يوم في جامعة البلقاء .. أرجوك لا تغضب!
اذا كان لديك شيء من الفضول، وتريد ان تعرف الحال الذي انتهت اليه بعض جامعاتنا؛ فـ”ارجوك” اقتطع جزءاً من وقتك واذهب لزيارة جامعة البلقاء التطبيقية، ابدأ بـ”المركز” في السلط، وقف ربع ساعة وتأمل المشهد.. كيف يستقبلك “الموظفون” هناك.. كيف تدخل السيارات وكيف تمنع، متى يلوح لك أحد الواقفين على البوابة “بالترحاب” لأنك من طرف مهم، ومتى “يكشر” في وجهك ويزجرك باعتبارك “مواطنا” عاديا.
تدلف الى الداخل، ثمة “غرفة” لمسؤول كبير، يجلس فيها اصدقاء مقربون جاؤوا لترتيب اوضاع “ابنائهم” المستجدين، فجأة يأمر المسؤول باغلاق الباب ويمنع العشرات من المراجعين، تقف تراقب المشهد دون ان يراك أحد، تسمع “تطمينات” من المسؤول لبعض “المعروفين” بأن الامور ستكون في التمام. يقول ذلك وهو يبتسم ويودع هؤلاء بمزيد من القبلات، فجأة يقف أحد المواطنين المراجعين امامه، يطلب منه ان يساعده، فيتغير وجه المسؤول ويحتدّ في الكلام، يقول له: لا استطيع ان افيدك، القرار ليس بيدي، يسأله المواطن: قل لي لماذا تتعامل معي بهذه “الحدة” وقبل دقيقة فقط كنت تبتسم في وجه الشخص الذي راجعك.. يحتد الرجل اكثر ويسمعه كلمات تشتمُّ فيها رائحة الزجر.
لا تستطيع ان تكمل المشوار، فتذهب الى كلية “البوليتكنيك” التابعة للجامعة، هناك تشعر بمزيد من الغضب والحزن، مشهد واحد يكفي لكي تفهم لماذا اجتاح “العنف” جامعاتنا، ولماذا يتخرج ابناؤنا الطلبة منها ولا يعودون اليها، ولماذا لا تزال جامعاتنا خارج الزمن، تسألني لماذا؟ خذ هذا المشهد: المكان قاعة التسجيل للمستجدين. وفيها يافطة معلقة تقول (رئيس الجامعة وادارتها يرحبون بالطبة المستجدين.. الخ)، والزمان الساعة الحادية عشرة، واكثر من مئة وخمسين طالباً يحتشدون في القاعة، يقف على البوابة شاب يعطي اوراقاً للدور، اخذت ورقة، ورقم الدور (99) سألت اين وصل الدور، قيل: الى (22)، انتظرت ساعتين، لم يصلني الدور، دخلت لاعرف السبب، تصور!.. موظف واحد فقط تساعده “طالبة” متعاونة يتولى تدقيق وتسجيل الطلبة، فجأة يتوقف الموظف عن العمل، ويطلب من الجميع ان يغادر القاعة، لماذا يا رجل؟ يجيب: لا استطيع ان اعمل في هذا الازدحام، يكفي ان تنتظروا الدور وسأنادي عليكم، في اثناء ذلك يدخل شخصان ومعهما بعض الملفات، يهتم بهما ويبدأ بالعمل؟ يدفعك فضولك لتسأل عنهما فتكتشف انهما من “زملائه” في الجامعة ومعارفه، يحتج المراجعون “فيحرد” الموظف ويتوقف عن العمل.. الساعة الآن الواحدة والربع، والمعاملات التي انجزت ربما لا تتجاوز الـ”30” معاملة منذ الصباح.. وعلى البوابة يافطة تشير الى ان دوام الصندوق ينتهي في الواحدة. ترى.. ما فائدة وجود “الصندوق” اذا كان مطلوباً منك ان تسدد “الرسوم” في أحد البنوك خارج الجامعة.
لم يكتمل المشهد، لكنك تشعر بالتعب والحزن ايضاً، وتستعيد ذاكرتك صورة “التسجيل” في جامعاتنا قبل ثلاثين سنة، لقد كانت آلياته افضل مما تراه الآن.. كان يستغرق ساعة أو ساعتين، لكن لم تكن ثمة فوضى، ولا موظفون “محبطون” الى هذه الدرجة، ولا اجراءات معقدة تحتاج الى يوم “عطلة” بالكامل.
آسف، اذا تجاوزت بعض التفاصيل التي أخجل منها، وآسف ايضا اذا تقصدت تسمية “الجامعة” على غير عادتي فيما اكتب، لكنني، يشهد الله، خرجت وانا حزين على ما رأيت، وحين وصلت الى البوابة سألت بعض الطلبة فذكروا لي أشياء اخرى ربما تكون اسوأ مما رأيت.
لدي رجاء واحد، وهو ان يتكرم رئيس الجامعة الجديد بزيارة التسجيل في كلياته.. ليرى بعينيه ما يحدث.. ويدلنا على الصواب.
(الدستور)