الإعلام الرّغائبي!!
خيري منصور
جو 24 : لو كان العرب بالفعل هم الأدرى بشعاب تضاريسهم لكانوا أجدر من سواهم بفهم ما تعنيه عبارة رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، فالخيبات والصدمات منذ خمسينات القرن الماضي كان أحد أهم اسبابها الادعاء والمكابرة وبالتالي الاستخفاف بالأعداء، رغم أن ثقافة الفروسية العربية رسخت احدى قيمها حين كان العربي يشيد بقوة خصمه كي لا يبدو انتصاره عليه مجرد حرب دونكيشوتية، ان معرفة الذات أولاً هي شرط لمعرفة الآخر لأن فاقد الشيء لا يعطيه و من يجهل ذاته سيجهل حتماً كل ما هو خارجها!
وقد ورث الاعلام العربي حمولة باهظة من تلك الحقبة ، وتفاقمت المسافة بين الرغبة والقدرة على تحقيقها، فليس كل ما تمناه الاعلام أدركه ، والعدو الذي قيل أن قدومه كان متوقعا من الشرق أو الشمال ثم جاء من الغرب أو الجنوب هو المعادل الموضوعي والميداني لِخَلل سايكولوجي في صميم الاعلام لأن صناعة التاريخ ليست رهانا على حصان أسود أو ورقة يانصيب، لهذا دفع الذين قالوا ما يسقط من السّماء تتلقاه الارض الثمن، فسقطت عليهم نيازك أحرقتهم وشردتهم!
تلك الجرثومة التي تسللت الى الاعلام في الحرب الباردة، لم تنفع معها كل المضادات سواء كانت حيوية أو حتى نووّية لأنها وجدت حاضنة دافئة تستضيفها، واذا صح ما قاله أبو الطيب عن أهل العزم، فإن الهزائم لا العزائم هي ما يجب أن نتوقعه من اعلام نرجسي أوغل في استرضاء الذات وتملق العواطف.
فالصدمة بابسط تعريفاتها هي نتيجة للافراط في التفاؤل والتوقعات ورفع السقوف، بما لا يتناغم على الاطلاق مع معطيات الواقع!
والاعلام العربي تحول في فترة ما الى مُنتج لصناعة الصّدمات، لأنه حلق خارج جاذبية الواقع، وكذب على نفسه حتى صدّق.
ولكي لا نضع العبء كله على الاعلام وهو من الظواهر العديدة التي أفرزتها ثقافة سائدة، فإن اتساع المسافة بين الرغبة والقدرة شمل حتى الحياة الاجتماعية، وما يسمى في علم النفس الاعتقاد الخاطىء أو الفكرة المتسلطة أنتشر بشكل وبائي، وتخطت عدواه غير الحميدة الحدود كلّها.
وحين يكون التفكير انفعاليا ورغائبيا فهو يصيب ضحاياه بالعمى سواء كان سياسياً أو في أي ميدان آخر لأن الانسان عندئذ لا يرى غير ما يريد ولا يصغي الا لصدى صوته!
فأية لقاحات علينا أن نحقن وعينا بها كي نشفى من هذه الإصابة المُزمنة؟؟
(الدستور)
وقد ورث الاعلام العربي حمولة باهظة من تلك الحقبة ، وتفاقمت المسافة بين الرغبة والقدرة على تحقيقها، فليس كل ما تمناه الاعلام أدركه ، والعدو الذي قيل أن قدومه كان متوقعا من الشرق أو الشمال ثم جاء من الغرب أو الجنوب هو المعادل الموضوعي والميداني لِخَلل سايكولوجي في صميم الاعلام لأن صناعة التاريخ ليست رهانا على حصان أسود أو ورقة يانصيب، لهذا دفع الذين قالوا ما يسقط من السّماء تتلقاه الارض الثمن، فسقطت عليهم نيازك أحرقتهم وشردتهم!
تلك الجرثومة التي تسللت الى الاعلام في الحرب الباردة، لم تنفع معها كل المضادات سواء كانت حيوية أو حتى نووّية لأنها وجدت حاضنة دافئة تستضيفها، واذا صح ما قاله أبو الطيب عن أهل العزم، فإن الهزائم لا العزائم هي ما يجب أن نتوقعه من اعلام نرجسي أوغل في استرضاء الذات وتملق العواطف.
فالصدمة بابسط تعريفاتها هي نتيجة للافراط في التفاؤل والتوقعات ورفع السقوف، بما لا يتناغم على الاطلاق مع معطيات الواقع!
والاعلام العربي تحول في فترة ما الى مُنتج لصناعة الصّدمات، لأنه حلق خارج جاذبية الواقع، وكذب على نفسه حتى صدّق.
ولكي لا نضع العبء كله على الاعلام وهو من الظواهر العديدة التي أفرزتها ثقافة سائدة، فإن اتساع المسافة بين الرغبة والقدرة شمل حتى الحياة الاجتماعية، وما يسمى في علم النفس الاعتقاد الخاطىء أو الفكرة المتسلطة أنتشر بشكل وبائي، وتخطت عدواه غير الحميدة الحدود كلّها.
وحين يكون التفكير انفعاليا ورغائبيا فهو يصيب ضحاياه بالعمى سواء كان سياسياً أو في أي ميدان آخر لأن الانسان عندئذ لا يرى غير ما يريد ولا يصغي الا لصدى صوته!
فأية لقاحات علينا أن نحقن وعينا بها كي نشفى من هذه الإصابة المُزمنة؟؟
(الدستور)