شاشة اردنية مستقلة..ولم لا تنجح..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : حين قرأت مقالة الزميل فهد الخيطان امس حول “محطة الاعلام المستقلة “ قلت في نفسي : ما الذي يمنع ان تنجح هذه المؤسسة التي ما تزال “فكرة” في تقديم تجربة اعلامية اردنية ما دام ان لدينا خبرات اعلامية وكفاءات بشرية مشهود لها ؟ المخاوف - بالطبع - تتعلق بمسألة واحدة وهي مدى قدرة مجلس ادارتها على انتزاع استقلاليتها والحفاظ على مهنيتها وحريتها .
هنا يجب ان نتوقف اذا كنا جادين فعلا في ادارة اي نقاش حول “الشاشة الجديدة “ ، ذلك اننا من منذ عقدين وأكثر ونحن نتحدث عن اشكالية العلاقة بين الاعلام والدولة ، البعض يرى ان المشكلة سياسية بامتياز ، فالحكومات في بلادنا تريد اعلاما في متناول اليد ، تحمله ما تعجز عن القيام به ، وتأخذه حيثما تشاء دون اعتبار لمهنيته ومصداقيته ، والبعض الآخر يختزل المشكلة في استجابة الاعلام التلقائية للتدخلات والضغوطات ، وفشله في انتاج خطاب مقنع ، وصناعة استقلالية حقيقية ، تدافع - بالتالي - عن هويته ومهنيته ومهمته الوطنية ، وتردع الحكومات وغيرها من التدخل فيه وتحويله الى “اعلام مرعوب” كما وصفه احد رؤساء الوزارات السابقين.
وبقدر ما تحمل وجهتا النظر جزءا من الحقيقة ، فإن استعادة التجربة الاعلامية الاردنية في عقدي الستينيات والسبعينيات يمكن ان تفيد في هذا المجال ، لا لمجرد الافتخار والتعويض عن العجز والاحتماء من تهمة التقصير ، وانما لابصار المستقبل بعيون محايدة وتوفير ادوات بنائه بما يتناسب مع عصرنا وحاجاتنا الوطنية. وقد تكون معرفة ظروف ميلاد هذه التجربة وتفاصيل وشروط نجاحها كفيلة بانتاج تجربة جديدة لا تقل عنها انجازا ، وريادة ، وقد يكون استدعاء تجارب اخرى لمؤسسات اعلامية قريبة وبعيدة ، مع اعتبار الخصوصيات والمرجعيات ، مفيدا ايضا ، لكن الاهم هو توفير الارادة السياسية اولا لاخراج هذه التجربة الجديدة من سياقات “ التراجع” التي عانى منها اعلامنا الرسمي الذي من المفترض ايضا ان نتكاتف لتحريره من عقباته ووضعه في سياق خدمة الدولة ، بكل ما تتضمنه فكرة الدولة من اهداف ورؤى ومصالح وقيم ومناهج للتفكير والعمل.
لا يهم هنا الغاء الهياكل او استدعاؤها ،ولا ايجاد مؤسسات واطر جديدة ، فإعلامنا مع وجود وزارة الاعلام مثلا لم يكن أسوأ مما هو عليه بعد حلها ، ولم يكن مع تعدد المؤسسات وتقسيم الادوار بينها افضل ، المهم هو التفكير جديا بانتاج خطاب اعلامي اردني مؤثر ، وتوفير ما يلزمه من شروط النهوض والتميز ، وابرزها الحرية والمهنية والاستقلالية ، وابعاده ما امكن عن مزاجيات المسؤول الرسمي وضغوطاته وحمى التغييرات الادارية وفوضى التعيينيات والتشريعات والقرارات غير المدروسة.
والمطلوب اذن من اخواننا الذين يتصدون اليوم لتأسيس “محطة” جديدة هو اعادة الروح لاعلامنا من خلال هذه التجربة ، واعادة ثقة العاملين فيه بأنفسهم ودورهم وامكانياتهم ، واعادة ثقة المجتمع بقدرة هذا الاعلام على تجسيد همومهم وطرح قضاياهم والتعبير عنهم بمصداقية والتعامل مع عقولهم باحترام وامانة، هذا هو امتحانهم الحقيقي الذي لا بد ان يتجاوزوه بنجاح والا فان التجربة الجديدة ستلحق بتجارب سابقة ، بعضها تم اجهاضه قبل ان يبدأ وبعضها انضم الى سوق الاعلام القديم ولم يضف له اي جديد.
هل يمكن للتجربة ان تنجح؟ اعتقد ان تبرير أي مساس بالاعلام ، باحتوائه أو بالتدخل فيه أو تهديده ، على اساس اعتباره “قدرا” أو امرا وواقعا لا سبيل لمواجهته ، يبقى تبريرا عاجزا عن فهم الحقيقة ، أو ان شئت غير دقيق، اذا افترضنا أن ارادة الاعلام ، بمن آمن بالعمل فيه وتحمل أعباء رسالته ، اقوى من كل المحاولات ، وأصلب من كل العوائق والاغراءات.. أما اذا افترضنا غير ذلك.. فلا حاجة لتعليق الخطأ على مشاجب الآخرين.. ولا جدوى من البكاء على حال رضي أهله أن يكونوا فيه.
اذا اضفنا لذلك ما قاله الزميل الخيطان حول “قناعة “ المؤسسات الاردنية بضرورة وجود اعلام يمثل خطاب الدولة الاردنية ، ويتحرك بمهنية وحرية معقولة، فاننا امام حالة جديدة يمكن الاستثمار فيها ، وتوفير ما يلزم من امكانيات لانجاحها ، خاصة وان سوق الاعلام اليوم اصبح مفتوحا بلا حدود وبلا قيود ، كما انه لا يمكن “القبض” عليه، الا بطرح البديل القادر على مناجزته واقناع الجمهور بما يريد ان يقدمه لهم من حقائق، فالاعلام ، اليوم ، صناعة ورسالة ، تخصص له بعض الدول التي تدرك أهميته وخطره ثلث موازناتها أو اكثر ، وتجتهد في رفد حرفيته واستقلاليته ، وتحاول - ايضا - ان تستخدمه ان استطاعت ، وان توظفه في “معاركها” على اختلافها ، والعملية الاعلامية بمجملها ، سواء كانت بين الاعلام والحكومات ، او بين الاعلام وغيره من مراكز النفوذ والمؤسسات ، عملية “صراع” على الخبر والرأي ، والحكم في النهاية يعتمد على قدرة الاعلام وعافيته ، والمعيار هو الاستقلالية الحقيقية ، فان تمكن الاعلام من الحفاظ على حرفيته وموضوعيته ومصداقيته خرج منتصرا من هذا الصراع ، وان عجز عن ذلك فشل في مهمته.
لا نريد ان نقول: كان لنا اعلام ، أو كنا مدرسة في الاعلام ، أو ان نتحسر ونحن نرى شبابنا يحققون اعلى الانجاز على شاشات الفضائيات الشقيقة ، نريد - فقط - ان تصبح لدينا “شاشة” وتجربة جديدة ، وان تكون قريبة الى اوجاعنا وقضايانا وطموحاتنا ، فلا احد يسعده ان نتراجع اعلاميا الى هذا الحد، اوان يبحث المواطن الاردني عن شاشات ليسمع منها او يرى اخبار وطنه، المسألة ليست صعبة ولا مستحيلة ، فبقليل من الارادة السياسية والوطنية والحسم باتجاه الاصلاح الحقيقي والتطوير ومزيد من الحريات ، يمكن ان نحقق ذلك وننهي فصلا مؤلما من الغيبوبة القصرية والعبث والارتباك الذي ساد اعلامنا كل هذه السنوات بلا مبرر ولا سبب.
(الدستور)
هنا يجب ان نتوقف اذا كنا جادين فعلا في ادارة اي نقاش حول “الشاشة الجديدة “ ، ذلك اننا من منذ عقدين وأكثر ونحن نتحدث عن اشكالية العلاقة بين الاعلام والدولة ، البعض يرى ان المشكلة سياسية بامتياز ، فالحكومات في بلادنا تريد اعلاما في متناول اليد ، تحمله ما تعجز عن القيام به ، وتأخذه حيثما تشاء دون اعتبار لمهنيته ومصداقيته ، والبعض الآخر يختزل المشكلة في استجابة الاعلام التلقائية للتدخلات والضغوطات ، وفشله في انتاج خطاب مقنع ، وصناعة استقلالية حقيقية ، تدافع - بالتالي - عن هويته ومهنيته ومهمته الوطنية ، وتردع الحكومات وغيرها من التدخل فيه وتحويله الى “اعلام مرعوب” كما وصفه احد رؤساء الوزارات السابقين.
وبقدر ما تحمل وجهتا النظر جزءا من الحقيقة ، فإن استعادة التجربة الاعلامية الاردنية في عقدي الستينيات والسبعينيات يمكن ان تفيد في هذا المجال ، لا لمجرد الافتخار والتعويض عن العجز والاحتماء من تهمة التقصير ، وانما لابصار المستقبل بعيون محايدة وتوفير ادوات بنائه بما يتناسب مع عصرنا وحاجاتنا الوطنية. وقد تكون معرفة ظروف ميلاد هذه التجربة وتفاصيل وشروط نجاحها كفيلة بانتاج تجربة جديدة لا تقل عنها انجازا ، وريادة ، وقد يكون استدعاء تجارب اخرى لمؤسسات اعلامية قريبة وبعيدة ، مع اعتبار الخصوصيات والمرجعيات ، مفيدا ايضا ، لكن الاهم هو توفير الارادة السياسية اولا لاخراج هذه التجربة الجديدة من سياقات “ التراجع” التي عانى منها اعلامنا الرسمي الذي من المفترض ايضا ان نتكاتف لتحريره من عقباته ووضعه في سياق خدمة الدولة ، بكل ما تتضمنه فكرة الدولة من اهداف ورؤى ومصالح وقيم ومناهج للتفكير والعمل.
لا يهم هنا الغاء الهياكل او استدعاؤها ،ولا ايجاد مؤسسات واطر جديدة ، فإعلامنا مع وجود وزارة الاعلام مثلا لم يكن أسوأ مما هو عليه بعد حلها ، ولم يكن مع تعدد المؤسسات وتقسيم الادوار بينها افضل ، المهم هو التفكير جديا بانتاج خطاب اعلامي اردني مؤثر ، وتوفير ما يلزمه من شروط النهوض والتميز ، وابرزها الحرية والمهنية والاستقلالية ، وابعاده ما امكن عن مزاجيات المسؤول الرسمي وضغوطاته وحمى التغييرات الادارية وفوضى التعيينيات والتشريعات والقرارات غير المدروسة.
والمطلوب اذن من اخواننا الذين يتصدون اليوم لتأسيس “محطة” جديدة هو اعادة الروح لاعلامنا من خلال هذه التجربة ، واعادة ثقة العاملين فيه بأنفسهم ودورهم وامكانياتهم ، واعادة ثقة المجتمع بقدرة هذا الاعلام على تجسيد همومهم وطرح قضاياهم والتعبير عنهم بمصداقية والتعامل مع عقولهم باحترام وامانة، هذا هو امتحانهم الحقيقي الذي لا بد ان يتجاوزوه بنجاح والا فان التجربة الجديدة ستلحق بتجارب سابقة ، بعضها تم اجهاضه قبل ان يبدأ وبعضها انضم الى سوق الاعلام القديم ولم يضف له اي جديد.
هل يمكن للتجربة ان تنجح؟ اعتقد ان تبرير أي مساس بالاعلام ، باحتوائه أو بالتدخل فيه أو تهديده ، على اساس اعتباره “قدرا” أو امرا وواقعا لا سبيل لمواجهته ، يبقى تبريرا عاجزا عن فهم الحقيقة ، أو ان شئت غير دقيق، اذا افترضنا أن ارادة الاعلام ، بمن آمن بالعمل فيه وتحمل أعباء رسالته ، اقوى من كل المحاولات ، وأصلب من كل العوائق والاغراءات.. أما اذا افترضنا غير ذلك.. فلا حاجة لتعليق الخطأ على مشاجب الآخرين.. ولا جدوى من البكاء على حال رضي أهله أن يكونوا فيه.
اذا اضفنا لذلك ما قاله الزميل الخيطان حول “قناعة “ المؤسسات الاردنية بضرورة وجود اعلام يمثل خطاب الدولة الاردنية ، ويتحرك بمهنية وحرية معقولة، فاننا امام حالة جديدة يمكن الاستثمار فيها ، وتوفير ما يلزم من امكانيات لانجاحها ، خاصة وان سوق الاعلام اليوم اصبح مفتوحا بلا حدود وبلا قيود ، كما انه لا يمكن “القبض” عليه، الا بطرح البديل القادر على مناجزته واقناع الجمهور بما يريد ان يقدمه لهم من حقائق، فالاعلام ، اليوم ، صناعة ورسالة ، تخصص له بعض الدول التي تدرك أهميته وخطره ثلث موازناتها أو اكثر ، وتجتهد في رفد حرفيته واستقلاليته ، وتحاول - ايضا - ان تستخدمه ان استطاعت ، وان توظفه في “معاركها” على اختلافها ، والعملية الاعلامية بمجملها ، سواء كانت بين الاعلام والحكومات ، او بين الاعلام وغيره من مراكز النفوذ والمؤسسات ، عملية “صراع” على الخبر والرأي ، والحكم في النهاية يعتمد على قدرة الاعلام وعافيته ، والمعيار هو الاستقلالية الحقيقية ، فان تمكن الاعلام من الحفاظ على حرفيته وموضوعيته ومصداقيته خرج منتصرا من هذا الصراع ، وان عجز عن ذلك فشل في مهمته.
لا نريد ان نقول: كان لنا اعلام ، أو كنا مدرسة في الاعلام ، أو ان نتحسر ونحن نرى شبابنا يحققون اعلى الانجاز على شاشات الفضائيات الشقيقة ، نريد - فقط - ان تصبح لدينا “شاشة” وتجربة جديدة ، وان تكون قريبة الى اوجاعنا وقضايانا وطموحاتنا ، فلا احد يسعده ان نتراجع اعلاميا الى هذا الحد، اوان يبحث المواطن الاردني عن شاشات ليسمع منها او يرى اخبار وطنه، المسألة ليست صعبة ولا مستحيلة ، فبقليل من الارادة السياسية والوطنية والحسم باتجاه الاصلاح الحقيقي والتطوير ومزيد من الحريات ، يمكن ان نحقق ذلك وننهي فصلا مؤلما من الغيبوبة القصرية والعبث والارتباك الذي ساد اعلامنا كل هذه السنوات بلا مبرر ولا سبب.
(الدستور)