ضياع "الحلم الصهيوني"
د. حسن البراري
جو 24 : في جلسة الكنيست الإسرائيلي الأخيرة قامت ستاف شافير (عضوة الكنيست عن الاتحاد الصهيوني) بشن هجوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو متهمة إياه بأنه بسياسته التي ينتهجها إنما يساهم في تمزيق إسرائيل وإنهاء "الحلم الصهيوني".
وعلى نحو لافت هاجمت ستاف شافير الفجوة بين مقولات نتنياهو واليمين المتشدد من جانب وسياستهم على أرض الواقع من جانب آخر، وفي هذا السياق تحدّت ستاف شافير نتنياهو إن كان بمقدوره إنهاء اتفاق أوسلو وإعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة إن كان ذلك يشكل الخطوة الصحيحة بدلا من الاستمرار في التحريض على اليسار الإسرائيلي وكل القوى التي تحاول إحداث تغيير.
لا يمكن فهم هذه التصريحات بمعزل عما يجري في الأراضي المحتلة من تدهور للأوضاع الأمنية، فهناك إرهاصات لانتفاضة ثالثة باتت تقلق مضاجع الإسرائيليين الذي ينصب جل اهتمامهم على تحصين أمن الوضع القائم الذي يسمح لهم بالاستمرار بسياسات التوسع في ظل تعايش إن لم نقل امتثال رسمي فلسطيني. وفي كلمتها في الجلسة الافتتاحية للكنيست في دورته الشتوية أكدت ستاف شافير على حاجة المجتمع الإسرائيلي إلى حلول وليس إلى خطابات، وانتقدت بهذا الصدد تصريحات وصرخات نتنياهو واليمين المتشدد الذي يلقي باللوم على عملية أوسلو، وبقدر عال من السخرية قالت ستاف شافير لماذا لا تقوموا بضم الأراضي المحتلة!.
في خضم ما يجري في الإقليم بشكل عام وفي الأراضي المحتلة بشكل خاص فإن هذا الصوت الإسرائيلي النقدي قد اختفى، والحقيقة المرة التي يعرفها ما تبقى من اليسار الإسرائيلي بأن نتنياهو متسلحا باليمين المتشدد والتواطؤ من كل صوب لا يقدم أي حل حقيقي للمعضلة الإسرائيلية، والجميع يعرف بأن إعادة احتلال الضفة الغربية يعني عمليا انتهاء إسرائيل بالشكل الذي نعرف. وربما اتهام ستاف شافير لنتياهو بأنه لا يمتلك سياسة هو اتهام بمكانه.
الحل من وجهة نظر ستاف شافير ليس جديدا، فهي تطالب بالفصل التام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أن ذلك يتطلب أمرين: أولا، أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وثانيا، أن يكون هناك شريك فلسطيني يقبل بحل. والحال أن إسرائيل تفتقد لوجود قاعدة عريضة أو تحالف سياسي يعمل على الدفع قدما للانسحاب. فوجود قوى سياسية مسيطرة باتت تمثل مصالح الاحتلال والاستيطان تمنع من الانسحاب حتى لو وجد رئيس حكومة يرى بأن الحل يكمن بالانفصال. فما يجري على أرض الواقع يشير إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تموّل الاستيطان ولا توفر الأموال الكافية لدمج عرب إسرائيل في المجتمع بشكل عام ما يعني أن التعايش حتى بين العرب واليهود داخل دولة إسرائيل سيكون أمرا صعبا في قادم الأيام.
والحقيقة أن ستاف شافير لم تكن الوحيدة وليست الأولى التي تحذر المجتمع
الإسرائيلي من مغبة المضي في سياسة التوسع، فهناك على سبيل المثال لا الحصر دراسة أرنون سوفير عن كيف أن الاحتفاظ بالأرض في ظل التغير في الموازين الديموغرافية سيضع نهاية لإسرائيل التي نعرف، وسبق لهذا الباحث الإسرائيلي أن قدم أفكاره في مؤتمر هرتسليا الأول في عام ٢٠٠٠ وفيه طالب إسرائيل بالانفصال عن الفلسطينيين كحل وحيد لبقاء دولة إسرائيل يهودية وديمقراطية.
وحتى نكون دقيقين فإن الوسط اليهودي في إسرائيل محكوم بموقف ايدولويجي يشكل الإطار العام لمواقفه السياسية، وهذا الموقف متجذر بمصلحة صهيونية في دولة يهودية وديمقراطية، والواقع أن وجود هذا القاسم المشترك بين كل القوى الصهيونية والدينية لم يفض إلى بلورة موقف موحد بشأن الأراضي المحتلة. ففي وقت يحاول اليسار أو ما تبقى منه تذكير المجتمع الإسرائيلي بأن هذا الهدف الصهيوني سيتعرض لضربة قاضية إن لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة فإن اليمين المهيمن على السياسة الإسرائيلية يعلي من قيمة الأرض ولا يرى بأن التوسع الإسرائيلي المدروس والقائم على تفريغ الأرض من أصحابها يقوض من المصلحة الصهيونية العريضة المتعلقة بيهودية وديمقراطية الدولة.
لا أحد يمكن له أن يتنبأ بكيف سيكون عليه الحال بعد عقدين من الزمان، غير أن ثمة مؤشرات قوية تفيد بأن إسرائيل غير قادرة سياسيا على حسم موضوع الانسحاب وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة، ونكاد لا نعثر على دراسة إسرائيلية جدية واحدة في السنوات العشر الأخيرة تبيّن بؤس المشهد الديموغرافي في العقد القادم على سبيل المثال، وكل ما نراه هو نشاط الباحثين المحسوبين على المدرسة الأمنية المتشددة والتي ترى بأن حل الدولتين لم يعد خيارا وأن السيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل هو إيجاد حل إقليمي يمكّن إسرائيل من الحفاظ على الأرض والطابع اليهودي للدولة معا مقابل انسحاب جزئي بالاتفاق مع دول عربية مجاورة وهنا الحديث عن مصر والأردن. بمعنى أن هذا التيار المتشدد والمسموع إسرائيليا لا يرى بتحذيرات ستاف شافير أمرا ملحا، فتصريحاتها وكتابات البعض عن هذه القضية على وجه التحديد لم تقرع بعد الجرس في المجتمع الإسرائيلي الذي ما زال يرى الصراع بأنه بين إسرائيل وجماعات "إرهابية" تريد أن تروع الإسرائيليين، وبتقديري هذا هو مكمن الخلل الذي ربما سيساهم في تقويض "الحلم الصهيوني" في نهاية المطاف.
وعلى نحو لافت هاجمت ستاف شافير الفجوة بين مقولات نتنياهو واليمين المتشدد من جانب وسياستهم على أرض الواقع من جانب آخر، وفي هذا السياق تحدّت ستاف شافير نتنياهو إن كان بمقدوره إنهاء اتفاق أوسلو وإعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة إن كان ذلك يشكل الخطوة الصحيحة بدلا من الاستمرار في التحريض على اليسار الإسرائيلي وكل القوى التي تحاول إحداث تغيير.
لا يمكن فهم هذه التصريحات بمعزل عما يجري في الأراضي المحتلة من تدهور للأوضاع الأمنية، فهناك إرهاصات لانتفاضة ثالثة باتت تقلق مضاجع الإسرائيليين الذي ينصب جل اهتمامهم على تحصين أمن الوضع القائم الذي يسمح لهم بالاستمرار بسياسات التوسع في ظل تعايش إن لم نقل امتثال رسمي فلسطيني. وفي كلمتها في الجلسة الافتتاحية للكنيست في دورته الشتوية أكدت ستاف شافير على حاجة المجتمع الإسرائيلي إلى حلول وليس إلى خطابات، وانتقدت بهذا الصدد تصريحات وصرخات نتنياهو واليمين المتشدد الذي يلقي باللوم على عملية أوسلو، وبقدر عال من السخرية قالت ستاف شافير لماذا لا تقوموا بضم الأراضي المحتلة!.
في خضم ما يجري في الإقليم بشكل عام وفي الأراضي المحتلة بشكل خاص فإن هذا الصوت الإسرائيلي النقدي قد اختفى، والحقيقة المرة التي يعرفها ما تبقى من اليسار الإسرائيلي بأن نتنياهو متسلحا باليمين المتشدد والتواطؤ من كل صوب لا يقدم أي حل حقيقي للمعضلة الإسرائيلية، والجميع يعرف بأن إعادة احتلال الضفة الغربية يعني عمليا انتهاء إسرائيل بالشكل الذي نعرف. وربما اتهام ستاف شافير لنتياهو بأنه لا يمتلك سياسة هو اتهام بمكانه.
الحل من وجهة نظر ستاف شافير ليس جديدا، فهي تطالب بالفصل التام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أن ذلك يتطلب أمرين: أولا، أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وثانيا، أن يكون هناك شريك فلسطيني يقبل بحل. والحال أن إسرائيل تفتقد لوجود قاعدة عريضة أو تحالف سياسي يعمل على الدفع قدما للانسحاب. فوجود قوى سياسية مسيطرة باتت تمثل مصالح الاحتلال والاستيطان تمنع من الانسحاب حتى لو وجد رئيس حكومة يرى بأن الحل يكمن بالانفصال. فما يجري على أرض الواقع يشير إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تموّل الاستيطان ولا توفر الأموال الكافية لدمج عرب إسرائيل في المجتمع بشكل عام ما يعني أن التعايش حتى بين العرب واليهود داخل دولة إسرائيل سيكون أمرا صعبا في قادم الأيام.
والحقيقة أن ستاف شافير لم تكن الوحيدة وليست الأولى التي تحذر المجتمع
الإسرائيلي من مغبة المضي في سياسة التوسع، فهناك على سبيل المثال لا الحصر دراسة أرنون سوفير عن كيف أن الاحتفاظ بالأرض في ظل التغير في الموازين الديموغرافية سيضع نهاية لإسرائيل التي نعرف، وسبق لهذا الباحث الإسرائيلي أن قدم أفكاره في مؤتمر هرتسليا الأول في عام ٢٠٠٠ وفيه طالب إسرائيل بالانفصال عن الفلسطينيين كحل وحيد لبقاء دولة إسرائيل يهودية وديمقراطية.
وحتى نكون دقيقين فإن الوسط اليهودي في إسرائيل محكوم بموقف ايدولويجي يشكل الإطار العام لمواقفه السياسية، وهذا الموقف متجذر بمصلحة صهيونية في دولة يهودية وديمقراطية، والواقع أن وجود هذا القاسم المشترك بين كل القوى الصهيونية والدينية لم يفض إلى بلورة موقف موحد بشأن الأراضي المحتلة. ففي وقت يحاول اليسار أو ما تبقى منه تذكير المجتمع الإسرائيلي بأن هذا الهدف الصهيوني سيتعرض لضربة قاضية إن لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة فإن اليمين المهيمن على السياسة الإسرائيلية يعلي من قيمة الأرض ولا يرى بأن التوسع الإسرائيلي المدروس والقائم على تفريغ الأرض من أصحابها يقوض من المصلحة الصهيونية العريضة المتعلقة بيهودية وديمقراطية الدولة.
لا أحد يمكن له أن يتنبأ بكيف سيكون عليه الحال بعد عقدين من الزمان، غير أن ثمة مؤشرات قوية تفيد بأن إسرائيل غير قادرة سياسيا على حسم موضوع الانسحاب وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة، ونكاد لا نعثر على دراسة إسرائيلية جدية واحدة في السنوات العشر الأخيرة تبيّن بؤس المشهد الديموغرافي في العقد القادم على سبيل المثال، وكل ما نراه هو نشاط الباحثين المحسوبين على المدرسة الأمنية المتشددة والتي ترى بأن حل الدولتين لم يعد خيارا وأن السيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل هو إيجاد حل إقليمي يمكّن إسرائيل من الحفاظ على الأرض والطابع اليهودي للدولة معا مقابل انسحاب جزئي بالاتفاق مع دول عربية مجاورة وهنا الحديث عن مصر والأردن. بمعنى أن هذا التيار المتشدد والمسموع إسرائيليا لا يرى بتحذيرات ستاف شافير أمرا ملحا، فتصريحاتها وكتابات البعض عن هذه القضية على وجه التحديد لم تقرع بعد الجرس في المجتمع الإسرائيلي الذي ما زال يرى الصراع بأنه بين إسرائيل وجماعات "إرهابية" تريد أن تروع الإسرائيليين، وبتقديري هذا هو مكمن الخلل الذي ربما سيساهم في تقويض "الحلم الصهيوني" في نهاية المطاف.