هؤلاء يتنافسون على « زعامة التطرف»..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : لم يعد “البغدادي” وحده اميرا للارهاب في منطقتنا ، فعلى منصب الزعامة الدينية التي تقام وتنتصب على جثث الاطفال والنساء ورؤوسهم المقطوعة يتنافس اليوم اكثر من “خليفة” ، ومن المفارقات ان ثلاثة منهم يتوزعون على الاديان السماوية الثلاثة ، او هكذا يقدمون انفسهم على الاقل : الاول نتن ياهو والثاني بوتين والثالث البغدادي نفسه ، لا تنس بالطبع من يجلس امامهم في الصف الاول او من يصفق لهم على المدرجات . لا علاقة ابدا لهؤلاء بالاديان لا من قريب ولا من بعيد ، لكن حين ندقق فيما يحدث نجد ان الخرافات الدينية التي تصب في حساب اقامة “دولة “ يهودية وتدفع نتن ياهو الى ممارسة هذا الاجرام ضد الفلسطينين هي ذاتها التي تدفع البغدادي الى اعلان الخلافة ، وهي ذاتها التي جعلت بوتين يستعين بالبطريرك الارثوذكسي في روسيا ( اسمه كيريلوس) لاعطاء صفة الحرب المقدسة على غاراته في سوريا ، ما ولد ردودا غاضبة على الطرف الاسلامي اعتبرت ان حرب بوتين هي ضد الاسلام وان مواجهتها واجب ديني . الحرب في خرائطها الجديدة، اذن، انتقلت من اطارها السياسي الى اطار ديني مخيف ومزدحم بصور الصراع التاريخي بين اتباع الاديان ، ومن المتوقع ان يفضي هذا التحول الى احتشاد المتطرفين على كافة الجبهات وتوحيد صفوفهم ايضا ، على جبهة البغدادي ورفاقه لن نفاجأ ابدا بانضمام الآف الشباب المتحمسين الذين تحركهم المشاعر الدينية لمواجهة الروس في سوريا او الانتقام من “الروافض” في العراق ، وعلى جبهة نتن ياهو ايضا سيحتشد المتطرفون الصهاينية من دعاة بناء الهيكل على انقاض الاقصى والفلسطينيين ايضا ، وسترتفع اسهم ليبرلمان ويصبح الملهم الجديد لهم ، اما على جبهة روسيا فان التطرف الذي اشعلت نيرانه تصريحات البطريرك المتحالف مع بوتين سيرتد عليها هناك ، وسيغري المتطرفين ممن تحارهم روسيا في الجمهوريات الاسلامية المحيطة بها على استهدافها من جديد. الآن، بوسع “البغدادي “ أن يمد يديه “لتحية” كل الذين ساهموا بفتح” بازارات” التطرف والكراهية والفوضى ، ونفخوا في “رمادها” لتستعيد حضورها، وتستعرض بضائعها المسمومة ، وهم - كما ذكرنا - كثيرون: نتن ياهو وبوتين والاسد وغيرهم من “اقطاب” التطرف ، وقبلهم ومعهم الانظمة التي ضحت بشعوبها من أجل ان تبقى في الحكم، والنخب التي استقالت من وظيفتها واصطفت مع “الغالب” والاعلام الذي نشر “رياح” السموم في فضاء مجتمعاتنا، كل هؤلاء منحو “التطرف” فرصة للانتشار والتغلغل وسمحوا له ان يعاود نشاطه وان يمدّ “لسانه” أيضاً لكل الذين راهنوا على “السياسة” وجاهروا بالدعوة الى المشاركة والاحتكام للديمقراطية واوراق الصناديق..وللاخرين الذين ما زالوا ينفخون في “قربة” السلام الممزقة او يراهنون على ضمير العالم الذي مات منذ زمن بعيد. من المفارقات أننا اكتشفنا الآن بأن الذي سمح “لداعش” ان تتمدد في سوريا هو النظام السوري وحلفاؤه من الروس والايرانيين وغيرهم ، وأن من أحيا “رفاتها” في العراق هي “الطائفية” التي احتكرت السلطة حين تمدد المالكي على عرشها نحو 8 سنوات ، كما ان الذي أعاد “شبح” الارهاب ووصمة “التطرف” الى القدس وغزة هو نتن ياهو ومستوطنوه الذين تنكروا لحقوق الفلسطينيين وواجهوا حجارتهم وسكاكينهم بما لا يخطر على بال الانسانية من جرائم قتل وتدمير . على تخوم “الدين” ،اذن ، تدور معركة الصراع داخل الامة وفيما بينها وضد اعدائها ايضاً، فثمة حروب بدأت تشتعل بين اتباع المذاهب لحساب المصالح والادوار وتحت لافتة “السياسة” وتوزيع مناطق النفوذ واقتسام الغنائم ، وثمة حروب اخرى بين اتباع المذهب الواحد، وبين ابناء “الملة” الوطنية، وثمة حروب قادمة بين اتباع الاديان ايضا ، ومع انه من المفترض ان تكون عقود من اللقاءات والحوارات قد اثمرت “تقارباً” بين اتباع المدارس الفقهية الاسلامية، وبين اتباع الاديان باعتبارهم “مؤمنين بالله” الا ان النتيجة جاءت عكس ذلك تماما ، فقد ازدحم “البدر” الاسلامي “بعشرات” الهلالات، وبدل ان “يشع” على الامة ما يلزمها من “نور” تحول في لحظة “غفلة” الى محاق. وبالمثل، تدور معركة اخرى على تخوم “المقدسات “ لترويض الامة وتقسيمها، ويجد المتربصون بالامة ودينها وحقوقها، فرصتهم للاجهاز على ما أمكن من مقدراتنا، وكسر شوكتها، وحشرها في زاوية “التطرف” المتبادل، لكي تخوض معاركهم بالنيابة عنهم، وتدمر نفسها وهم يتمتعون بالتفرج “عليها” وتعود الى “وصايتهم” بعد ان تفاجأوا بما لديها من “مخزون” غضب وبما شهدته شعوبها من رغبة في التحرر واصرار على التغيير. من المؤسف ان بلداننا العربية الآن تدفع ثمن الاستبداد والقهر والاحتلال الذي ولّد العنف والتطرف، وتدفع - ايضا - ثمن العناد والاستكبار والاصرار على توظيف امكانياتها ومقدرات شعوبها لتأجيج نوازع الصراع والكراهية داخل مجتمعاتنا العربية، وكأنها لا تدرك بأن “رياح” السموم التي هبّت هنا وهناك لن تستثني احداً، وأن خطر “التطرف” والعنف وماركات “القتل” على الهوية، ستعمّ على الجميع. وسط هذه الاجواء المظلمة، كان يفترض ان يتحرك “الحكماء” في الامة للمساهمة بتطويق هذه الحرائق، لكن المؤسف اننا افتقدناهم، لدرجة ان بعضهم “اخذته” الموجة فتحول الى “كومبارس”. كما كان يفترض ان يتحرك ضمير العالم لكنه للاسف ما زال يغط في نوم عميق.