jo24_banner
jo24_banner

التردد المكلف

د. حسن البراري
جو 24 : كان بإمكان الولايات المتحدة انهاء الأزمة السورية في عامها الأول أو حتى في أي لحظة، والملفت أن الإدارة الأمريكية عطلت سقوط نظام بشار الأسد في كل مرة كان فيها على وشك السقوط متذرعة بغياب البديل المقبول وخشية من فوضى ما بعد الأسد وكأن سوريا لا تعيش حالة غير مسبوقة من الفوضى!

وعلى نحو لافت دفعت سياسة أوباما الساذجة الأمور إلى الهاوية وكأن الأمر دبر في ليل، وحتى هيلاري كلينتون التي كانت وزيرة للخارجية عندما اندلعت الثورة السورية اعترفت في كتابها الأخير (الخيارات الصعبة) بأن تردد الولايات المتحدة في تقديم الدعم الكافي للثوار هو الذي خلق الظروف المناسبة لبروز تنظيم داعش، ومنذ ذلك الوقت أصبحت داعش الشماعة التي يعلق عليها اوباما تردده في تكمين الفصائل المعتدلة. كل ذلك أصبح تاريخا، لكن فشل الولايات المتحدة من رؤية أن بقاء الأسد هو السبب الرئيس لتمدد التنظيمات الارهابية فاقم من الوضع، فكل أحاديث الغرب عن ضرورة رحيل الأسد بقيت فقاعات فارغة من أي محتوى إذ سمحت واشنطن لإيران وحزب الله بالتدخل لضمان بقاء الأسد. وفي سياق التردد الأمريكي الواضح وغياب الاستراتيجية الفعالة تسلل الرئيس بوتين ليغير من قواعد اللعبة برمتها.

وهنا علينا التسليم بأن هناك قبولا غربيا بالتدخل الروسي في سوريا، والخلاف مع الروس ليس على فكرة التدخل وانما على قائمة الاهداف. ومما لا شك فيه أن التدخل العسكري الروسي قد أعاد الأسد ليقف مرة ثانية على قدميه بعد ان كان يقاتل وهي يتكأ على كعب قدميه. ومع هذا التدخل الروسي وحتى مع تحرش الطائرات الروسية بتركيا ومحاولة روسيا خلق وقائع على الارض لتمنع من امكانية اقامة منطقة آمنة في الشمال فإن إدارة أوباما ما زالت مصرة على استراتيجية فاشلة تستند إلى عنصرين هما: استمرار التركيز على داعش واستمرار الحديث عن ضرورة اجراء مفاوضات للتوصل لحل سلمي! والملفت أن الرئيس أوباما بدأ يظهر وكأنه محلل سياسي يتحدث عن مأزق الروس القادم وليس كرئيس للولايات المتحدة التي شكل تدخل الروس عسكريا تحديا كبيرا لهيبة ومكانة بلاده. فتحذير أوباما لبوتين بأن بلاده ستكون عرضة للعداء الاسلامي السني هو أمر يعرفه بوتين جيدا لكنه لا يلتفت لذلك لأن هدفه الاساسي هو تحقيق انجاز في سوريا وهو ما يعمل عليه بكل قوة واستعراض.

والحديث على أن روسيا ستدخل مستنقعا ملكفا هو صحيح لكن الصحيح أيضا أن امام أوباما خياران كما افاد تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر يوم الخميس هما: أما الرد بشكل حاسم لفرض سيطرة الطائرات الأمريكية على شمال سوريا أو التنازل عن ذلك لروسيا التي حينها ستدعي النصر وتتكبد الولايات المتحدة انتكاسة اخرى في مكانتها وهيبتها يمكن تجنبها بطبعية الحال لكن ربما ليس بقيادة رئيس من مواصفات أوباما.

بالمقابل راقب الرئيس بوتين نظيره الأمريكي لفترة طويلة واكتشف أنه متردد وأنه يتحدث الكثير ولا يعمل الا القليل، وبالفعل تحركت روسيا بشكل ملفت وجلبت معها محطات ومنظومة تسلح ليست مصممة فقط للتعامل مع المعارضة السورية المعتدلة بل ولتشكل تحديا لطائرات التحالف وللمنافسة على السيطرة على الاجواء في سوريا. وسيستمر بوتين في دك المعارضة المعتدلة بدلا من داعش ولسان حاله يقول لأوباما أما ان تقبلوا موقفنا بالابقاء على بشار ثم الاشتراك معا لدحر داعش أو أن روسيا ستُعقد من الاوضاع وتخلق أزمة جديدة من اللاجئين لتهدد أوروبا. والأنكى هو أن نظام بشار يشعر بنشوة ويشعر بأنه بصدد استعادة زمام المبادرة بعد أن كان على شفير السقوط قبل اسابيع قريبة.

التردد الغربي المكلف يرافقه اصطفاف عربي محير ولا يساهم في خدمة الشعب السوري، ويعجب الكثيرون لموقف النظام المصري الذي بات يتوجس من أي تنظيم اسلامي معتدل، فتأييد الرئيس السيسي للتدخل الروسي ينم عن قراءة مصرية رسمية ترى بأن بقاء العسكر في الحكم يستلزم انهاء اي معارضة اسلامية معتدلة، ولهذا السبب فإن موقف مصر الرسمي يجعل الروس يشعرون بأنهم ليسوا بدون حلفاء في المنطقة، فحسايات بعض الانظمة الاستبدادية سيضيف في نهاية المطاف من الكلفة على الشعب السوري الذي ما زال يدفع فاتورة استمرار الازمة والتي لا يبدو أن في الأفق أي أمل لحلها.

يخطئ أوباما مرة أخرى إن راهن على أن روسيا ستدخل مستنقعا، ويبدو لي أن أوباما يتمنى أن يدفع الروس ثمن التدخل بصرف النظر عن الكلفة البشرية الباهظة التي يدفعها الشعب السوري لقاء هذا التدخل، فحتى لو دخلت روسيا مستنقعا وخرجت مطأطأة الرأس فإلى أن يحدث هذا الأمر يكون الخراب قد وصل نقطة لا يمكن تخيلها ويتم تفريغ سوريا من مكون سنيّ لصالح مكونات آخرى، فراهنات أوباما أقرب إلى التحليل السياسي منها إلى وجود استراتيجية واضحة تضع اهدافا قابلة للتحقيق والعمل على توظيف الامكانات لتحقيق هذه الأهداف، فلا يمكن لامريكا أن تكون مؤثرة وهي تقيم تحالفا مع حكومة بغداد التي أصبحت كالدمى تتحكم بها إيران، وما ترحيب العبادي بتدخل روسي وتحويل بغداد إلى غرفة تنسيق مع روسيا على مرآى من الأمريكان إلا دليل واضح بأن امريكا اصبحت قوة لا يخشاها ولا يحترمها احد في المنطقة. وإن استمرت الأمور على هذه الوتيرة فإن سوريا هي اقرب إلى التقسيم على غرار الازمة الكورية في خمسينيات القرن الماضي وستتحول الى سوريا مفيدة وأخرى غير مفيدة!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير