غبار الطقس ... وغبار السياسة ايضا!
حسين الرواشدة
جو 24 : طقس ايلول حار جدا ، و”ذيله “ كما يبدو لن يكون مبلولا بالمطر ، فالدم اصبح يبلل فصولنا كلها ،ثمة غبار كثيف بدون رياح خماسينية ، واكتظاظ في الشوارع ، وانا اعاني من زكام ومن حساسية “ربيعية” مزمنة ، احاول ان التزم الفراش فأشعر بحرارة الحبس والاختناق ، احاول ان اخرج للشارع فأصطدم برداءة الطقس ، واعاني من عيون المارة التي تطاردني .. عيون حجرية لكنها تخفي الف سؤال ، اهرب الى الشاشات فتصفعني جثث المهجرين التي لفظتها البحار والمحيطات : ترى هل تحجرت الدموع في عيوننا فما عادت قادرة على البكاء والبوح ، هل ادركها الغبار الكثيف فخرجت مفتوحة هكذا لتتحداه؟ هل “قنطت” من الاغماض والغموض فأخذت تبحث عن صدى لنظراتها ، واجابات مقنعة لأسئلتها المعلقة؟ درجة حرارة “السياسة” في المنطقة ارتفعت ايضاً الى مستويات غير مسبوقة ، الحروب والصراعات لم تتوقف ، و “الانفجارات” في بعض الشوارع العربية تنذر بأحداث سيئة ، وثمة حالة من “نفاد” الصبر تكبر مثل كرة الثلج وتتدحرج نحو المجهول ، وثمة رهانات كاذبة على قطار “التسويات السياسية” الذي يسير على سكة مفخخة بالالغام والمفاجآت. حرارة الطقس تشبه حرارة “الحرب” ، أيًّ حرب ، وتشبه حرارة الخوف والصبر ، وحرارة “المخاضات” العسيرة التي تأخر موعد ولاداتها ، و ايلول ليس موسماً لانضاج “العنب” فقط ، وانما لانضاج مزيد من “ثورات الغضب” . درجة حرارة الطقس تشبه ايضا درجة حرارة النفس ،الطقس ميزان النفس ، يتغير فيتغير مزاج الانسان ، وتتغير الدورات المنظمة داخل العقل والجسد ، ضغط الدم مثلا ، والهرمونات ودرجة حرارة الجسد ، ومع مرور كل “90” دقيقة يشطح الخيال وتتقد المشاعر احيانا ثم تخمل احيانا اخرى ، يتغير ميزان الطقس فيختل ميزان الانسان ، وعندها تصبح ثمة حاجة ضرورية لتعديل المزاج ، او تصحيحه. قد تكون الاحوال سيئة فيتوجب ان نحسن “النطق” ، قد تكون الضغوطات قاهرة فيفترض ان تتاح فرصة للتنفس او ان تفتح القنوات المسدودة لكي تخرج النفس لتمارس نوعا من الاسترخاء.. خاصة اذا ادركها التعب، وهل يوجد اسوأ من هذا التعب..؟ لا يستطيع احد ان يتدخل في تعديل او تحسين هذا الطقس ، ولا ان يخرج - كما تفعل بعض الشعوب الاخرى - للاحتجاج عليه ، او مطالبة الحكومة باتخاذ اجراءات طارئة لخفض درجة الحرارة ، وعليه ،نحاول بما نمتلكه من وسائل ان نتلائم ونتعايش معه ، وان نقهره بمزيد من الصبر والتحمل ، وبما تجود به علينا التكنولوجيا الحديثة من ادوات ووسائل، او ان نصبر ونحتمل وندعو الله تعالى ان يخفف عنا هذا الابتلاء ، اما في مواجهة ارتفاع درجة حرارة السياسة والحرب فلا يملك الانسان الا الشعور بالخوف مما تفضي اليه “الجهالات” ، او الاحساس بالخيبة من تعطل الاطفائيات ، او دب الصوت عالياً للتحذير من سوء المآلات. يمكن لاحدنا ان يسأل: لماذا ارتفعت درجة حرارة السياسة؟ ويمكن ان يتدخل لتقديم ما يلزم من وصفات “لخفضها” او تبريد الملفات التي تبدو قابلة للاشتعال ، اذ لا يجوز ابداً ان نستسلم او نقف عاجزين امام هذا “الحدث” البشري ، هنالك - مثلا - أدوية متوفرة في “صيدلية” السياسي ، واخرى موجودة في صيدلية النفسي والاقتصادي والاجتماعي ، والحكومات يمكن ان تتحرك ، والمجتمعات يمكن ايضاً ان تبادر وتتفاعل وتتطوع ، طاولات الحوار التي ما تزال مقاعدها “فارغة” ومهجورة يمكن ان تستقبل الباحثين عن “كلمة سواء” ، اللواقط التي أغلقت يمكن ان يعاد فتحها لكي تلتقط ما يصدر هنا وهناك من ذبذبات. درجة حرارة الطقس يمكن ان تكون تحت السيطرة ، ودرجة حرارة السياسة يمكن ان تصب عليها بعضاً من مياه “الحكمة” فتبرد ، اما درجة حرارة “النفس فتحتاج الى طاقة من الايمان واليقين والثقة لكي تبقى ضمن معدلاتها المقبولة . صيف سياسي ساخن ، وجبهات هوائية حارة حداً تجتاج منطقتنا ، وتحذيرات متكررة من “ضربات” الشمس القاتلة ، وغبار كثيف ودعوات متصاعدة “للبقاء في البيوت” والالتزام بشروط السلامة ، لكن احداً - للاسف - لا يأخذ الامر على محمل الجدّ ، ولا يريد ان يصدق بأن “القيامة الآن” يمكن ان تكون نبوءة.. وربما تتحقق ايضاً. الدستور