نهاجر بعكس الاتجاه..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : نستقبل عاما ونودع آخر ، وعلى بوابة التاريخ الذي صنعته الهجرة المباركة نقرأ النصر والفاتحة ، ونعود بالذاكرة الى بطحاء مكة المكرمة ، نقف امام مشهد قلما تكرر ، فها هو محمد عليه الصلاة والسلام يلقي على البلد الحبيب نظرة الوداع ، ميمما نحو المدينة المنورة فيدخلها بالترحاب اللهم وقد اخرجتني من احب البقاع اليّ ، فأسكني في احب البقاع اليك ، ومن يدري ربما تكون المحنة طريقا الى المنحة والفرج.. وقد كان.
ونسلم معه صلى الله عليه وسلم على المهاجرين والانصار ، وتلك لحظة غيرت وجه التاريخ ومساراته ، والغت من كتابه اعتبارات الزمن والمكان لكي تصبح غاية الدعوة الاولى هي قداسة الانسان.
هذه باختصار مسيرة الهجرة ، فهي فكرة وليست رحلة ، مرحلة جديدة مكملة ، وليست مجرد نقلة ، حركة من اجل البناء والتغيير والاصلاح لا مجرد انتقال من مكان الى مكان ، تجربة بشرية متقنة اذنت بها السماء ، لا محاولة للهروب والبحث عن ملاذات شخصية آمنة.
تأمل معي كيف يمكن ان “يسافر” الانسان من داخله الى داخله ، أو أن يهاجر من حالة الى حالة ، ان يقف -أمام المرآة- وينظر الى نفسه ويتحسس أوجاعها ، ويعيد حساباتها ، ويقرر على الفور بأنه في حاجة الى “الهجرة” ، فيودع أمسه الذي مضى ويبدأ يوماً جديداً ، فيه يشهر “ولادته” وينفض عنه ما تراكم من غبار ، ويغتسل بماء “الرضا” والثقة والامل ، ويدفع عنه أشباح الغرور واليأس والقنوط.
اذا اردنا انت نتعلم من الهجرة فلا بد ان نقرأها على هذا المهاد ، فهي حركة مدروسة وضعت قانون السببية في اعلى مراتب الاحترام ، وارتفعت بقيمة الانسان الى ما فوق الزمان والمكان ، وارست اخلاقيات التعامل مع الذات والاخر مهما كانت جراحاتهم في النفس عميقة ، واسست لدولة جديدة لها دستور مدني لا علاقة له بالعصبية او الطائفية او اصحاب الوساطات مع السماء.
الهجرة كما نفهمها بناء وانجاز ، تضحية وتسام عن الاحقاد ، ايمان بالمستقبل وثقة بالغيب ، تزاوج بين الاخذ بالاسباب والتوكل على الله ، اصرار على الفعل والتزام بالحق ، تجاوز للتفاصيل والانشغالات ، اصلاح للنفسية الانسانية ، وانفتاح على العالم وبحث دائب عن الحقيقة ، ايمان بقدرة الانسان على الابداع ، تغيير في البنى الاجتماعية والمعرفية والاخلاقية ، فاتحة لتاريخ جديد ومطلع قصيدة الحضارة التي ما نزال نرددها حتى الآن.
ما احوج امتنا اليوم الى اعادة قراءة هذه الحادثة الكبرى التي بدأ بها تاريخنا الاسلامي ، لنتعلم كيف نخطط لترتيب اولوياتنا ، كيف نتمسك بالامل في مواجهة القنوط ، كيف نتخلص من الكسل والتثاؤب ونتحرر من الخوف والتردد ، وننطلق في دروب البذل والعمل والاجتهاد.. فالهجرة ضد العزوف عن المشاركة وضد التعصب والعزلة والتجهم .. الهجرة محبة وانجاز. لكننا للاسف نهاجر اليوم بعكس الاتجاة وعلى نقيض المعنى الحقيقي للهجرة النبوية.
(الدستور)
ونسلم معه صلى الله عليه وسلم على المهاجرين والانصار ، وتلك لحظة غيرت وجه التاريخ ومساراته ، والغت من كتابه اعتبارات الزمن والمكان لكي تصبح غاية الدعوة الاولى هي قداسة الانسان.
هذه باختصار مسيرة الهجرة ، فهي فكرة وليست رحلة ، مرحلة جديدة مكملة ، وليست مجرد نقلة ، حركة من اجل البناء والتغيير والاصلاح لا مجرد انتقال من مكان الى مكان ، تجربة بشرية متقنة اذنت بها السماء ، لا محاولة للهروب والبحث عن ملاذات شخصية آمنة.
تأمل معي كيف يمكن ان “يسافر” الانسان من داخله الى داخله ، أو أن يهاجر من حالة الى حالة ، ان يقف -أمام المرآة- وينظر الى نفسه ويتحسس أوجاعها ، ويعيد حساباتها ، ويقرر على الفور بأنه في حاجة الى “الهجرة” ، فيودع أمسه الذي مضى ويبدأ يوماً جديداً ، فيه يشهر “ولادته” وينفض عنه ما تراكم من غبار ، ويغتسل بماء “الرضا” والثقة والامل ، ويدفع عنه أشباح الغرور واليأس والقنوط.
اذا اردنا انت نتعلم من الهجرة فلا بد ان نقرأها على هذا المهاد ، فهي حركة مدروسة وضعت قانون السببية في اعلى مراتب الاحترام ، وارتفعت بقيمة الانسان الى ما فوق الزمان والمكان ، وارست اخلاقيات التعامل مع الذات والاخر مهما كانت جراحاتهم في النفس عميقة ، واسست لدولة جديدة لها دستور مدني لا علاقة له بالعصبية او الطائفية او اصحاب الوساطات مع السماء.
الهجرة كما نفهمها بناء وانجاز ، تضحية وتسام عن الاحقاد ، ايمان بالمستقبل وثقة بالغيب ، تزاوج بين الاخذ بالاسباب والتوكل على الله ، اصرار على الفعل والتزام بالحق ، تجاوز للتفاصيل والانشغالات ، اصلاح للنفسية الانسانية ، وانفتاح على العالم وبحث دائب عن الحقيقة ، ايمان بقدرة الانسان على الابداع ، تغيير في البنى الاجتماعية والمعرفية والاخلاقية ، فاتحة لتاريخ جديد ومطلع قصيدة الحضارة التي ما نزال نرددها حتى الآن.
ما احوج امتنا اليوم الى اعادة قراءة هذه الحادثة الكبرى التي بدأ بها تاريخنا الاسلامي ، لنتعلم كيف نخطط لترتيب اولوياتنا ، كيف نتمسك بالامل في مواجهة القنوط ، كيف نتخلص من الكسل والتثاؤب ونتحرر من الخوف والتردد ، وننطلق في دروب البذل والعمل والاجتهاد.. فالهجرة ضد العزوف عن المشاركة وضد التعصب والعزلة والتجهم .. الهجرة محبة وانجاز. لكننا للاسف نهاجر اليوم بعكس الاتجاة وعلى نقيض المعنى الحقيقي للهجرة النبوية.
(الدستور)