابي يستعيد التوازن المفقود بين السلطات، فلا فائدة من برلمان امتثالي يشعر اعضاؤه بأنهم ممتنون للدولة لوصولهم الى قبة البرلمان لأنهم كما شاهدنا في كل المجالس السابقة لم يصنعوا فرقا ملموسا في الحياة السياسية ولم يكن ادائهم إلا عبئا على المواطن. والجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من الشعب الأردني فقدت الثقة بمؤسسة البرلمان بدليل أن نسبة الرضا عنه في العشر سنوات الأخيرة لم تتجاوز 15% وفقا لسلسة من استطلاعات الرأي.
سادسا، أن يكون القانون الحكم ويساهم في تجسير فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية الحاكمة، فانطلاقة الربيع الأردني عام 2011 كشفت عن وجود فجوة في الثقة وبخاصة في مؤسسة البرلمان، وجاءت الانتخابات بعد ذلك لتكرس الفجوة وتفاقمها، لهذا فهناك كثيرون يعتقدون أن القانون سيكون بمثابة المؤشر على جدية النظام في الاصلاح.
دعوني اعترف بأنني تفاجأت من الصيغة المقترحة وكنت أظن أن عبدالله النسور لن يجرؤ على تقديم مثل هذا القانون لاعتبارات كثيرة لا مجال لسردها في هذه العجالة. والقانون المقترح يساهم في تحقيق الأهداف السابقة الذكر ولو بدرجات متفاوتة وبهذا يكون القانون حقق قفزة هائلة إلى الأمام بعد أن غادر مرحلة عدم التيقن التي ميزت الحياة السياسية في العقد الأخير.
وما من شك فأن رفع عدد مقاعد عمان والزرقاء وأربد لأمر ايجابي ويسحب البساط من تيار نخبوي معزول لا يطالب بإصلاح وانما بمحاصصة أو للدقة بإصلاح يضمن محاصصة. وبهذا المعنى فإن الصيغة الجديدة تحقق التوازن المطلوب والصحي بين عاملي الجغرافيا والديمغرافيا.
اعتماد النظام النسبي يوفر عدالة اكثر بكثير من نظام الاكثرية الذي كان معمولا به في عام 1989. في عام 1989 كان يكفي لأقلية تمتلك تنظيما فاعلا لأن تحصد على اكبر من حجمها في الشارع، أما الأن فالأمر سيكون مختلفا. وهناك مجال لبناء تحالفات واسعة بين تيارات سياسية وربما لن ابالغ إن اجزمت أن المال السياسي سيفقد بريقه وبالتالي لن نرى وجوها كانت سببا في انتكاسة العمل البرلماني.
أخالف من يطالب بكوتا حزبية حصرية وكأن الاحزاب من المدارس الاقل حظا، فبهذا نخلق تشوها جديدا يسمح ببروز اصحاب الدكاكين السياسية الذين لم يغادروا عمان.
الحزب ينتزع تمثيلا عندما يقدم برامج ويخاطب الشارع مباشرة. كنت أتمنى أن نمتلك الجرأة ونلغي نظام الكوتا المستند إلى العرق والدين ونمط الانتاج والجنس مرة وللأبد حتى يشعر كل أردني بأنه أردني. وحسنا فعل القانون الجديد عندما ألغى كوتا القوائم الوطنية، لأنها تجربة فاشلة بامتياز. وأخيرا، كنت انتظر أن يحتوي القانون على ما يمسى بنسبة الحسم أي العتبة لأن من شأن ذلك أن يقلل من فرصة تبديد وتشتيت الاصوات ويساهم في بناء تحالفات سياسية مفقودة في العمل السياسي الأردني.
بكلمة، إن قدر لهذه الصيغة أن تمر في مجلس الصوت الواحد سنكون بذلك وضعنا لبنة أساسية متطورة لإصلاح سياسي متدرج وآمن. لكن قانون الانتخاب المتطور هو مثل نظام السوفت وير يحتاج لمن يشغله، ونظرة سريعة إلى اخفاق القوى السياسية في تنظيم احوالها يمكن القول بأن هذا القانون هو متطور لكن في ملعب سياسي يخلو من اللاعبين.
فالمسألة إذن مرتبطة بإيجاد صيغة مناسبة تجوّد العمل السياسي وتكرس الهوية الوطنية لا أن تفصل على مقاس النظام أو المعارضة. ولا يخف على المراقب بأن الخلاف على قانون الانتخاب الذي عدّل قبيل انتخابات عام 1992 لضمان تراجع جبهة العمل الإسلامي وتوطئة لتمرير معاهد سلام كانت تلوح في الأفق مع الكيان الصهيوني لم يكن خلافا من أجل الارتقاء بالعمل السياسي وانما يفهم فقط في سياق التنافس السياسي للوصول إلى أو المشاركة أو التأثير بالسلطة: أي سلطة اتخاذ القرار. وبهذا المعنى اصبح القانون المشجب لإخفاق المعارضة الإسلامية في البلاد في تأطير الشارع خلف مقولاتها ومواقفها السياسية.
التغيير الأبرز في القانون الجديد هو أنه غادر مربع الصوت الواحد الذي عبر كثير من الأردنيين عن امتعاضه من التمسك به بالرغم من وجود جهات كثيرة ترى بالصوت الواحد النظام الأفضل لمصالحهم وللأردن. فصيغة تعدد الأصوات لها مزايا اهمها أن تسمح بانتخاب برلمان يستند إلى قاعدة شعبية واسعة.
البعض يؤيد الصيغة المقترحة لأسباب لا علاقة لها بالإصلاح وآخرون يعارضون الصيغة الجديدة لأنها تهدد ما يعتبرونه حقوقا مكتسبة. ولكن بعيدا عن كل ذلك، نسأل عن أهداف أي قانون انتخابات يساهم في الاصلاح بدلا من أي يعيد انتاج مجلس بتوازنات جديدة ولكن بتشوهات من نوع آخر. في الاطار العام ينبغي أن يكون الهدف من قانون الانتخاب ما يلي:
أولا: أن يحقق توازنا بين عامليّ الجغرافيا والديمغرافيا لضمان حد أدنى من العدالة الاجتماعية.
ثانيا: أن يسمح بانتخاب مجلس يستند إلى قاعدة شعبية عريضة حتى يصبح المجلس تمثيليا لكافة الشرائح وليس لشريحة على حساب أخرى.
ثالثا: أن يوسع القانون الدائرة الانتخابية لضمان عدم تشتت الأصوات وحتى يضطر المرشحون الدخول في ائتلافات وقوائم ما يشجع روح الفريق الواحد وهو أمر غائب في الحياة السياسية التي يلغب عليها طابع الفردية حتى للأسف في الكتل النيابية.
رابعا: أن تتساوى القوى التصويتية للمواطن الأردني، فمن غير المعقول أن ينتخب مواطن مرشحان في حين غيره في دائرة أخرى ينتخب خمسة مثلا! لأن من شأن ذلك أن يمكن مواطنا ما باختيار خمسة نواب في حين تقتصر قدرة الناخب الآخر على التأثير في نائبين فقط.
خامسا، أن يسهم القانون في انتاج مجلس نيابي يستعيد التوازن المفقود بين السلطات، فلا فائدة من برلمان امتثالي يشعر اعضاؤه بأنهم ممتنون للدولة لوصولهم الى قبة البرلمان لأنهم كما شاهدنا في كل المجالس السابقة لم يصنعوا فرقا ملموسا في الحياة السياسية ولم يكن ادائهم إلا عبئا على المواطن. والجدير بالذكر أن نسبة كبيرة من الشعب الأردني فقدت الثقة بمؤسسة البرلمان بدليل أن نسبة الرضا عنه في العشر سنوات الأخيرة لم تتجاوز 15% وفقا لسلسة من استطلاعات الرأي.
سادسا، أن يكون القانون الحكم ويساهم في تجسير فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية الحاكمة، فانطلاقة الربيع الأردني عام 2011 كشفت عن وجود فجوة في الثقة وبخاصة في مؤسسة البرلمان، وجاءت الانتخابات بعد ذلك لتكرس الفجوة وتفاقمها، لهذا فهناك كثيرون يعتقدون أن القانون سيكون بمثابة المؤشر على جدية النظام في الاصلاح.
دعوني اعترف بأنني تفاجأت من الصيغة المقترحة وكنت أظن أن عبدالله النسور لن يجرؤ على تقديم مثل هذا القانون لاعتبارات كثيرة لا مجال لسردها في هذه العجالة. والقانون المقترح يساهم في تحقيق الأهداف السابقة الذكر ولو بدرجات متفاوتة وبهذا يكون القانون حقق قفزة هائلة إلى الأمام بعد أن غادر مرحلة عدم التيقن التي ميزت الحياة السياسية في العقد الأخير.
وما من شك فأن رفع عدد مقاعد عمان والزرقاء وأربد لأمر ايجابي ويسحب البساط من تيار نخبوي معزول لا يطالب بإصلاح وانما بمحاصصة أو للدقة بإصلاح يضمن محاصصة. وبهذا المعنى فإن الصيغة الجديدة تحقق التوازن المطلوب والصحي بين عاملي الجغرافيا والديمغرافيا.
اعتماد النظام النسبي يوفر عدالة اكثر بكثير من نظام الاكثرية الذي كان معمولا به في عام 1989. في عام 1989 كان يكفي لأقلية تمتلك تنظيما فاعلا لأن تحصد على اكبر من حجمها في الشارع، أما الأن فالأمر سيكون مختلفا. وهناك مجال لبناء تحالفات واسعة بين تيارات سياسية وربما لن ابالغ إن اجزمت أن المال السياسي سيفقد بريقه وبالتالي لن نرى وجوها كانت سببا في انتكاسة العمل البرلماني.
أخالف من يطالب بكوتا حزبية حصرية وكأن الاحزاب من المدارس الاقل حظا، فبهذا نخلق تشوها جديدا يسمح ببروز اصحاب الدكاكين السياسية الذين لم يغادروا عمان.
الحزب ينتزع تمثيلا عندما يقدم برامج ويخاطب الشارع مباشرة. كنت أتمنى أن نمتلك الجرأة ونلغي نظام الكوتا المستند إلى العرق والدين ونمط الانتاج والجنس مرة وللأبد حتى يشعر كل أردني بأنه أردني. وحسنا فعل القانون الجديد عندما ألغى كوتا القوائم الوطنية، لأنها تجربة فاشلة بامتياز. وأخيرا، كنت انتظر أن يحتوي القانون على ما يمسى بنسبة الحسم أي العتبة لأن من شأن ذلك أن يقلل من فرصة تبديد وتشتيت الاصوات ويساهم في بناء تحالفات سياسية مفقودة في العمل السياسي الأردني.
بكلمة، إن قدر لهذه الصيغة أن تمر في مجلس الصوت الواحد سنكون بذلك وضعنا لبنة أساسية متطورة لإصلاح سياسي متدرج وآمن. لكن قانون الانتخاب المتطور هو مثل نظام السوفت وير يحتاج لمن يشغله، ونظرة سريعة إلى اخفاق القوى السياسية في تنظيم احوالها يمكن القول بأن هذا القانون هو متطور لكن في ملعب سياسي يخلو من اللاعبين.